خلفت أحداث غرداية مأساة إنسانية تعيشها أكثر من 500 أسرة باتت بلا مأوى بسبب تخريب وحرق مئات المنازل. ورغم الوضع المأساوي الذي تعيشه الأسر المشردة، فإن المسؤولين المحليين مازالوا منشغلين بتسيير الأزمة الأمنية التي عصفت بالمدينة. ولجأت مئات الأسر للإقامة في مؤسسات تربوية بسبب استحالة الإقامة في البيوت المخربة، وشرع محسنون من المدينة في جمع التبرعات للأسرة المنكوبة. وتعاني الأسر التي أجبرت تحت التهديد على مغادرة بيوتها من وضع مأساوي صحي ونفسي في وقت بات فيه الحديث عن عودة التلاميذ للدراسة أمرا ثانويا. وعلى صعيد ميداني، تشهد مدينة غرداية حالة من الهدوء الحذر منذ عدة أيام، لكن حالة الهدوء هذه هي جزء من الأحداث وأعمال العنف، حيث أقام الشباب في كل أحياء المدينة لجان يقظة وحراسة لمنع الغرباء من الدخول. غرداية تحت رحمة الملثمين أثار تزامن اندلاع أعمال العنف بغرداية بأشهر قليلة عن موعد الرئيسيات، الكثير من الأسئلة وسط سياسيين محليين حول ارتباط أعمال العنف بصراع أجنحة النظام حول الرئيس المقبل للجزائر. تبقى الكثير من الأسئلة حول أحداث غرداية دون إجابة، من بينها ما يثيره أكثر من طرف من أطراف الأزمة بغرداية حول “تقاعس قوات الأمن والتقصير خلال المرحلة الأولى للأزمة”، حيث بدأت بوادر الصدامات الحالية قبل أكثر من شهرين عندما رفضت مصالح الأمن التعامل بجدية مع الشكاوى المتعلقة بانعدام الأمن بعدة أحياء بغرداية، والمثير هو ما يطرحه تجار المدينة حول “الحماية التي حصل عليها منحرفون”. وتشير شهادات إلى أن السلطات لم تأخذ مأخذ الشكاوى المتعلقة بانعدام الأمن التي بدأت قبل أكثر من سنتين، وتفاقم مشكل الأمن في الصيف الماضي بعد إضراب شنه تجار غرداية، كما يقول بعض ضحايا الأحداث من الجانبين إن “تأخر تدخل وحدات مكافحة الشغب في المراحل الأولى للأزمة فاقم الوضع”، بالإضافة إلى عدم تصرف المسؤولين الأمنين مع بعض الأشخاص المتهمين على نطاق واسع محليا بالتحريض على العنف وإثارة الكراهية. وقال عدد كبير من شهود العيان إن بعض الحوادث التي أدت إلى اشتعال الوضع تمت على يد منحرفين ملثمين أثار وجودهم في أكثر من مكان أثناء اشتعال الأوضاع الكثير من الأسئلة حول هويتهم، وقد شوهدت عدة مرات سيارات نفعية تحمل على متنها أشخاصا ملثمين لم يوقف أي منهم، بل إن لجان يقظة بعدة أحياء صارت تمنع أي ملثم من الاقتراب وتتعامل بقوة بعد أن فشلت مصالح الأمن في فك لغز “جماعة الملثمين”. ويتفق طرفا الأزمة بغرداية على أن الوضع الحالي يحتاج فقط لتدخل حازم من مصالح الأمن لضبط الأوضاع في الشارع، لكن لحد الآن لم تتصرف السلطات بما تقتضيه خطورة الأوضاع بأحياء المدينة، ويقول “ م.بن عمار” أحد الأعيان “أتساءل عن جدوى وجود أكثر من 2000 دركي وشرطي في غرداية في وقت لا يستطيع هؤلاء تنفيذ حملة اعتقالات لإيقاف مثيري الفتنة”، يضيف المتحدث “فقد شاهدت قوات الأمن وهي تتفرج على الصدامات بالأحياء دون أن تعمد إلى إيقاف شباب مدجج بأسلحة بيضاء على مرأى ومسمع من قوات الأمن”، ويتفق في هذا الطرح رأي الأعيان من الطرفين. ولا يمكن تفسير هذا الوضع إلا بوجود رغبة سياسية في دفع الأوضاع إلى التعفن، وهو رأي ممثلي تجار غرداية. ففي مدينة القرارة صدرت الأوامر قبل شهرين لقوات الأمن بمباشرة حملة اعتقالات أسفرت عن إيقاف 130 شخص في ساعات قليلة، وأسهمت هذه القبضة الحديدة في وقف العنف في القرارة، بينما أفرجت السلطات مرتين عن موقفين أثناء أحداث غرداية، وهو ما ساهم في تفاقم الوضع.