لم يعد خافيا أن الجزائر كانت الطرف الخاسر من اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، بعد أن فشلت في تحقيق الوثبة الاقتصادية التي تتيح لها أن تكون شريكا فعليا للدول الأوروبية، وأصبحت مقابل ذلك مجرد سوق لتصريف السلع والبضائع الأوروبية التي تستفيد من التسهيلات الجمركية على الموانئ الجزائرية في انتظار إلغاء التعريفات نهائيا سنة 2020. وبدل أن يكون اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، بعد 9 سنوات من تطبيقه، محفزا لتنويع الاقتصاد الوطني وحثّ المؤسسات الجزائرية على تطوير منتجاتها حتى تصير قادرة على المنافسة، صار مكبلا حقيقيا أمام كل محاولة، حتى وإن كانت محتشمة، لتطوير القاعدة الصناعية للبلاد في ظل قواعد المنافسة الصارمة التي يحويها في بنوده والتي تمنع الجزائر من منح تفضيلات لمنتوجها المحلي. وبإغفال النظر قليلا عن مسألة السيادة، لمعرفة هذه المواد المدرجة في قانون المالية التي تزعج الاتحاد الأوروبي، تظهر المفاجأة الأكبر “لا يجوز للجزائر أن تجبر مستوردي السيارات على القيام بنشاط صناعي بعد 3 سنوات، لا يجوز للجزائر تفضيل المنتجات المحلية لأن ذلك ينتهك قواعد المنافسة مع منتجات الاتحاد الأوروبي. لا يجوز للجزائر أن تميّز بين السيارة المنتجة محليا وبين تلك المستوردة، لا يجوز للجزائر أن تمنع تصدير المواد الحديدية والنفايات الحديدية”!. وإذا كان عدم التزام الجزائر باتفاق الشراكة، لا يعرّضها لعقوبات الاتحاد الأوروبي بسبب عدم وجود أي بند يقضي بذلك، إلا أن هذه المسائل التي تحل على مستوى سياسي، تعني أن الجزائر ستكون خاضعة للمساومة السياسية وتقديم تنازلات في هذه الحالة. لكن السؤال الأكبر الذي يطرح: لماذا رضيت الجزائر بهذه الشروط المجحفة في الاتفاق؟ وماذا كان المقابل؟ المنتوجات الجزائرية ممنوعة من الدخول لأنها لا تحترم معايير السلامة وعند استقراء هذه الموانع، يظهر أن هذا الاتفاق همّه الوحيد أن تبقى الجزائر تابعة للاتحاد الأوروبي في كل ما تحتاجه من سلع وخدمات، بكبح كل توجّه نحو إعادة تصنيع البلاد وترقية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، فضلا عن اكتساب المؤسسات الجزائرية تكنولوجيا تؤهلها لمنافسة نظيراتها الأوروبية. والمفارقة الأخرى، أن الاتحاد الأوروبي الذي يتخذ تدابير حمائية على حدوده لمنع دخول المنتجات الجزائرية، يحتجّ بشدة على قرار الجزائر منع تصدير النفايات الحديدية والمعدنية إلى أوروبا، خاصة أن الجزائر في أمسّ الحاجة إلى إعادة رسكلتها واستعمالها في مشاريع البنى التحتية والسكن. وعند مواجهة المسؤول الأوروبي أن ذلك أملته الحاجة الوطنية يجيبك: “ولكن هذا حاجز أمام التصدير مخالف لاتفاق الشراكة”. ويبرر هذا المسؤول الذي يتفاوض دوريا مع الوفود الجزائرية، موقف الاتحاد الأوروبي تجاه فتات المؤسسات الجزائرية التي تريد التصدير إلى أوروبا، أن هناك معايير صحية غير مطبّقة من الجانب الجزائري تقضي بمنع دخول السلع الجزائرية، والجانب الجزائري لا يقوم بأي جهد لتبني هذه المعايير. “وزارة التجارة تقول إن هذا حاجز تمييزي ونحن نقول إننا نفعل ذلك حتى نحافظ على سلامة مواطنينا”. وحل هذه الإشكالية، وفقه، يكون بدخول الجزائر إلى المنظمة العالمية للتجارة التي تفرض على الجميع معايير موحدة، وعندما رأينا أن هذا الدخول قد يتأخر، اقترحنا على الجزائر إبرام اتفاق مع الاتحاد الأوروبي تلتزم فيه الجزائر بتطبيق معايير معادلة لتلك المطبّقة في الجانب الأوروبي حتى يسمح بدخول منتوجاتها، لكن الجزائر تسير ببطء شديد في هذا المجال. لوبي الاستيراد يعرقل انضمام الجزائر لمنظمة التجارة العالمية دخول الجزائر إلى المنظمة العالمية للتجارة، سيفرض على الجزائر، وفق المسؤول الأوروبي، القيام بإصلاحات عميقة وتوفير إطار قانوني يسمح للمستثمرين بالمجيء إلى الجزائر، وبلغة ساخرة يشير إلى السياسة المتبعة حاليا قائلا: “الفلاحة في الجزائر تم إهمالها لمدة طويلة لحساب مصانع جاهزة تم إغلاقها لاحقا. وزارة التجارة تقول إن الجزائر لديها قوة تصديرية في الفلاحة لكننا لا نرى ذلك.. البطاطا مثلا تستوردونها وأسعارها تكاد تصطدم بالسقف!”. لذلك تكون الإصلاحات نافعة لأنها ستسمح للجزائريين بالحصول على منتوجات مطابقة للسلامة بالنسبة للمستهلك الجزائري، وعندما تطبق المعايير سيسمح للجزائر بالتصدير لعالم كله. وعن الموانع الحالية لدخول الجزائر إلى المنظمة العالمية للتجارة، تبرز وفق المسؤول الأوروبي القاعدة 51/49 التي لا يوجد بلد في العالم دخل المنظمة بها وهذا أكبر عائق. “الجزائر تقول إن هذه القاعدة تسمح لها بحماية اقتصادها والتخطيط له والآخرون يقولون إن ذلك ممكن فقط في القطاعات الاستراتيجية”. فضلا عن ذلك، يقول المسؤول الأوروبي إن “الدخول إلى المنظمة العالمية للتجارة سيسمح بالتحكم في التجارة الموازية وتطهير الاقتصاد. هناك قواعد في منظمة التجارة العالمية عند تطبيقها تسمح بالتحكم في النفقات العمومية.. لا أريد التحدث عن الطريق السيار الذي بدأ ب7 ملايير وانتهى إلى 13 مليار!”. وبشأن الموانع الميدانية التي تمنع الجزائر من الدخول، يقول: “هناك 30 ألف مستورد وهؤلاء لا يريدون الدخول إلى المنظمة لأنها تفرض عليهم معايير معينة في التعامل من أجل حماية المستهلك”. ماذا لو ألغي الاتفاق؟ “الكارثة بالنسبة لكم” يعترف المسؤولون الجزائريون أمام نظرائهم الأوروبيين أن اتفاق الشراكة لم يحقق ما كان مأمولا منه عند توقيعه. “يقولون إننا كنا نأمل في تغيير نمط اقتصادنا عبر اتفاق الشراكة وهو ما لم يحدث.. ونحن نقول لهم إن اتفاق الشراكة هو مجرد إطار وعليكم أنتم أن تقوموا بالإصلاحات”، يضيف المسؤول الأوروبي. وحول موانع الاستثمار في الجزائر يقول: “نظامكم البنكي متخلف. تعتمدون القرض المستندي في التجارة الخارجية الذي يعاقب متعامليكم.. عدالتكم بطيئة جدا، الملكية الفكرية في بلادكم غير محمية ..إنشاء مؤسسة بطيء جدا وبالانتقال من ولاية لأخرى تتغير القوانين.. لا يمكن في هذه الحالة أن يأتيكم المستثمرون لأنهم يبحثون عن ربح المال”. لكن ماذا لو ألغي الاتفاق؟ يقول: “في هذه الحالة ستغلقون حدودكم وسنغلق حدودنا وسنعود لتطبيق الضرائب على التصدير والاستيراد. ستكون الكارثة بالنسبة لكم لأنكم لا تصدّرون سوى الطاقة وتستوردون معظم السلع”.