تواصل المخرجة الجزائرية سامية شالة رحلتها النضالية التي انطلقت سنوات التسعينات من الجزائر، قبل أن تستقر في فرنسا سنة 1994، هربا من بطش ما أسمته “المد الإسلامي”، حيث عادت عبر فيلم “مدام فرنسا” لمحاربة الإسلاموفوبيا، وقالت في حوار ل”الخبر”: “إن الأوضاع في فرنسا تنذر بالخطر بسبب السياسة العنصرية التي ترفض الكشف عن الدور الأسود الذي تلعبه النخبة الفرنسية في الترويج لمعاداة الإسلام في فرنسا”. كيف جاءتكم فكرة إعداد فيلم بعنوان “مدام فرنسا”؟ كنت أفكر في الوصول إلى تجربة سينمائية تحاكي الإسلاموفوبيا في فرنسا، فمنذ سنوات ونحن نعاني الحروب الأهلية في العالم العربي. ولكن بمجرد أن وقعت أحداث سبتمبر، تعاطفت فرنسا بشكل قوي مع الولاياتالمتحدةالأمريكية. لا أزال أتذكر جيدا المقال الافتتاحي الذي كتبه رئيس تحرير صحيفة “لوموند” حينها بعنوان “كلنا أمريكا”، حتى المناضلين في اليسار الفرنسي تعاطفوا بشكل قوي مع الولاياتالمتحدة، فالسياسة طغت على الأحداث الإنسانية. في فرنسا عندما يطلق أحد عبارة “مسلمين”، فهي تفهم مباشرة المهاجرين، تحديدا منهم الجزائريين الذين يقيمون في فرنسا. لقد لاحظت كيف بدأ الإعلام الفرنسي في الثماني سنوات الأخيرة يتهم المسلمين مباشرة بالعنف، قاصدا الجزائريين تحديدا. هل تصوير أفلام من هذا النوع في فرنسا عملية سهلة؟ أصبح الغرب اليوم يصنع الحروب ويفجر المشاكل الدولية ثم يعلق الشماعة على المسلمين، وهكذا بدأ الانفصال بيني وبين فرنسا، وبدأت أشعر بالمخطط الموجه لضرب الإسلام. وبدأت حكايات ضرب الإسلام من مشكلة الحجاب، الرسوم الكاريكاتورية المسيئة. صحيح هناك مشاكل، ولكنها مشاكل سياسية وجيوسياسية، فمعظم المسلمين في فرنسا فقراء يعملون فقط من أجل لقمة العيش. ورغم ذلك، فإن 80 في المائة من المساجين في فرنسا هم عرب ومسلمون. وقد بدأت النخبة الفرنسية تحارب المسلمين، ولغاية الآن لا يمكن إعداد فيلم عن الإسلاموفوبيا، وهو مشروع فيلمي في البداية. ورغم مرور 10 سنوات على تطبيق قانون منع الحجاب في فرنسا، إلا أن هناك قمعا من طرف النظام الفرنسي الرافض للحديث عن دور النخبة الفرنسية في محاربة الإسلام. أين كان العرض الأول للفيلم؟ قمت بعرض الفيلم في باريس خلال مهرجان “ليمغراب دي فيلم” وقد حقق نجاحا كبيرا، لاسيما لدى الجالية المسلمة والعربية المقيمة في فرنسا. كما أعرض الفيلم لأول مرة في الجزائر والمغرب العربي خلال تظاهرة الأيام السينمائية لبجاية هذا العام، ولكن اللائكيين في فرنسا هم أشد تعصبا وتشددا من الإسلاميين في الجزائر الذين يريدون فقط تطبيق الدين الإسلامي بالقوة، بينما أصبحت اللائكية في فرنسا تهتم بمحاربة الأديان، وهذا المفهوم الجديد للائكية في فرنسا، والذي ينافي الأساس الذي بنيت عليه منذ قرون، حيث لم يقم اللائكي الفرنسي في السابق بمحاربة الدين، وإنما كان يدعو فقط إلى الحرية الفردية، ورغم ذلك فقد حاولت جهات فرنسية تجاهل الفيلم وعدم بثه، فقناة “فرانس 3 كورس” التي ساهمت في إنتاج الفيلم، لا تزال ترفض بثه. لماذا كل هذا الحزن في الفيلم؟ في العادة أنا أهتم بالأعمال التي تحمل الفكاهة، ولكن هذه التجربة الأولى التي كنت فيها جد حزينة، ربما يرجع الأمر إلى كون الفيلم يحمل علاقة وتجربة حياة شخصية، فللأسف كان من المفروض أن أصور مع والدتي، ولكنها توفيت في نفس سنة إعداد الفيلم، ما دفعني إلى اللجوء إلى خالتي التي عوضت الوالدة في الفيلم. حاولت أن أحكي قصة بلدي من وجهة النظر الأقرب إلى الواقع الذي أعرفه، من خلال استخدام الذاكرة الخاصة التي أعتبرها الأكثر صدقا، وهي ذاكرة خالتي، وليس الذاكرة التي تريد الترويج لها الحكومة، فأنا لست مؤرخة ولست متخصصة في علم الاجتماع، ولكنني أردت البحث عن تاريخ فرنسا الاستعمارية من خلال قصة قريبة مني، وقد دعمت الأفكار في البحث والمعرفة، كيف كان الجزائري يعاني في ظل أحداث الذاكرة الكبرى. في الفيلم، أنت من لعب الدور الرئيسي، لماذا هذا الاختيار؟ طبعا لم تكن المهمة سهلة، فقد بدأت كتابة الفيلم سنة 2007، وحاولت التركيز على أنواع الحجاب المختلف الذي انتشر في الجزائر، سواء النقاب، الحايك وغيرهم، ما يعكس التنوع الذي تعيشه الجزائريات اليوم. ويرجع سبب أدائي للدور الرئيسي في الفيلم بدرجة كبيرة، إلى ميزانية الفيلم التي تتجاوز 50 ألف أورو، وهي ميزانية بسيطة، خصوصا أنني اعتمدت على صور من الأرشيف، وقد تأثرت كثيرا بفيلم المخرج عز الدين مدور “كم أحبكم”، الذي أخرجته سنة 1985 واعتمدت فيه كثيرا على صور أرشيف الجرائد وتسجيلات القنوات. لاحظنا في الفيلم استخدام صور أرشيفية متعددة، سواء من الثورة أو من القنوات التلفزيونية، هل كان الحصول على الأرشيف من جهات فرنسية سهلا؟ ليس مستحيلا، بل متاحا بشكل كبير، وقد كانت لي رغبة كبيرة في استخدام أرشيف الجيش الفرنسي، ولكن أمام ارتفاع أسعار الدقيقة الواحدة المصورة للأرشيف، لم أستطع إقناع الجهات المنتجة بذلك، رغم أن الوصول إلى الأرشيف بفرنسا أمر سهل ومتاح عبر المكتبات الإلكترونية ولكل مادة سعرها حسب الأهمية، وهناك مؤسسات فرنسية متعددة تقدم الدقيقة الواحدة للأرشيف المصور ب600 أورو. لماذا هاجرت إلى فرنسا؟ في البداية لم أكن مخرجة، فأنا في الأصل مهندسة ومدافعة عن حقوق المرأة، ولكن قررت الهجرة إلى فرنسا بسبب الأوضاع الأمنية التي عاشتها الجزائر بسبب “الحرب الأهلية”، وقد بدأت بالعمل مع المخرج الفرنسي “باتريس بار” وعملت مع قناة “البي بي سي”، وأول تجربة لي كانت سنة 1999 بعنوان “قاعة حلاقة”. لكن كانت أقوى تجربة قوية لي سنة 2005 عبر فيلم “فيزا نحو الحلم” أو “الهروب”، فالهجرة علمتني أن أحب بلدي أكثر، فأنا في الأصل ابنة باب الوادي ولا أزال أحلم بالعودة، مع الوقت تدفعك الهجرة إلى الإحساس بالرغبة في العودة.