إن من الأحداث العظيمة التي حدثت في شهر رمضان الفضيل المبارك “فتح مكة المكرمة” التي وقعت في اليوم 20 من رمضان، دخلها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم معززًا ومكرمًا بجيش تعداده عشرة آلاف موحد، كلهم يرددون “لا إله إلا الله، نصر عبده، وأعز جُنده، وهزم الأحزاب وحده”، بعد أن خرج منها صلى الله عليه وسلم وهو يتوجس من قريش خيفة. إن فتح مكة هو نتيجة لجملة من المقدمات، منها المرتكزات الفكرية التي كانت تقوم عليها الدعوة المحمدية: البناء العقائدي، كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري من طريق السيدة عائشة رضي الله عنها: “علمنا الإيمان قبل الأحكام فلو أن أول آية نزلت افعلوا أو لا تفعلوا ما استجبنا لأمر الله”. فالتربية الإيمانية هي التي دفعت سيدنا بلال بن رباح رضي الله عنه يتحمل كل ألوان الأذى وهو يردد قوله “أحَدٌ أحَدٌ فَرْدٌ صَمَدٌ”. المفهوم الشامل للإسلام، كما قال تعالى: {قُلْ إن صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَب الْعَالَمِين َ* لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَولُ الْمُسْلِمِينَ}، وهذا الذي فهمه سيدنا ربعي بن عامر رضي الله عنه لما دخل على ملك الفرس، فقال له: مَن أنتُم؟ فقال سيدنا ربعي رضي الله عنه: “نحن عبيد جئنا نُخرِج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سَعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدالة الإسلام”. التدرج في الدعوة، فالمصطفى صلى الله عليه وسلم كان متدرجًا في دعوته، روى البخاري من طريق سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث مُعاذ بن جبل إلى اليمن فقال له: “إنك ستُدرك قوم أهل الكتاب فادعُهُم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أطاعوك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تُؤخَذ من أغنيائهم وتُرد إلى فقرائهم”. كسب الأنصار بالترغيب، لذا كان صلى الله عليه وسلم يدعو ويقول: اللهم انصر الإسلام بأحد العُمَرَين: عمر بن الخطاب وعمرو بن هشام الذي سمي “أبا جهل”، أي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطمع في إسلام أبا جهل، ولما دخل مكة أمَر أن ينادي “مَن دخل دار أبي سفيان فهو آمِن” تأليفًا لقلبه على الإسلام. حقن الدماء مقصد من مقاصد الشرع، لذا لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم وسمع قول سيدنا سعد بن عبادة رضي الله عنه: “اليوم يوم الملحمة، اليوم تنتهك الكعبة وتُستَحل” فقال صلى الله عليه وسلم: “لا يا سعد، اليوم يوم المرحمة، اليوم تعظم الكعبة وتكرم”. العفو عند المقدرة، لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة بعد أن حطم الأصنام التي كانت في جوف الكعبة وحولها قام خطيبًا، ثم قال: “ما تظنون أني فاعل بكم؟” فقالوا: أنت الكريم ابن الكريم، فقال صلى الله عليه وسلم: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”. التواضع والبكاء من خشية الله، دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة وهو مطأطئ رأسه ويرجع في قوله تعالى: {إِنا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} والدموع تذرف من عينه، ليُعلمنا الربانية في الدعوة وأن نستشعر أن النصر من عند الله {وَمَا النصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللهِ}. فعلى المسلم أن يرتبط بخالقه وأن يُخلِص العمل ويعتمد عليه ويفوض أموره إليه سبحانه وتعالى.