أكّد الشيخ مراد دبياش، إمام مسجد التّوبة بحيدرة، في حوار خصّ به “الخبر”، جواز جمع المال وإعانة بل وإكرام القارئ في التّراويح بذلك المال، مصداقًا لقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: “إنّ أحقَّ ما أخذتُم عليه أجرًا كتاب الله”، مشيرًا إلى أنّ الفقهاء أجازوا إعطاء القارئ من ذلك المال، مقابل جهده واجتهاده في مراجعة القرآن والقيام بالنّاس. كيف اخترت مسارك مع القرآن مقرئًا وإمامًا؟ ❊ في الحقيقة لم يكن قصدي وبغيتي وأنا صغير إمامة النّاس، لكني كنت أحبّ الأذان، وكثيرًا ما كنتُ أردّده في خلواتي، لم تكن لي نيّة وقصد إلاّ إتمام دراستي عبر المراحل التعليمية المختلفة. وحُبّب إليّ القرآن، فبدأتُ بحفظه صغيرًا بمسجد عمر بن الخطاب المعروف بمسجد “بلاطو”، وهناك تتلمذتُ على مشايخ عدّة، أخذتُ عنهم الأحكام وغيرها من العلوم، ولم أقصد بحفظه الإمامة، ثمّ لمّا رأى منّي أهل المسجد الحرص على الحفظ مع ترتيل طيّب للقرآن قدّموني لصلاة التّراويح، فكانت البداية بإمامة النّاس في صلاة التّراويح وذلك سنة 1988م. مَن هم أقرب مقرئي القرآن الكريم إلى قلبك؟ ❊ أقربهم إلى قلبي على الإطلاق الشّيخ محمّد صدّيق المنشاوي رحمه الله، والشّيخ محمّد أيّوب البُرمي، ومن قرّائنا القارئ رياض الجزائري الّذي آتاه الله صوتًا قويًا رائعًا، وصاحبيي النّبيلين القارئ ياسين وعادل تيجيني. ما نصيحتكم لمَن يلجأ لطلب العلم ويُهمِل حفظ القرآن الكريم؟ ❊ طالب العِلم لا غنى له عن القرآن، وما العلم إلاّ بحث ونظر واستنباط من آية أو حديث، وطالب العلم يكبُر في أعين النّاس إذا كان حافظًا للقرآن الكريم أو لأجزاء منه، ففي الحديث: “إنّ الله يرفع بهذا القرآن أقوامًا ويضع به آخرين”. والحقيقة أنّه لا يمكن لطالب العلم أن يخرج في طلبه عن العادة والمنهج الّذي سار عليه الأوّلون، فقد كانوا يبدأون بحِفظ كتاب الله، ثمّ حفظ المتون العلمية المختلفة. كيف ينعكس حفظ القرآن على سلوك الإنسان وأخلاقه؟ ❊ لقد كان خُلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم القرآن، والله تعالى قد قال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنةٌ}. فالتّأسّي به صلّى الله عليه وسلّم هو أخذٌ بما جاء في القرآن، فيجب أن ينعكس معنى الآيات على تصرّفات وأخلاق النّاس، فإنّ الله تعالى قد ذمّ قومًا لم تكن استفادتهم من كلامه إلاّ مجرّد حفظ الحروف فقال: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أسْفَارًا}. فلابدَّ أن يظهر نفع القرآن واستفادة العبد منه. كيف ترون ظاهرة جمع المال للمُقرئ نهاية رمضان؟ ❊ أمّا في مسجدنا فإنّنا لم نقم بها، وصراحة لا أرى فيها بأسًا، ولا مانع من جمع المال وإعانة بل وإكرام القارئ في التّراويح بذلك المال، وقد جاء في الحديث: “إنّ أحق ما أخذتُم عليه أجرًا كتاب الله”، ولهذا أجاز الفقهاء إعطاء القارئ من ذلك المال، مقابل جهده واجتهاده في مراجعة القرآن والقيام بالنّاس. كيف ترى دور المسجد الآن في التّواصل بين أبناء الحيّ واحتضانهم لتجنيبهم الفكر المتشدّد؟ ❊ هذا راجع ابتداء إلى اعتدال الإمام ووسطيته وسلامة منهجه وسداد فكره وحكمته في الدّعوة إلى الله تعالى، فإذا كان كذلك، فإنّه بحكم احتكاكه بالنّاس وسعيه في قضاء حوائجهم والتقرّب منهم، فهذا يبعث محبّته في قلوبهم، فإذا أحبّوه لأخلاقه وتواضعه، سمعوا لكلامه، ورجعوا إلى أقواله، وهذا يعصمهم من الضّلال والوقوع في التطرّف الدّيني المذموم شرعًا، ولهذا ينبغي على الدّاعية والإمام الّذي يمثّل المسجد أن يكون قريبًا من النّاس، يعيش في وسطهم، ويشاركهم همومهم ومصائبهم، أحزانهم وأفراحهم، يسعَى معهم لإيجاد الحلول لمشاكلهم، والأحكام الشّرعية لمسائلهم.