هذا الوضع استغله الوسطاء وسماسرة ومهربون ممن قدموا من أزيد من 30 ولاية لشراء الخرفان والكباش وإعادة بيعها، بينهم موظفون في الأمن وأطباء ومهندسون ومقاولون ولكنهم اصطدموا بحاجز شرط حيازة الشهادة الطبية لسلامة القطيع، ما أثار غضب وسخط كثير منهم ومعهم الموالون واعتبروا ذلك عرقلة لنشاطهم. وعلى العموم فإن أسعار أضحية العيد هي في متناول كافة طبقات المجتمع بالجلفة والبيض وباقي الولايات الرعوية ولكن تدخل السماسرة و(البزناسية) جعل العيد في باقي الولايات يخضع لقاعدة “الكبش لمن استطاع”. الزائر لأسواق الماشية في عين الابل، الجلفة، حاسي بحبح، عين الرومية، البيرين ومسعد، لا يسمع أي حديث في وسط الموالين والمواطنين وحتى الوسطاء عن الحمى القلاعية، فعندما دخلنا سوق مسعد الواقعة على بعد 80 كيلومترا عن مدينة الجلفة وهي ثاني أكبر أسواق الماشية بعد البيرين في الولاية، كان حديث الناس بشكل عام منصبا على انتقاداته للسلطات المحلية حيال طريقة تعاطيها مع الشهادة الطبية التي فرضت بالدرجة الأولى على الموال وعلى من يشتري قطيع الغنم، وهي شهادة ضرورية يقدمها من يقوم بشراء قطيع الغنم والتنقل بها إلى ولاية أخرى أو منطقة أخرى عند نقاط المراقبة إلى مصالح الدرك الوطني أو الشرطة، تثبت سلامة القطيع المنقول، فعلى مستوى مدخل هذه السوق نصبت 4 مكاتب للمراقبة البيطرية الطبية، وبوسع الداخل إليها أن يلحظ طوابير كبيرة انتظم فيها مئات الأشخاص بهدف الحصول على الشهادة المذكورة. “كان على الدولة أن تفتح السوق مبكرا..” بين هؤلاء من جاء من ولايات تبسة، سوق اهراس، باتنة، عين مليلة، أم البواقي، خنشلة، قسنطينة، ميلة، برج بوعريريج، المدية، سكيكدة، بجاية، غليزان، معسكر، وهران وغيرها. وهؤلاء كلهم وسطاء يشترون ثم يبيعون، خاصة أن القادمين من الولايات الحدودية الشرقية تبسة، سوق اهراس، أم البواقي، خنشلة وغيرها استفادوا من مستجدات سياسية هذا العام تتمثل في فتح الحدود مع تونس بعدما كانت مغلقة العام الماضي، إذ كان حضور هذه الولايات في مسعد قويا بالنظر إلى ترقيم لوحات الشاحنات التي وجدناها بالسوق. ويرى “الطيب.م”، وهو مربي مواشٍ بمسعد، أن تواجد التبسية بالسوق مؤشر واضح على أن هناك انتعاشا لعملية التهريب باتجاه تونس والأمر نفسه بالنسبة للقادمين من باقي الولايات الحدودية المجاورة لتونس. في غمرة أجواء السوق المختزلة في عملية البيع والشراء، لفت انتباهنا شيخ مسن كان مشتعلا غضبا، عندما اقتربنا منه كان يقول “بعته قطيعا من الخرفان يقدر سعر الخروف الواحد ب34 ألف دينار، لكن عندما وصل إلى العاصمة هتف لي وقال لي إني بعت الخروف الواحد ب7 ملايين سنتيم”. الشيخ المسن الذي كان عمره يقترب من التسعين عاما كان يتأسف على فعلته ويقول “8 أشهر وأنا أقوم بالتربية وفي الأخير يأتي سمسار ويأخذه مني”. وما لاحظناه في السوق هو وجود علاقة ثقة بين الموال والبيطري والدرك الوطني والشرطة، بالنظر إلى التسهيلات المقدمة من قبل هذه الأطراف، فالبيطري يقدم شهاداته الطبية للموال والمشتري بناء على طلباتهم. وتتم عملية فحص القطيع في الصباح الباكر في السوق، يقوم البياطرة بإلقاء نظرة عامة على قطيع الخرفان بملاحظة مظهرها