تحوّلت شوارع مصر ولجانها الانتخابية، أمس، إلى قاعة أفراح كبيرة تبادل فيها النسوة والشباب الرقصات والزغاريد على أنغام الأغاني التي تمجد لبطولات الجيش المصري والإنجازات التي حققها المرشح في الرئاسيات عبدالفتاح السيسي، وصنعت السيدات الحدث لتعيد إلى الأذهان مشاهد رئاسيات 2014، حيث تهافتن بقوة إلى مراكز الاقتراع للادلاء بأصواتهن، ويبقى معدل الاقبال التحدي الابرز في هذه العملية الانتخابية. انطلقت في مصر عملية الاقتراع في انتخابات الرئاسة ولمدة 3 أيام، وسط تشديد للإجراءات الأمنية في شكل يعتبر سابقة، وتسهيلات لوجستية أقرتها الهيئة المصرية للانتخابات للمرة الأولى في مصر، حيث يتوجه حوالي 60 مليون ناخب مصري للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية، وهي ثالث انتخابات رئاسية تشهدها البلاد منذ ثورة 25 يناير التي أطاحت بنظام الرئيس السابق حسني مبارك، ويتنافس فيها الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي ضد رجل الأعمال موسى مصطفى موسى، لكن نتائج الاقتراع محسومة إلى حد كبير لمصلحة السيسي، الذي وصل لكرسي الرئاسة بعد اكتساحه لانتخابات عام 2014، ويبدو أنه في طريقه للاحتفاظ بمنصبه لولاية ثانية.
وتأتي الانتخابات بعد ثلاثة أيام من التفجير الإرهابي الذي نجا منه مدير أمن الإسكندرية، والذي أودى بحياة شرطيين إضافة إلى 7 إصابات، وقد أحدثت واقعة محاولة اغتيال مدير امن الاسكندرية حالة من الانقسام لدى الناخب المصري، شريحة عريضة زاد تحمسها للمشاركة في العملية الانتخابية، وفريق آخر متردد وآخر متخوف، في نفس الوقت دعت الاحزاب السياسية المؤيدة للرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي، جموع الشعب المصرى للنزول والمشاركة الكثيفة في الانتخابات للرد بقوة على مثل هذه العمليات التي وصفوها ب"الخسيسة".
تعزيزات أمنية مكثفة لتأمين العملية الانتخابية
ما أشبه الأجواء الانتخابية عام 2014، بانتخابات 2018، اذ تبقى السيدات وكبار السن والأقباط يصنوع الحدث في الرئاسيات، حيث وقف في طوابير كبيرة أمام اللجان الانتخابية للإدلاء بأصواتهم، حيث إن تامين نسبة عالية من معدلات التصويت هو التحدي الأكبر أمام الدولة المصرية، ووصل عدد مكاتب الاقتراع إلى نحو 11 ألف مركز انتخابي، تضم نحو 14 الف لجنة فرعية تنضوي في 367 لجنة عامة.
في نفس السياق، أعلنت القوات المسلحة المصرية عن اتخاذ كافة الترتيبات لمراقبة وتأمين العملية الانتخابية بكافة المحافظات باستخدام طائرات المراقبة الأمنية والتصوير الجوي وسيارات البث المباشر، فضلا عن تعزيز إجراءات التأمين للمنشآت الهامة والأهداف الحيوية بالدولة بالتعاون مع وزارة الداخلية، واتخاذ كافة إجراءات اليقظة لتأمين المجرى الملاحي لقناة السويس، ومنع محاولات التسلل والتهريب على كافة الاتجاهات الاستراتيجية للدولة، والتصدي لأي عدائية محتملة من شأنها عرقلة العملية الانتخابية.
680 مراسلا صحفيا أجنبيا
وفي السياق، كشفت الهيئة العامة للاستعملامات ان عدد الصحفيين الاجانب المقيمين والزائرين لتغطية الانتخابات الرئاسية بلغ 680 مراسلا، وخصصت الهيئة العامة للاستعلامات بطاقات صحفية والتصاريح اللازمة للتصوير باللجان الانتخابية والشوارع والميادين.
المنافسة والتنافس على دعم الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي، لم تقتصر على الأحزاب ورجال الاعمال الليبيراليين حتى حزب النور السلفي دخل حلبة التنافس، ولم يكتف بإعلان رئيسه الدكتور يونس مخيون دعم الحزب للسيسي لفترة رئاسية ثانية، ولكن الحزب التابع للدعوة السلفية قرّر النزول بكل قوته للمشاركة في الترويج للسيسي ودعوة المصريين إلى التصويت في الانتخابات لزيادة نسبة المشاركة التي ستعطي انطباعا إيجابيا للعالم عن شعبية السيسي وحجم مؤيديه، خصوصا أن الحزب والدعوة يضمان في عضويتهما رجال أعمال كبار يملكون شركات كبرى تعمل داخل مصر وخارجها، وانفقوا نحو 10 ملايين جنيه، أي ما يعادل 500 ألف أورو في المؤتمرات والدعاية الانتخابية في جميع المحافظات.
ولا يختلف رجل أعمال ليبيرالي عن آخر سلفي، إذ أن الدين الحقيقي لهؤلاء جميعًا هو المال والرغبة في جمع أكبر كمية منه والارتماء في أحضان الدولة للحصول على غطاء من النفوذ يحمي ثرواتهم، فضلا عن تطلعات البعض لزيادة قوته المالية بمزيد من النفوذ السياسي سواء بالحصول على صداقة المسؤولين، أو اقتناص منصب قيادي في الحكومة، خصوصا أنهم أصبحوا شركاء في السلطة بحصول عدد كبير منهم على عضوية مجلس النواب.
وقد تمكنت الانتخابات الرئاسية المصرية من توحيد أهداف رجال الأعمال بمختلف أطيافهم، بهدف واحد هو الحفاظ على ثرواتهم ونفوذهم سواء أكانوا من المؤمنين بضرورة إقامة دولة مدنية أو الحالمين بوطن تحكمه الشريعة الإسلامية، فرجال الأعمال المؤمنون بأفكار حزب النور السلفي وزملائهم من الليبراليين المطالبين بدولة المواطنة والمساواة تشابهوا في طريقة دعم السيسي سواء بعقد مؤتمرات لحثّ المواطنين على التصويت أو تخصيص شباب للإشراف على حشد الناخبين أمام اللجان وبنفس الأسلوب، حيث خصص عدد من رجال أعمال وجبات غذائية ساخنة و300 جنيه أي ما يعادل 15 أورو في اليوم، للشباب الذين يشرفون على حشد المواطنين والمشاركة في تصويت خلال الانتخابات حيث سيلتزم كل شاب التواجد في اللجان ومحيطها طيلة اليوم، وهناك من تبرع ب100 مليون جنيه، أي ما يعادل 6 مليون دولار، لتنمية سيناء استجابة لدعوة السيسي بضرورة تنمية المنطقة ضمن خطة الدولة المصرية في مواجهة الإرهاب.
وعلى نفس الخط سار نجيب ساويرس رجل الأعمال الشهير، ليستكمل مسيرة طويلة من تأييد الرؤساء الذين استطاع في ظلّهم مضاعفة ثروته ليصبح أحد أكبر أغنياء الشرق الأوسط، بهدف حث المصريين على التصويت وسط أصوات تنادي بمقاطعة العملية الانتخابية.
وفي ذات السياق، يتواجد مجلس النواب المصري خارج مجال التغطية منذ نحو شهرين، لانشغال أعضائه في دعم السيسي وحث الناخب في محل إقامتهم على المشاركة في هذا الاستحقاق الانتخابي والتعريف بإنجازات السيسي.