عندما يتابع المرء النقاش الدائر في الجزائر حول الرئاسيات والنقاش الدائر في تونس حول الإصلاح السياسي في هذا البلد الشقيق، يحس بالبؤس. مستوى النقاش السياسي والإعلامي في تونس “يسخّف” ومستوى النقاش في الجزائر يصيب المتتبع بالقرف.! الأمر لا يتعلق بالمستوى الثقافي للفرد التونسي والمستوى الثقافي للفرد الجزائري، بل يتعلق بالمستويات التنظيمية لهياكل المجتمع المدني في تونس وهياكل المجتمع المدني في الجزائر. التنظيمات السياسية والاجتماعية في تونس تتيح للفرد التونسي والمجتمع التونسي بأن يبرز أحسن ما هو موجود في المجتمع التونسي ليتولى القيادة في التنظيمات السياسية والاجتماعية.. أما عندنا فالتنظيمات السياسية والاجتماعية وطريقة عملها، لا تسمح إلا بإبراز أرذل ما عندنا من رداءة! انظروا إلى الاتحاد العام التونسي للشغل كيف قام بدوره الريادي في تحرير تونس في الخمسينيات وحافظ على هذا الدور في عهد بورڤيبة، إلى درجة أنه صار المرجع البارز لمعارضة التسيير البورڤيبي للبلد. واليوم كان الاتحاد التونسي للشغل مرجعا للسياسيين، عندما تأزمت الأوضاع في تونس، بعد تولي النهضة وحلفائها الحكم، وقام اتحاد العمال التونسي بتوفير إطار وطني للنقاش السياسي، أدى إلى حل أزمة السلطة في تونس جزئيا. عندنا، أدت الرداءة والانتهازية والفساد في اتحاد العمال الجزائريين إلى كوارث تنظيمية أفرزت كوارث نقابية لا تصلح حتى للتأييد والمساندة للفساد وسوء تسيير الحياة الاقتصادية والسياسية في البلاد. والأمر لا يتعلق بمستوى التطور الاقتصادي وعالم العمال في الجزائروتونس، بل يتعلق بالدمار العام الذي أحدثه النظام بالجزائر في كل مؤسسات المجتمع المدني. انظروا أيضا إلى عالم الإعلام والصحافة في تونس ونوعية الأداء في الجزائر لهذا القطاع من حيث المهنية، لتلاحظوا ذلك الفرق الشاسع في نوعية الأداء المهني في تونس مقارنة مع الأداء في الجزائر، والسبب لا يعود إلى الإمكانات المادية، بل يعود إلى نوعية تعاطي السلطة مع الإعلام هنا وهناك. هل من الصدفة أن الإعلام التونسي يعيش الحد الأدنى من التنظيم النقابي، وفي الجزائر يعيش القطاع “الهملة” الكاملة تماما مثلما تعيش قطاعات الحكم “الهملة” الكاملة في البرلمان والحكومة والرئاسة وحتى المؤسسات الأخرى الحيوية، حيث يرتع فيها الفساد والرداءة! نعم، الأزمة في الجزائر شاملة لأنها أزمة نظام حكم وليست أزمة سوء تسيير ظرفي فقط.