شرعت مصالح الصحة الجوارية والصيدليات في استقبال الراغبين في تلقّي اللقاح ضد الأنفلونزا الموسمية، الذي تحوّل إلى سلوك سنوي، تحرص عليه بعض فئات المجتمع، خاصة المصابين بالأمراض المزمنة، وكبار السن، والنساء الحوامل؛ الأمر الذي يعكس الوعي بأهمية مكافحة بعض الفيروسات الموسمية، التي تؤثر، بشكل سلبي، على هذه الفئات من المجتمع، وفي وقت يلجأ البعض الآخر إلى الطرق الطبيعية للوقاية من التأثيرات الجانبية لمختلف الفيروسات؛ على غرار تناول طبق الحمامة، الذي يَعدّه البليديون بمثابة تلقيح طبيعي للوقاية من أمراض الشتاء. خصصت ولاية البليدة، في إطار الاستعداد للأمراض خلال موسمي الخريف والشتاء المعروفين بانتشار مختلف أنواع الفيروسات، 30 ألف جرعة لقاح، وُزعت على مختلف المراكز الجوارية والاستشفائية، فيما رصدت "المساء" ببعض الصيدليات، طلبا كبيرا، خصوصا من طرف كبار السن والمصابين ببعض الأمراض المزمنة من الذين تعوَّدوا على اقتناء اللقاح من الصيدليات، وهو المؤشر الذي يؤكد الوعي بأهمية اللقاح عند بعض فئات المجتمع، خاصة منهم المصابين بالأمراض المزمنة؛ خوفا من المضاعفات التي قد تصيبهم نتيجة الإصابة بالأنفلونزا الموسمية، لا سيما مع التحورات الكثيرة التي تعرفها الفيروسات في السنوات الأخيرة. تلقيح الفئات الهشة يعكس سياسة الدولة الوقائية أوضح الدكتور محمد ملهاق، المختص والباحث في علم الفيروسات، أن المواطن لا بد أن يفهم أن التلقيح يدخل ضمن السياسة الوقائية للدولة؛ الهدف منه حماية الفئات الهشة الأكثر عرضة للمضاعفات الخطيرة التي قد تكون قاتلة. وتوصي المصالح الصحية بضرورة أن يتلقى التلقيح، تبعا لتوصيات منظمة الصحة العالمية، كبار السن، والمصابون بالأمراض المزمنة، والنساء الحوامل، وأعوان الصحة، وحتى الأطفال، لافتا إلى أن التلقيح مجاني وليس إجباريا، ويدخل ضمن السياسة الوقائية للدولة. وحسب الباحث في علم الفيروسات، فإن الهدف الأساس من الحملة الوطنية السنوية للتلقيح التي تبدأ من شهر أكتوبر وتنتهي مطلع أفريل، هو التأكيد على تلقيح الفئات الهشة؛ لكون الفيروسات المرتبطة بالأنفلونزا الموسمية تتميز بالتذبذب الجيني والطفرات المتكررة كل سنة. وقال: "هنالك شبكة دولية لرصد التحورات، وتنقلات الفيروس، دورها إعداد الصيغة الجديدة للفيروس من أجل صنع اللقاح، وهو الذي يقودنا إلى التأكيد على أن اللقاح يتغير كل ستة أشهر؛ الأمر الذي يجعل من الضروري إعادة التلقيح؛ لأن نمط فيروس السنة الماضية يختلف، وبالتالي هناك تحيين للقاح"، لافتا إلى أن عملية التلقيح تتم مرة واحدة في السنة، وأن التلقيح لا يعني عدم الإصابة بالأنفلونزا، وإنما تَحدُّ من الآثار القوية للمرض". ويختم الدكتور ملهاق بالتأكيد على أن لقاحات الأنفلونزا الموسمية آمنة، ومجربة منذ أكثر من 60 سنة، وأنه لا داعي مطلقا للخوف منها حتى وإن تسببت في حدوث حمى أو ألم. وفي ما يتعلق بفيروس "كورونا" قال لايزال موجودا، ولكنه لم يعد يشكل خطرا على الصحة العمومية، وأن الحديث عن التلقيح يُطرح عندما يكون المرض يهدد الصحة العمومية؛ مثل الأنفلونزا الموسمية التي تصيب أعدادا كبيرة من المواطنين. "الحمامة" طبق صحي لكنه لا يحل محلَّ التلقيح يبادر سكان ولاية البليدة مع بداية موسم الخريف، بتحضير طبق "الحمامة" الذي تشتهر وتنفرد به الولاية، والذي يتميز بذوقه الحار بالنظر إلى ما يحتويه من أعشاب طبيعية يتم جلبها من جبال الأطلس البليدي؛ حيث يزيد عدد الأعشاب العطرية والطبية التي يحضَّر بها طبق الحمامة، على 100 عشبة، وعلى سبيل المثال لا الحصرو الفليو، والزعتر والحلحال. وأكد الطبيب فتحي بن أشنهو ابن ولاية البليدة في تصريحه ل"المساء"، أن ولاية البليدة عُرفت منذ القدم بأطباقها التقليدية، خاصة ما تعلق منها بطبق الحمامة، الذي ترجع فيه تسمية "الحمامة" إلى اتصال أكل كسكسي الأعشاب العطرية، بالحمّام. وقال: "كانت النساء بعد العودة من الحمّام يتناولن طبق الحمامة لتدفئة الجسم، ومن هنا جاءت التسمية" . وقد ارتبط الاسم، وفق المتحدث، "بموسم الشتاء بالنظر إلى ما يتوفر عليه من أعشاب طبيعية عطرية وطبية، ضرورية لتحضير كسكسي الحمامة، خاصة ما تعلق منها بالزعتر"، مشيرا إلى أن سكان المناطق الجبلية يحرصون خلال هذا الوقت من السنة وتحديدا في المكان المسمى "السوق" بقلب البليدة، على بيع مختلف الأعشاب في الأسواق الشعبية بالنظر إلى الطلب الكبير عليها؛ لتحضير كسكسي الحمامة. وحسب الطبيب بن أشنهو، فإن السرّ في طبق "الحمامة" هو العدد الكبير من الأعشاب العطرية والطبية التي يحضَّر بها كسكسي الحمامة، والذي يتم تناوله بزيت الزيتون؛ حيث إن اجتماع هذا العدد الكبير من الأعشاب يعطي الجسم نوعا من المقاومة لأمراض الشتاء، خاصة ما تعلق منها بالأنفلونزا، مشيرا إلى أن ما ينبغي التنبيه إليه، أن تناول طبق الحمامة لا يحل محل التلقيح وإنما يرافقه، وهذا ما يجب التأكيد عليه. وأشار إلى أن بعض سكان البليدة يعتقدون أن تناول طبق الحمامة يحميهم من الإصابة بالأنفلونزا، خاصة سكان المناطق الجبلية، " وهذا غير صحيح؛ لأن العلاج الوقائي من الأنفلونزا يكون بالتلقيح ". ويوضح المتحدث: " لا سيما أن الفيروسات منذ جائحة كورونا، عرفت تحورات كثيرة، تتطلب أن يتم الحرص على التلقيح منها؛ كإجراء وقائي، وتحديدا بالنسبة للفئات الأكثر عرضة للأمراض، من الذين يعانون من الأمراض المزمنة، والعاملين في بعض القطاعات التي يكون فيها احتكاك كبير مع المواطنين؛ مثل قطاع الصحة "، مؤكدا: " كلما كان التلقيح مبكرا كانت الوقاية الجماعية أفضل".