وسلوكاتها وملامحها، وحين يتأكد من عدم ملاحظة أي عرض مرضي يقدمون الشهادة. يقول محمد لطرش وهو مربي مواشٍ مقيم في دائرة مسعد “لم تسجل أي حالة إصابة للغنم بالحمى القلاعية بولاية الجلفة مند ظهور المرض، فقرار الدولة بغلق السوق كان له أثر كبير في عدم تنقل المرض”. إلا أن موسى قروم (36 سنة) مربي مواشٍ يقيم في مسعد يقول “إن الأسعار في مسعد لم ترتفع ولم تتغير منذ مدة لأن العرض متوفر بكثرة والطلب غائب لأن الدولة غلقت السوق ما حال دون بيعها على عكس الأعوام السابقة، فالدولة فتحت أسواق الماشية في وقت متأخر”. “نحن نبيع خرفاننا بالخسارة”.. ويضيف موسى “كان من المفروض فتح السوق قبل شهرين من حلول عيد الأضحى، فلماذا تم التعامل معنا مثلما تم التعامل مع أصحاب مربي البقر المريضة، مع العلم أننا طلبنا من السلطات المحلية تسريع عملية المراقبة البيطرية حتى لا تكون هناك عراقيل في عملية البيع والشراء، إلا أننا لم نتلق أي جواب”. هذا الطرح يدعمه مرب آخر من مسعد “للعلم أن تربية المواشي هو عملنا الوحيد ومنه يأتي مدخولنا الوحيد فلماذا لم يتم الإسراع في فتح سوق المواشي، هذا العام دخلنا في أزمة لأننا لم نجد الأطراف التي نبيع لها لأن السوق مغلقة، لذلك نحن اليوم نبيع بالخسارة لأن العرض كبير والطلب غير متوفر”. فالمتجول في سوق مسعد بوسعه أن يجد الأسعار تتراوح بين 22 ألف إلى 45 ألف دينار، و80 بالمائة من الخرفان في السوق يتراوح سعرها بين 22 إلى 35 ألف دينار. ويرى علي، وهو موال، أن الأسعار انخفضت في مسعد بعدما كانت مرتفعة نوعا ما بسوق الأغواط يوم الثلاثاء الماضي “فالكبش الذي يباع في مسعد ب34 ألف دينار بيع بسوق الأغواط ب40 ألف دينار”. طوابير وهاجس الشهادة البيطرية ومع أن الأسعار لم تكن مرتفعة إلا أن كثيرا من الوسطاء كانوا غاضبين وساخطين على الطريقة التي يتم بها منح الشهادات الطبية وساندهم في ذلك الموالون، معتبرين إياها امتدادا للإجراءات البيروقراطية السائدة في البلاد بالنظر لحالة الازدحام والفوضى التي اعترت العملية، على اعتبار أن الشهادات لا تقدم في وقتها وتستغرق وقتا أطول لأن عدد البياطرة قليل. ويعترف طباش عيسى، أحد الوسطاء ممن قدموا من الجلفة إلى مسعد “جئت من الجلفة إلى مسعد لشراء الغنم على أمل بيعها في الجزائر، إلا أن البيطري قال لي عليك الانتظار، فانتظرت 6 ساعات وهو ما جعلني أتراجع عن عملية الشراء، لذلك فكل الراغبين في الشراء يطالبون بفتح مكاتب بيطرية على مستوى الدائرة والبلدية لتسهيل الحصول على الشهادة”. ويضيف “لماذا بالضبط تم وضع مكاتب المراقبة الطبية البيطرية أمام السوق، فهناك خطر على الموال وعلى المشتري عندما ينتقل بها ليلا، فهناك سوء تنظيم للسوق نظرا لغلاء الأعلاف وعدم تدخل الدولة لسن سياسة معينة ولذلك نحن نتنبأ بانقراض مهنة تربية المواشي مستقبلا”. كانت حالة الازدحام قد بلغت ذروتها عندما اقتربنا من أحد المكاتب ولولا تواجد عناصر الدرك الوطني لتسببت في مناوشات. وفي سياق ذلك، قال لنا البيطري المكلف بتسليم الشهادات بذلك المكتب “أنا أقوم رفقة بياطرة 5 دوائر المتواجدين على مستوى الثلاثة مداخل أخرى للسوق بمنح الشهادات، فهناك ازدحام لا نظير له نتيجة غياب