أصبح الوضع في ليبيا خطيرا أكثر من أي وقت مضى، فتنظيم الدولة الإرهابي لم يتمكن فقط من تثبيت أرجله في ”سرت” مسقط رأس العقيد معمر القذافي المقتول، بل تمدد ليشمل مناطق جديدة مثل هراوة إلى جانب سيطرته السابقة على منطقة النوفلية، والخطر من ذلك أن المنطقة الممتدة من مدينة سرت إلى غاية بن جواد على مسافة تقدر بنحو 250 كم من وسط ليبيا، أصبحت خالية من أي قوات بإمكانها صد أي هجمات جديدة لتنظيم الدولة الإرهابي. وذكر مصدر عسكري ليبي ل”الخبر” رفض الكشف عن اسمه، أنه عندما ظهر تنظيم الدولة الإرهابي ”داعش” في سرت، وسط ليبيا، اضطرت قوات الشروق المكلفة من برلمان طرابلس بتحرير الهلال النفطي، إلى الانسحاب من جبهة السدرة، لأن خطوط إمدادها أصبحت مهددة. وكشف هذا المصدر العسكري، أن المناطق الممتدة من سرت إلى غاية بن جواد وسط ليبيا أصبحت خالية من أي قوات عسكرية، سواء كانت تابعة لبرلمان طرابلس أو لبرلمان طبرق، مما يعني أن تنظيم الدولة الإرهابي أصبح بإمكانه التمدد بكل سهولة في هذه المناطق الساحلية الصحراوية، ولا توجد أي قوة في هذه المنطقة قادرة على وقف تمدده، باستثناء بعض القبائل الصغيرة والضعيفة التسليح، ملمحا إلى أن منطقة بن جواد قد تكون الهدف القادم لتنظيم الدولة. وقد زارت ”الخبر” مطلع العام الجاري منطقة بن جواد ولاحظت أن معظم سكانها هجروها، وأصبحت شبه منطقة عسكرية خاضعة لقوات الشروق، غير أن انسحاب هذه القوات من المنطقة يعني أنها أصبحت بدون حماية ومهددة في أي لحظة لهجوم من إرهابيي تنظيم الدولة. وأوضح المصدر العسكري الليبي أن سبب انسحاب قوات طرابلس من المنطقة الشاسعة الممتدة من سرت إلى الهلال النفطي، يعود إلى أنها قد تكون تكتيكا عسكريا من كتائب مصراته (التي تعد القوة الضاربة لقوات فجر ليبيا)، وتابع ”الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لم يقدموا أي دعم عسكري لحكومة طرابلس في مواجهة داعش، كما أن الثقل الأكبر في محاربة داعش يقع على عاتق مصراته دون بقية المدن الليبية حتى تلك المتحالفة معها، لذلك تسعى كتائب مصراته للتمركز غرب المدينة لتشكيل سد قوي في موجهة تمدد داعش غربا، وبالمقابل دفع داعش شرقا لقتال قوات جضران المسيطرة على منطقة الهلال النفطي، وهما أعداء ليبيا”، على حد قوله. وتوقّع هذا الخبير العسكري الليبي أن يكون فتح كتائب مصراته المجال لداعش للتمدد شرقا بهدف الضغط على أمريكا والاتحاد الأوروبي لدعم قوات فجر ليبيا عسكريا لوقف تمدد هذا التنظيم الإرهابي، مشيرا إلى أن كتائب مصراته تعرضت لخسائر كبيرة في حربها مع داعش الذي يستعمل أساليب قتالية لم يتعوّدوا عليها في معاركهم وبالأخص ”العمليات الانتحارية”. ورغم أن عدد أفراد التنظيم الإرهابي في المنطقة الوسطى في ليبيا ما بين 3000 و3500 عنصر، إلا أن الخبير العسكري الليبي أشار إلى أن قبائل غرب ليبيا المتقاتلة تخشى أن يزحف هذا التنظيم ”المرعب” إلى مناطقهم، وهو ”ما دفع المدن والقبائل الموالية لفجر ليبيا للتصالح مع قبائل الزنتان وورشفانة، وتبادل الأسرى وفك الحصار على بلدة الزنتان في الجبل الغربي وإيصال الوقود إليها”. مضيفا أن ”الأطراف المتصارعة في غرب ليبيا تعبت من القتال الذي وصل، بعد سقوط طرابلس، إلى مرحلة الجمود، فلا طرف استطاع أن ينتصر على الآخر، وخطر داعش في الطريق”. وقد يكون هذا أحد الأسباب الذي دفع زعيم حركة النهضة التونسية الشيخ راشد الغنوشي إلى الدعوة بشكل صريح إلى دعم قوات فجر ليبيا عسكريا لأنها أصبحت ”خط الدفاع الأول عن تونس ضد خطر داعش”، وما لم يقله الغنوشي أن فجر ليبيا أصبحت خط الدفاع الأول عن الجزائر أيضا، إذ لا توجد قوات منظمة تستطيع وقف زحف عناصر التنظيم الإرهابي من سرت إلى غاية الحدود الجنوبية الغربية مع الجزائر سوى القوة الثالثة التابعة لكتائب مصراته والمتواجدة في سبها وبراك الشاطئ، أما الطوارڤ والتبو في أباري وغات، فهم أشبه بمسلحين محليين متقاتلين فيما بينهم للسيطرة على معابر التهريب، وقد يمكن شراؤهم. وسبق لأحد القيادات السياسية الليبية أن حذر الجزائر في تصريحات غير رسمية ل”الخبر” بأن ”قوات فجر ليبيا قد تنهار مستقبلا إن لم تتلق دعما عسكريا من الجزائر”. فتنظيم الدولة الإرهابي لم يعد يشكل تهديدا فقط للقبائل الليبية المتصارعة، بل هو تهديد وجودي لتونسوالجزائر ومصر ودول المغرب العربي والساحل.