رغم الامتيازات والمزايا التي زعمت الحكومات المتعاقبة إدراجها في قانون الاستثمار الجزائري لتشجيع الاستثمار الأجنبي، إلا أن المستوى المتدني لتدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى الجزائر لهذه السنة، يبقى يتناقض وخطابات المسؤولين المشيدة بالمجهودات المبذولة في السنوات الأخيرة لتحسين مناخ الأعمال. جاءت الأرقام الرسمية الصادرة مؤخرا عن بنك الجزائر، لتؤكد استمرار عزوف الشركات الأجنبية، حيث بلغت قيمة تدفقات الاستثمارات الأجنبية التي استقطبتها الجزائر خلال السداسي الأول لسنة 2018، ما يعادل 631 مليون دولار مقابل 314 مليون دولار خلال الثلاثي الأول و317 مليون دولار للثلاثي الثاني. وتعكس هذه الأرقام عجز السلطات العمومية عن تحسين الإطار التنظيمي والتشريعي المتصل بالاستثمار، نتيجة عدم الاستقرار الذي يميز القوانين الجزائرية والقرارات العشوائية المتخذة لتأطير الاستثمار الوطني والأجنبي. وتركزت الاستثمارات الأجنبية خلال هذه السنة في إقامة مصانع لتركيب السيارات، استفاد أصحابها من امتيازات كبيرة على حساب إيرادات الجزائر من الحقوق الجمركية، إلى جانب مشاريع أخرى مثل المركب الإماراتي الجزائري ونظيره القطري الجزائري في قطاع الحديد والصلب. أما قطاع المحروقات فلا يزال هو الآخر يسجل عزوفا كبيرا للأجانب وذلك منذ أكثر من عشر سنوات، في انتظار صدور قانون المحروقات الجديد، الذي قررت الحكومة تعديله بإدراج مزايا ستعمل على استقطاب الشركات النفطية الدولية بعد أن غادرت الجزائر لتستثمر في دول أخرى. ورغم إعلان الحكومات المتعاقبة وعلى امتداد الأربع سنوات السابقة، عن برامج عمل مكثفة لتحسين مناخ الأعمال في الجزائر، كان آخرها مشروع ”دوينغ بيزنس الجزائر” أو القيام بالأعمال، إلا أن تفشي البيروقراطية وفشل مشروع عصرنة المنظومة البنكية والمالية، زيادة على عدم فعالية النظام الجبائي، حال دون تحقيق الأهداف المسطرة لعودة المستثمرين الأجانب إلى الجزائر. وكانت الجزائر قد تراجعت مرة أخرى في التصنيف الأخير لمناخ الأعمال والاستثمار، حيث صنفها البنك العالمي في المرتبة 166، لتجعل الجزائر من أسوأ وجهات الاستثمار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وتبقى الجزائر تتذيل ترتيب الدول، رغم الاتفاق الموقع مع هيئة ”بروتون وودز” لتفعيل ”دوينغ بيزنس الجزائر” الذي تم إعداده في فترة استوزار شريف رحماني الذي كان آنذاك وزيرا للصناعة وترقية الاستثمار.