التنظيم، وللحصول على الشهادة الطبية لسلامة القطيع يجب تقديم البطاقة الرمادية للشاحنة آو العربة”. والواقع أن الكل يجمع على أنه لم يتم تسجيل ولا إصابة واحدة للأغنام بالحمى القلاعية في كامل أنحاء ولاية الجلفة عكس ما حدث لقطيع البقر، إذ سجلت حالات بعدما اكتشفت بؤر للحمى القلاعية في مناطق فيض البطمة، الجلفة، حاسي بحبح، البيرين وتم ذبح 20 رأسا بعملية صحية إلى غاية 20 أوت من الشهر الماضي، ويقال إنه منذ ذلك الوقت لم يتم تسجيل حالات أخرى. لولا التدابير الوقائية لانتقلت العدوى إلى الغنم صرح رئيس الغرفة الفلاحية لولاية الجلفة، محمد قديد، الذي استقبلنا بمكتبه بالقول: “بخصوص الأغنام لم تسجل أي حالة في الجلفة ولا حتى عبر كامل ولايات الوطن وهذا تبعا للتدابير الوقائية المتخذة من قبل وزارة الفلاحة، بين هذه التدابير توقيف بيع المواشي في الأسواق ومنع تنقلها، فضلا عن الإرشادات الصحية المقدمة للمربين، بينها نظافة الإسطبل وكذا التلقيح الواقع على عاتق الدولة بالنسبة للأبقار”. وأضاف المسؤول “لولا عملية تلقيح الأبقار ربما كان المرض ينتقل للأغنام زيادة على حث المربين على اتباع تدابير وقائية كلبس الثياب الخاصة بتربية المواشي”. وتابع يقول: “تم فتح أسواق الماشية يوم 12 سبتمبر بعدما اتخذت تدابير وقائية بينها تطهير الأسواق بمادة الجير الحي فور إنهاء عملية البيع اليومي من قبل المصالح البلدية، والحرص على أن يكون أي تنقل للماشية خلال هذه المرحلة موجبا لترخيص رسمي يسلم من قبل المصالح البيطرية ووجوب وضع مصالح الطب البيطري على مستوى كل الأسواق قصد مراقبة دخول وخروج الماشية”، ويشير إلى أن الغرفة الفلاحية لم تتلق أي شكوى من قبل الموالين بخصوص الحصول على هذه الشهادة، موضحا بأنه لا خوف على كبش العيد من الحمى القلاعية، ولو أنه يعترف بارتفاع نسبي للأسعار، وهو ارتفاع متواصل من عام لآخر راجع لعدة أسباب بينها ارتفاع سعر الأعلاف وتقهقر الغطاء النباتي بالنسبة للسهوب مع ارتفاع كافة المصاريف المباشرة وغير المباشرة الخاصة بتربية الماشية، اليد العاملة، الماء والنقل كل ذلك نتيجة الجفاف. ولاتزال ولاية الجلفة ومنذ سنين طويلة تحتل مقدمة ولايات الجمهورية الجزائرية في تربية المواشي ولاسيما الخرفان، بدليل أن العام والخاص في هذه المدينة وبعض الولايات السهبية كالبيض والنعامة وسعيدة وتيارات.. يعرف أن دوائر عين الابل، مسعد والجلفة هي من أشهر المناطق على الإطلاق في هذه الولاية في تربية الخروف. ولكن أغلب الموالين (المربون) يعيشون كرحالة في الولايات الرعوية السهبية والتلية على مدى فصلي الشتاء والصيف، يسرحون بأغنامهم إلى البيض والنعامة وبشار وسعيدة، تيارت، المدية، سيدي بلعباس وغيرها، على اعتبار أن الجلفة هي أقل هذه الولايات حظا في مجال الرعي. وكان سعيد ونوغي، وهو الأمين العام للغرفة الفلاحية بالجلفة، قد صرح لنا في وقت سابق أن “المنطقة تحصي مليون و470 ألف رأس من الغنم، فيما يقدر عدد الموالين الذين يدفعون 1000 دينار كاشتراك للغرفة كل عام ب7 آلاف موال، وهم منتظمون في 8 جمعيات”. ولكن العدد الإجمالي للموالين يفوق 7 آلاف على اعتبار وجود آخرين غير منخرطين في الغرفة، وحتى أسواقها يقصدها الموالون من 16 ولاية مثل سوق البيرين وهي سوق مرجعية للمواشي، خاصة أن أغنام المنطقة كثر عليها الطلب ولاسيما من قبل ولايات شرق البلاد بغرض تهريبها إلى تونس. ولكن ما هي الأسباب الرئيسية التي تقف وراء هذا الارتفاع الطفيف لأضحية العيد هذا العام؟ يجيب بعض المربين بالإجماع “ارتفاع أسعار الأعلاف وارتفاع قيمة اليد العاملة المكلفة برعي الغنم هذه السنة، فالعامل الذي كان يأخذ 30 ألف دينار للشهر في السنوات الماضية، لم يتم العثور عليه هذه السنة مقابل أجرة شهرية قدرها 50 ألف دينار، وزيادة على ذلك، فقد تضاعف سعر الحصيدة، المساحة المخصصة لرغي الغنم، فبعدما كان سعر 20 هكتارا يقدر ب6 ملايين سنتيم، قفز سعرها هذا العام إلى 10 ملايين سنتيم”. وتشير التقاليد الخاصة بالموالين في الجلفة إلى أن أسعار الماشية تتحكم فيها أيضا معطيات تتعلق بالمناخ، فالعام الذي تتساقط فيه الأمطار بكثرة يرفض فيه الموال بيع قطيعه من الغنم عكس عام الجفاف الذي عادة ما يكون مجلبة لمتاعب تتعلق بالأعلاف، ما يقود الموال إلى بيع ماشيته بأبخس الأثمان دون تردد. ويقول عارفون بهذه التقاليد إن العام الجيد تلوح بشائره اعتبارا من ال15 من شهر أوت إلى ال15 من شهر سبتمبر من كل عام. لكن هل الموال يتحمل جزءا من المسؤولية في ارتفاع أسعار الخرفان والكباش على اعتبار أن الأسعار عادة ما تكون معقولة في باقي أيام السنة وتلتهب كلما اقتربت مناسبة العيد؟ وكان الأمين العام للغرفة الفلاحية السيد ونوغي قد قدم لنا تفسيرا لذلك، أن “سوق الماشية هي سوق حرة تخضع للعرض والطلب ولا يوجد من يتحكم فيها، بل ولا يوجد دفتر شروط بين الغرفة الفلاحية والموال ولو أن الغرفة تمنح رخصا للحصول على الأعلاف مثل الشعير وغيره للموال، لكن هنا يطرح السؤال من يراقب العملية؟”. ويضيف: “الموال يأخذ أقل من 500 غ من الأعلاف عن كل رأس في السنة بالجلفة وتوجد نقطة بيع واحدة فقط في المنطقة”. بينما يقول مرب آخر: “من المفروض أن نتحصل على 500 غ شعير عن كل رأس غنم في اليوم، وللأسف أن هذه الكمية نتحصل عليها مرة واحدة في العام، فالموال لا يأخذ حقوقه كاملة من الأعلاف، فكيف يمكن محاسبته في عملية بيع قطيعه من الخرفان أو الكباش”. المنطق الذي تؤمن به الغرفة الفلاحية هو مضاعفة الإنتاج وليس مراقبة السوق، فرغم ما تنتجه ولاية الجلفة من رؤوس الأغنام إلا أنه مازال يعتبر إنتاجا ضعيفا، فالجلفة اليوم تعيش واحدة من المفارقات، حسب الأمين العام، مفادها أن “الموالين يقومون بالتربية وفي آخر المطاف يأتي الانتهازيون ليأخذوا الأرباح”، وربما لهذه الأسباب تقرر إنجاز نقطة إضافية أخرى لبيع الأعلاف في المنطقة بحاسي بحبح. إلا أن رئيس الغرفة الفلاحية بالجلفة، محمد قديد، يفضل وضع أصبعه على الجرح مباشرة يقول إن “هناك وسطاء يتدخلون في سوق الماشية، بدليل أن هناك قطيعا من الغنم يباع 5 مرات، والموال هو مربٍ وليس مسمنا، فهناك فئة من المسمنين ينتهزون الفرصة ويلهبون الأسعار”. التعريف الذي يقدمه رئيس الغرفة للموال، هو المربي الذي يكسب النعجة الولود وهو في حاجة إلى بيع الخروف عندما يصل عمره 6 أشهر، يبيعه حتى يوفر للنعجة الأعلاف الكافية حتى تتمكن من الولادة مرة