حملت مخلفات بطولة الاحتراف، في جولتها الأخيرة، فصلا جديدا من فصول العنف الذي تجذر في الملاعب الجزائرية، وامتدت خطورته إلى خارج أسوار الملاعب، بطريقة همجية تنذر بأن حالة "اللاأمن" لن تلاحق من يتواجد داخل الملعب فحسب، وإنما هي حالة "عقدت العزم" على أن تشمل خطورتها كل الشوارع والأحياء. فقدان مناصر مولودية الجزائر، عبد الرؤوف بهلول، عينه بسبب "ضربة سينيال" في مدرجات الملعب الأولمبي، وتعرض مناصر واحد من مولودية وهران للضرب المبرح من طرف العشرات من مناصري مولودية بجاية، مؤشر واضح على أن القضاء على ظاهرة العنف لن يكون غدا. فمشهد المناصر الوهراني "المسكين" وهو يتعرض لاعتداء جسدي جماعي، كان مؤثرا جدا بعدما قام ب"توثيقه" للتاريخ مصور هاو رصد همجية المشاغبين، الذين لم تؤثر فيهم كل الحملات التحسيسية والدعوات للتعقل التي أطلقتها الحكومة من جهة والاتحادية من جهة أخرى بهدف ترويض مشاغبين غير قابلين للترويض. العنف، الذي أزهق روح الكامروني ألبير إيبوسي، وعرض حياة عبد القادر العيفاوي وقبله فيصل باجي للموت المحقق بسبب طعنات خنجر داخل المستطيل الأخضر، وهذا العنف الذي جعل مئات المناصرين ضحايا الخارجين عن القانون، لم يعد هاجسا فحسب، وإنما تفشى بين الشبان واستفحل وسط مجتمع لم تعد تضبطه أحكام أو تكبحه قيود، وتحول اليوم إلى فضيحة تقدم كمادة إعلامية دسمة لكل وسائل الإعلام الأجنبية، بالشكل الذي أصبحت "الهمجية" علامة مسجلة باسم المناصر الجزائري. ما يحدث من تجاوزات خطيرة جديدة في الملاعب الجزائرية، وما يقابله من حلول "ترقيعية" تدخل في إطار سياسة الهروب إلى الأمام، واعتماد "الويكلو" كأقصى إجراء عقابي ضد المشاغبين هو الضعف بعينه، وصورة العجز التي سوقتها الدولة عن نفسها وهي "تستميل" المشاغبين وتسقط عنهم المتابعات القضائية والإجراءات الردعية، مقابل تبني منطق التحسيس وإقحام الجنس اللطيف في ملاعب حولها "البلطجية" إلى مقابر رياضية، هو إعلان صريح عن خوف الدولة من الدخول في مواجهات مع "عبيد المهلوسات" الذين جعلتهم المخدرات يتحدثون لغة العنف ويتواصلون بالخناجر و"السينيال" والألعاب النارية، وهم على قناعة بأن الإجراءات العقابية لن تطالهم بالشكل التي تطال المواطنين البسطاء عند أول مخالفة مرورية. انتشار الأسلحة البيضاء بكل أنواعها وتواجد "السينيال" بكثرة في الملاعب الجزائرية وتسويق الألعاب النارية الملتهبة في المدرجات على أنها صور جميلة ورائعة، يطرح عدة نقاط استفهام حول الكيفية التي مكنت "البلطجية" من قطع المسافات ودخول الملاعب مدججين بكل الممنوعات، وتجعلنا هذه الظاهرة الخطيرة، التي تعكس في باطنها صورة الوهن الذي يعيشه المجتمع الجزائري، نتساءل عن إحجام السلطات عن اعتماد الإجراءات القانونية الردعية التي تضمن عمليا "اقتلاع" المشاغبين من الجذور، وتضمن بالمقابل عودة المناصرين الرياضيين للاستمتاع بالفرجة الكروية داخل الملاعب وتضمن أيضا أمن المواطن وسلامته وتحفظ ممتلكاته.