راحلون.. لكن ليس الآن".. هي عبارة يلخّص بها نواب وأعضاء البرلمان، حال "البقايا المتصلبة" في مواقعها، رغم الدعوة الصريحة من الشعب الجزائري بالرحيل وتسليم المفاتيح ل "السيد مصدر السلطة". باستثناء رؤساء كتل الموالاة والأحرار وجبهة المستقبل، فضلت المعارضة الانزواء في مكاتبها في انتظار ما ستأتي به الساعات القادمة من أخبار حول مصير الباءات الأربعة، بدوي وبن صالح وبوشارب وبلعيز، الذين أشهر المتظاهرون في الجمعة السابعة في المسيرات المليونية صورهم وأسماءهم للعالم أجمع، "آمرين" إياهم برفع الراية البيضاء وتسليم العهدة للشعب صاحب التفويض، قدوة برئيس الجمهورية المستقيل عبد العزيز بوتفليقة وكل من أحاط به من مدنيين وعسكريين (متقاعدين). ويوم أمس، استدعى بوشارب عبر أمينه العام الشهير بشير سليماني، رؤساء كتل الموالاة والأحرار لاجتماع تنسيقي في الظهيرة، مقصيا رؤساء كتل المعارضة التي أعلنت في وقت سابق تجميد نشاطها البرلماني. بالنسبة إلى هؤلاء، وإن كان التجميد هو كلمة السر المشتركة، فقد كان من الإلزامي على إدارة المجلس ورئيسه بوشارب دعوتهم إلى الاجتماع، مع ترك المبادرة لهم بالمشاركة أو المقاطعة. غير أن المعارضة تعي جيدا أن اجتماع الثلاثاء لغرفتي البرلمان، شكلي وإعلامي؛ بل دعائي ليس أكثر، أي أنه سيكون بلا معنى من الناحية السياسية، وحتى الدستورية، التي تنصص على اجتماع البرلمان بغرفتيه في حال تأكيد شغور منصب رئيس الجمهورية "النهائي" بإثبات المانع الصحي، مع اشتراط التصويت عليه بأعداد ثلثي الأصوات. أما في حالة الاستقالة، فإن المجلس الدستوري وحده الذي ترجع إليه الكلمة الأولى والأخيرة. وبالنسبة إلى نواب المعارضة أيضا، "النظام" يتماطل ويمضي في ربح المزيد من الوقت، على حساب غضب الشارع الجزائري الذي لا يزال متحليا بالصبر والترقب أملا في رؤية مطالبه تتجسد على أرض الواقع بأقرب وقت. داخل الموالاة، هناك نزيف مخيف داخل الصفوف، وإذا ما صدقت الأخبار، فإن ما لا يقل عن 40 نائبا من أتباعها رموا ورقة الاستقالة نحو وجهات أخرى من أجل "غسل عار" الانتماء إلى "أحزاب النظام". بالموازاة مع ذلك، هناك من يجتهد في تبييض صورة رؤساء أحزابهم، كما هو الحال مع الأرندي والأفالان والحركة الشعبية وتجمع أمل الجزائر، وبأنهم "كانوا ضحية لأوامر وضغوط آتية من عند السعيد بوتفليقة، وأنهم لن يتورعوا في فضح ممارسات بعض رموز النظام في الأيام القادمة، وذلك بهدف تبرئة ذممهم أمام الشعب والتاريخ وشراء عذرية جديدة!". وحتى في هذا الجو الكئيب، وحالة الانهزام المذلة، لا يتوانى بعض نواب الموالاة في تبرير مواقف أحزابهم، بل يذهبون إلى حد اتهام المعارضة بالخسارة مسبقا من هذا الحراك الشعبي الذي لا يعترف بها، ويؤكدون أن الموالاة بكل عيوبها "ما تزال هي القوة السياسية الأكثر تنظيما وهيكلة" مقارنة مع أحزاب المعارضة، لكنهم لا يتحدثون عن أسباب ضعف المعارضة ومن الذين كانوا ينفذون أبشع مؤامرة ضد المجتمع السياسي منذ 1999، من خلال سياسة "الشيطنة" التي طالت السياسيين بمختلف أطيافهم وأيديولوجياتهم. وعلى الرغم من الغياب المقصود من جانب أكثرية النواب "الموالين"، إلا أن القليل منهم اختاروا أروقة البرلمان، يؤكدون أن سقوط بوشارب وبن صالح مسألة وقت فقط. أحد هؤلاء، وهو سيناتور من الأفالان، فضل عدم نشر اسمه، أكد أنهم سألوا بن صالح عن موقفه من مطلب رحيله من رئاسة مجلس الأمة، فأجاب أنه لم يتلق أي اتصال أو إيعاز من المؤسسة العسكرية بذلك! جواب يشبه كثيرا، إن لم يكن صورة طبق الأصل لردّ السعيد بوحجة رئيس المجلس الشعبي "المنقلب عليه" من