ثانية، لذلك نادرا ما يوجد الموال الذي يحتفظ بخروفه لمدة عام. ويقول “إن سوق الماشية توجد بها لوبيات تتحكم في سوق الكباش، وفي كل المناطق السهبية توجد فئة متخصصة في التسمين، وبين المسمنين توجد فئة الدقائق الأخيرة التي تبيع منتوجها في الولايات الشمالية والأسواق الكبرى للنعامة والبيض والجلفة”. وكان أحمد سنوسي (تجاوز سن السبعين) وهو رئيس جمعية الموالين المجاورين للغابات، صرح لنا في سياق ذلك “أن الأسباب راجعة إلى ارتفاع تكلفة كراء المحاصيد الربيعية (المحميات الطبيعية التابعة للخواص) وكذا ارتفاع سعر الأعلاف، بدليل أن سعر القنطار من الشعير تخطى عتبة ال3000 دينار، وذلك قبل افتتاح تعاونيات الحبوب والبقول الجافة في ال15 من شهر سبتمبر، إلى جانب ارتفاع أجر الراعي من 30 ألف دينار إلى 50 ألف دينار شهريا، وصولا إلى ارتفاع تكلفة إيجار الشاحنات لنقل الماشية من منطقة إلى أخرى”. قرض الرفيق ضروري وعلى هذا الأساس، يقدم رئيس الغرفة الفلاحية تصورا مؤداه أن الموال يجب أن يستفيد من قرض الرفيق على نحو ما استفاد منه فلاحون آخرون “طالبنا بقرض الرفيق للموال لأنه لا يتوفر على سيولة مالية لتغطية نفقات الأعلاف، وهذا القرض سيضمن له عدم بيع منتوجه قبل الأوان. وما عرفناه أن المشكل الذي يواجهه الموال أمام البنك هو عدم حيازته على الضمان مثل الضمان المتمثل في الأرض بالنسبة للفلاحين، خاصة أن العارفين يقولون إن أكبر ولاية سهبية من حيث الموالين هي ولاية الجلفة، ولو أن نمط الترحال بها (الشتاء والصيف) مازال متحكما في تربية الماشية، كما أن المسالخ الجهوية التي يجري إنجازها بحاسي بحبح وبوقطب ستسهم في انخفاض الأسعار، على اعتبار أن الموالين سينتظمون في تجمعات مشتركة تربطهم اتفاقيات بهذه المسالخ. الطريق إلى البيض خالٍ من شاحنات الأغنام من الجلفة إلى ولاية البيض، وعلى مسافة تقارب ال300 كيلومتر كانت الطريق شبه خالية من مظاهر مختلف الشاحنات المحملة بأضحية العيد القادمة من البيض والنعامة وسعيدة باتجاه ولايات أخرى عكس ما كانت عليه الأوضاع في السنوات السابقة، والأكيد أن الحرص على أن يكون أي تنقل للماشية خلال هذه المرحلة موجبا لترخيص رسمي يسلم من قبل المصالح البيطرية (الشهادة الطبية) هو الذي كبح نشاط هؤلاء الوسطاء. عندما دخلنا سوق البيض الواقع على مرمى حجر من قلب المدينة في حدود الساعة الحادية عشرة صباحا وجدناها سوقا عامرة، كما لو أن الموالين أقسموا بأن يأتوا بكل ما لديهم من قطيع لهذه السوق التي استوت فوقها الآلاف من رؤوس الأغنام، فيما اصطفت مئات الشاحنات القادمة أغلبيتها من الولايات الشرقية الحدودية على جوانب السوق كما لو أنه اليوم الموعود رغم الزوابع الرملية التي ميزت يوم الخميس. فعلى أرض سوق البيض تقاطعت طموحات الموالين مع الوسطاء و(البزناسية) والمهربين ولكنها اصطدمت بإرادة الدولة ومخططاتها. فالموالون جاؤوا بكل ما لديهم من قطيع إلى السوق لبيع ما أمكن من رؤوس، وهم الذين قالوا لنا هناك إن حالة خوف كبيرة تملكتهم بعد أن تأخرت الدولة في فتح أسواق الماشية لأن العرض فاق بكثير الطلب، بينما يرى وسطاء وسماسرة ومهربون جاؤوا من تبسة، ڤالمة، سوق اهراس، عنابة، خنشلة، أم