تتزايد المخاوف الأوروبية من تحول الأزمة الاقتصادية الى أزمة سياسية قادرة على تهديد مستقبل الاتحاد، وفسح المجال للداعين لتفكيك التكتل الاقتصادي والسياسي الأوروبي الذي بات يعيش مفترق طرق، إذ يرى المحللون أن الفترة الأخيرة شهدت تراكم العديد من الملفات التي أضعفت الاتحاد وعمقت مشكلاته، في مقدمتها أزمة أكبر بنك أوروبي، الفرنسي ”بي أن بي باريبا”، إلى جانب الهزيمة السياسية التي تعرض لها رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون الذي اعترض على تعيين رئيس الوزراء البلجيكي السابق، رئيسا للمفوضية الأوروبية ما جعله يلمح إلى إمكانية الانسحاب من الاتحاد الأوروبي. يشير المتابعون لشؤون الاتحاد الأوروبي إلى أن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها العديد من الدول الأوروبية ساهمت بشكل كبير في ظهور نزعة مناهضة للاتحاد الأوروبي داخل دول الاتحاد، لاسيما مع صعود تيارات اليمين المتطرف التي ترى أن أسباب الأزمة الاقتصادية والمشكلات التي تعاني منها شعوب دول الاتحاد مردها السياسة الأوروبية، مطالبين بالخروج من هذا التكتل الإقليمي الاقتصادي والسياسي، ولعل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها فرنسا، إحدى أهم الدول المدافعة عن الاتحاد، ساهمت في تزايد المخاوف من تراجع دور الاتحاد الأوروبي، ليس اقتصاديا فقط وإنما على الساحة السياسية الدولية. من هذا المنطلق سعت السلطات الفرنسية لاعتبار أن الأزمة التي يمر بها بنك ”بي أن بي باريبا” أزمة سياسية ولا علاقة لها بالاقتصاد، في إشارة إلى أن العقوبات التي تسعى الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى فرضها على البنك لمعاقبته على استعمال الدولار الأمريكي في معاملات مع دول معنية بالحظر الاقتصادي الأمريكي، ويتعلق الأمر بكل من السودان، إيران وكوريا الشمالية، إنما تهدف إلى إضعاف أحد أكبر بنوك الاتحاد الأوروبي لتعميق الأزمة الاقتصادية في الاتحاد ومن ثمة إجباره على البقاء تابعا للولايات المتحدةالأمريكية في سياسته الخارجية. وبين أزمة البنك الفرنسي وتلميح رئيس الوزراء البريطاني بإمكانية تنظيم استفتاء يتيح للبريطانيين اختيار البقاء من عدمه في الاتحاد، باتت فرنسا تشعر بالتهديد باحتمال فقدانها الحليف البريطاني لتبقى ألمانيا وحدها متزعمة الاتحاد الأوروبي بفضل نجاعة اقتصادها، الأمر الذي ترفضه فرنسا في ظل تزايد نفوذ التكتلات الإقليمية. ويعتقد الفرنسيون أن أي حديث عن خروج بريطانيا من الاتحاد بمثابة التهديد المباشر لها، باعتبار أن السلطات الفرنسية تربط قوة موقفها على الساحة الدولية بقوة الاتحاد الأوروبي، وترفض ترك المجال لألمانيا لتنفرد بزعامة الاتحاد، الاسيما وأن العالم بات يتجه إلى تكتلات قوى اقتصادية إقليمية تسعى لفرض وجودها، ويعتبر الفرنسيون أن الدول الأوروبية غير قادرة على منافسة الاقتصاد الصيني، والاقتصادات الآسياوية الناشئة بمفردها، ما يجعل حتمية تقوية الاتحاد الأوروبي والحفاظ على تماسكه. ولعل هذا ما يفسر محاولات تدخل بعض الدول الأوروبية التي أبدت تأييدها لفرنسا في ملف بنك ”بي أن بي باريبا”، مثلما قامت به بلجيكا التي تحركت في محاولة لاحتواء تداعيات الأزمة المالية للبنك الفرنسي، مع العلم أنها تملك نحو 10 بالمائة من أسهم البنك، فيما يرى المحللون أن مسألة إنقاذ البنك الفرنسي أصبح مسألة سيادية لفرنسا وللدول المعنية بالحفاظ على الاتحاد الأوروبي، باعتبار أن تغريم البنك مبلغا ماليا قد تصل قيمته إلى تسعة ملايير دولار، من شأنه تعقيد الوضع الاقتصادي في الدول الأوروبية التي ينشط فيها البنك، هذا إذا لم تقرر الولاياتالمتحدةالأمريكية منع البنك بالتعامل بالدولار ما يشكل تهديدا مباشرا بالانهيار والإفلاس وتعميق الأزمة الاقتصادية في الاتحاد الأوروبي ومن ثمة إضعافه أكثر.