يتجه الكثير من ضحايا أعمال العنف في غرداية للاعتقاد بأن الأحداث التي بدأت قبل سنة تقريبا في المدينة، كان وراءها طرف ثالث تمكن من الإيقاع بطرفي النزاع من ميزابيين وعرب ليتحولوا في الواقع إلى ضحايا مؤامرة، ويرى مسؤولون في الإدارة في غرداية بأن أعمال العنف جاءت نتيجة سيطرة مجموعة من المحرضين على الشارع في جانبي النزاع، وفقدان الأعيان للسيطرة على الوضع. في ليلة 22 ديسمبر 2013، اندلعت أعمال العنف في مدينة غرداية، شُردت بعدها مئات الأسر، وأدت إلى تحويل مئات الأشخاص إلى البطالة، وقسمت المدينة إلى منطقتين، وكادت أن تؤدي إلى الإخلال بالأمن الوطني عندما اندلعت منها احتجاجات الشرطة في منتصف شهر أكتوبر 2014، وتزايد عدد المؤمنين بفكرة وجود جهة ثالثة تعمل على تأجيج النزاع في غرداية، فمازال منفذو عدد من الجرائم وعمليات التخريب مجهولين، ومنفذو عدة جرائم قتل مازالوا طلقاء، ورغم هذا رفضت السلطات العمومية على مدى 12 شهرا الرد على مطالب رفعها ناشطون من غرداية لا تتعلق بتعويض أو توفير أمن، بل إجراء تحقيق حيادي وشفاف في ما قبل وما بعد أعمال العنف. أسئلة دون إجابة.. يعتقد عمران بن حمادي عضو الشبكة العربية لحقوق الإنسان، أن السلطات تتخبط في موضوع التعامل مع أعمال العنف في مدينة غرداية، وقد وقعت ضحية التقارير غير الصحيحة التي كانت تتلقاها من المسؤولين على المستوى المحلي في غرداية قبل اندلاع أعمال العنف وفي مراحلها الأولى، ثم وجد المسؤولون أنه من غير الممكن القول بعد وقوع الكارثة إن السلطة أخطأت التقدير، وأضاف “أنا لا أؤيد الرأي القائل بأن الأزمة في غرداية تم افتعالها، لكنها وقعت نتيجة سلسلة من القرارات الخاطئة، ثم رفض السلطة الاعتراف بأن مسؤوليها المحليين كانوا على خطأ”، وأول خطأ حسب المتحدث هو الانفلات الأمني الذي سبق اندلاع العنف وتواصل سنتين تقريبا. وتضع السلطات في الواقع نفسها في موقف ضعيف، كما يقول عمران بن حمادي، وهو من متتبعي أحداث غرداية لصالح عدة منظمات متخصصة في مجال حقوق الإنسان، والسبب هو تمسكها برفض التحقيق في سبب اندلاع أعمال العنف “حتى إن حققت السلطات في أعمال العنف في غرداية، فإن تحقيقها السري لن يغير في الواقع شيئا، والسبب هو الإعلان عن رفض تشكيل لجنة تحقيق برلمانية، وعدم وجود جهة ذات مصداقية يمكنها التحقيق في أعمال العنف”. ويضيف المتحدث “المثير في موضوع أعمال العنف هو أن السلطة وضعت نفسها مباشرة في موقف المتهم، حيث عمدت لترقية كل المسؤولين في الإدارة والأمن الذين كانوا جزءا من بداية الأزمة، بل إن الأداء في جهازي الأمن والعدالة في غرداية خلال العام الذي سبق اندلاع العنف يطرح العديد من الأسئلة، ورغم هذا فإن كل من وجهت له تهمة التقصير في أداء مهامه في غرداية حصل على ترقية”. ويقول شوقي عقون أحد الناشطين في مجال حقوق الإنسان أيضا، في رابطة الجمعيات الأهلية الدولية لحقوق الإنسان ومقرها القاهرة، “في حالة غرداية، كان من الضروري أن تبادر السلطات بنشر نتائج تحقيق حول سبب اندلاع أعمال العنف، ومعاقبة كل من يثبت تقصيره أو تعمده إشعال الوضع”، ويضيف “ما يدفع للحيرة في هذا الموضوع هو أن ناشطين وجهوا قبل اندلاع العنف في غرداية بوقت كافٍ شكاوى عديدة موثقة أرسلت للجهات المسؤولة في العاصمة الجزائر، حول تأثير سوء التسيير على المستوى المحلي في غرداية، خاصة في قطاعات الإدارة والأمن والعدالة، على السِّلم في المدينة، إلا أن السلطات لم تتجاوب مع هذه الشكاوى”، المثير أكثر حسب المتحدث “هو أن بعضا من المسؤولين بشكل مباشر عن التحريض على العنف ينعمون بالحرية دون أن يتعرض لهم أحد، بل إن السلطات تحاورت معهم في الكثير من المناسبات، وهو ما يدفع للتساؤل حول حقيقة ما يحدث في مدينة غرداية”. غرداية.. مدينتان متناقضتان تحولت مدينة غرداية في واقع الأمر إلى مدينتين يقيم في كل واحدة جزء من السكان من طرفي النزاع، وعلى مدى الأشهر ال12 الأخيرة فرضت أعمال العنف فصل السكان تقريبا في أحياء مستقلة، وبهذا بات كل حي تقريبا يضم فئة واحدة باستثناء حالات نادرة جدا، وشهدت المدينة خلال الأشهر الأولى من عام 2014 حملة تهجير قسري للسكان من مناطق التماس ومن الأحياء التي تضم أقلية من الفئتين، حيث تعرضت مئات البيوت للحرق والتخريب، وباتت أغلب الأحياء في المدينة مخصصة لفئة دون غيرها. وفي شهر نوفمبر 2013 وغير بعيد عن مقر ولاية غرداية، رقص مئات الشباب عربا وميزابيين يحملون جميعا الراية الوطنية بعد فوز الفريق الوطني لكرة القدم واقتطاع تأشيرة التأهل لنهائيات كأس العالم بالبرازيل، لكن أشهرا قليلة بعد الرقصة المشتركة، يحمل ملثمون شباب من الفريقين السيوف والحجارة والزجاجات الحارقة، ويدعي كل منهم أنه بصدد الدفاع عن نفسه وعن حيه. السلطة عجزت عن حل أزمة المشردين يقول عدد من المشردين من طرفي النزاع إنه من غير الممكن أن تستعيد غرداية هدوءها إلا بعد حل مشكلة المهجرين من بيوتهم، ورغم حالة الهدوء التي تعيشها مدينة غرداية منذ منتصف أكتوبر، وهي أطول فترة هدوء في المدينة بدأت بعد تكليف الجيش بتسيير قوات حفظ النظام في المدينة، فإن أكثر من 700 أسرة تعيش اللجوء في وطنها، ولم تتمكن السلطات من إيجاد حل لمأساة الأسر المهجرة خارج بيوتها رغم وجود الآلاف من عناصر قوات مكافحة الشغب من درك وشرطة، ولا يقتصر التشرد على الأسر التي تم تهجيرها من منازلها، حيث طرد أكثر من 350 تاجر من محلاتهم التجارية وأحرقت ونهبت، كما نهبت عشرات المستودعات والورشات الصناعية الصغيرة، وهو ما أدى إلى تراجع كبير في الدور التجاري والصناعي لمدينة غرداية التي كانت مركزا تجاريا وصناعيا في الجزائر.