البواقي، قسنطينة، الشلف، تيزي وزو، البليدة، برج بوعريريج وغيرها، أن البيض هي سوقهم المفضلة منذ عشرات السنين وهي مجالهم الحيوي المفضل لعدة اعتبارات بينها الأسعار المنخفضة وجودة سلالة الخروف، بين هؤلاء الوسطاء يوجد موظفون في الأمن وأطباء ومهندسون ومقاولون وهم أصحاب الدقائق الأخيرة الباحثون عن الربح. ولكن طموح هؤلاء (البزناسية) اصطدم بشرط حيازة الشهادة الطبية لسلامة القطيع المراد نقله إلى ولاية أخرى حتى تسهل له المرور أمام نقاط المراقبة للدرك والشرطة. يقول (م.هشام) شاب جاء من ولاية عنابة لشراء الخرفان قصد إعادة بيعها في عنابة “لقد انتظرنا في سوق بوقطب بالبيض يوم الثلاثاء منذ الصباح إلى غاية الساعة الخامسة مساء بهدف الحصول على الشهادة الطبية، وهناك من فقد ثلاثة كباش نتيجة طول عملية الانتظار، مع العلم أنه لم يتم تسجيل أي إصابة للغنم بمرض الحمى القلاعية لا في البيض ولا في الجلفة أو النعامة”. الداخل إلى سوق البيض بوسعه أن يقف على مظاهر عشرات الأشخاص يتزاحمون في طابور تشكل أمام خيمة نصبت لتكون مكتبا للمصالح البيطرية بغرض تقديم الشهادات، فيما تشكل طابور موازٍ أمام سيارة رباعية الدفع، بداخلها يحرر بياطرة شهادات طبية لسلامة القطيع ويقدمونها للموال والمشتري. ويطرح هذا الوضع تساؤلا آخر عن المنطق الذي تتبعه السلطات المحلية في التعاطي مع مسألة سوق الماشية، فلماذا لا يتم إنجاز أو بناء مكاتب مؤقتة والمجيء بأعداد كافية من البياطرة لتسريع وتسهيل منح الشهادات؟ إلا أن المفتش البيطري لولاية البيض، ساعد الهواري، يرى أن العملية تسير بشكل جيد “ففي الصباح الباكر نقوم بعملية التفتيش من جانب فحص القطيع والتأكد مما إذا كان مصابا أم لا، ثم نقوم بعدها بتسليم الشهادات البيطرية تتضمن عدد القطيع ووجهة الشاحنة ومدة الصلاحية المحددة ب24 ساعة”. ويضيف المسؤول ذاته “لحد الآن، أي منتصف النهار، قمنا بتسليم أكثر من 300 شهادة والعملية متواصلة، ولما يفرغ السوق نقوم بتطهيرها باستعمال المطهرات ولدينا مداومة خلال أيام الأسبوع والعطل الأسبوعية”. ويؤكد المفتش البيطري أنه “لم يتم تسجيل أي إصابة بالولاية، وسوق البيض تأتيه كل ولايات شرق البلاد ووسطها، ففي سوق بوقطب التابع للبيض قمنا بتسليم 600 شهادة في يوم واحد في حدود 30 ألف رأس غنم، مع العلم أن سوق البيض يتجاوز ال50 ألف رأس”. ويتواجد أمام سوق البيض 8 أطباء بيطريين وتم تلقيح أزيد من 18 ألف رأس من البقر خلال شهر واحد. وإذا سألت عن الأسعار بالسوق ستجدها تتراوح بين 2 إلى 6 ملايين سنتيم وهي أسعار في متناول كامل الناس، بل إن القناعة التي التقى فيها الباعة والمشترون في السوق ممن تحدثنا إليهم هي أن الأسعار كانت جيدة وفي متناول جميع الناس، فيما يقول أحد الوسطاء “نحن نفضل شراء الماشية من البيض لأن أسعارها منخفضة ثم نعيد بيعها”. وإذا كانت ولاية الجلفة تحتل الصدارة في تربية الخروف، فإن ولاية البيض تحتل الصدارة في تسمين الماشية. وكان الحاج محمود وهو موال يختص في تسمين الماشية من ولاية البيض، قد قال لنا في وقت سابق إن الأغنام الجزائرية مطلوبة بشكل كبير في كل من تونس وليبيا والمغرب وهي أغنام تصل حتى إلى إيطاليا نتيجة التهريب.