طرف بوشارب في ديسمبر الماضي. ومع ذلك، فإن لسان حال أكثرية "الشيوخ" في مجلس الأمة، يؤكدون رحيل بن صالح وعلى أقصى تقدير بعد اختتام اجتماع البرلمان بغرفتيه، يوم غد الثلاثاء. وينسحب الأمر على بوشارب الذي بات مقتنعا بأنه راحل هو الآخر. وحسب الكواليس، فإن غالبية النواب يشعرون ب "الخوف" من المستقبل.. مستقبلهم الشخصي بطبيعة الحال، خاصة مع تواتر أنباء عن أن استقالة بن صالح وبوشارب وبدوي وبلعيز سيضع الجزائر في حالة انسداد غير مسبوقة، لتفتح الطريق أمام الحلول السياسية التي سوف ترسي أرضية توافقية من أجل فترة انتقالية دون وجوه فترة حكم الرئيس بوتفليقة. البرلمان مهد الحراك المضاد وعلى الرغم من التأييد العلني لمطالب الحراك بالتغيير الجذري والإصلاحات، إلا أن المناخ العام داخل البرلمان ينم عن وجود بوادر حراك مضاد للالتفاف على مطالب الشارع الغاضب. فعدم استجابة رئيسي غرفتي البرلمان ورئيس المجلس الدستوري والوزير الأول لمطلب الرحيل الفوري، يقذف في النفوس شعورا بتعمد استفزاز الشارع، وخاصة بإصرار البرلمان على عقد اجتماع لا فائدة منه لإثبات الشغور النهائي لمنصب رئيس الجمهورية من طرف المجلس الدستوري الأربعاء الماضي. جاء في دستور 2016، الذي تتجرع البلاد مرارته، لتعمده استبعاد أي مخرج لحالات استثنائية مثل التي تمر بها منذ 22 فبراير الماضي، عبر المادة 102: "في حالة استقالة رئيس الجمهوريّة أو وفاته، يجتمع المجلس الدّستوريّ وجوبا ويُثبِت الشّغور النّهائيّ لرئاسة الجمهوريّة.. وتُبلّغ فورا شهادة التّصريح بالشّغور النّهائيّ إلى البرلمان الّذي يجتمع وجوبا"، لكن من دون التصويت أو المصادقة على شهادة التصريح بالشّغور النهائي.. بمعنى أن الاجتماع لا يشترط نصابا قانونيا للانعقاد، كما لا يعتبر انعقاده أو عدم انعقاده إبطالا للاستقالة. سيناريو ڤوجيل وحل البرلمان وإذا ما صحت تصريحات من تحدثت إليهم "الخبر"، أمس، فإن استقالة بن صالح قبل انعقاد اجتماع البرلمان بغرفتيه واردة، وأنه تم تقديم اسم صالح ڤوجيل عضو القيادة الحالية للأفالان مرشحا لرئاسة اجتماع الغد، لينسحب من رئاسة المجلس في مدة أقصاها 15 يوما، يتم خلالها انتخاب رئيس جديد للمجلس يتولى بحسب المادة 102 رئاسة الدولة خلفا لبوتفليقة. غير أن هذا السيناريو، الذي يجري العمل عليه من طرف الأفالان بشكل مكثف، يعتبر في نظر المعارضة استفزازا آخر، معتبرة "الأفالان والأرندي" هما "الامتداد الحقيقي للدولة العميقة"، والأداة التي سوف يسعى "النظام" إلى تغيير جلده بواسطتها، على اعتبار أنهما قوتان "قابلتان للطرد والاسترجاع" في أي وقت. وهناك هاجس آخر لدى النواب، وخاصة المنتسبين للموالاة، والذين لا يخفون قلقهم من مستقبل غامض، لاسيما إذا ما تبخرت أحلامهم في استمرار البرلمان على قيد الحياة، وأن أغلبيتهم الساحقة، جاءوا إلى العاصمة عبر بوابة انتخابات تشريعية، من رجال الأعمال وأقاربهم، بفضل الولاة والذين يعتبر بعضهم أو غالبيتهم من أدوات الحراك المضاد، خاصة بعدما تم حل جهاز المخابرات في 2015، وهو ما أطلق أيديهم على "البزنس". المعارضة تقاطع هل ستشارك المعارضة في اجتماع الثلاثاء لترسيم شكلي ل "استقالة" بوتفليقة بقصر الأمم بنادي الصنوبر، الذي احتضن أداءه لليمين الدستورية في العهدات الأربع الماضية، بين 1999 و2014، فضلا عن جلسة المصادقة على ثلاثة تعديلات للدستور في أعوام 2002 و2008 و2016؛ مع فارق واضح هو غياب شخص الرئيس المستقيل، لكن بحضور صورته التي سيتم إنزالها من جدران مؤسسات الدولة لأول مرة منذ 20 عاما، ليتوارى عن الأنظار تاركا للجزائريين اختيار الرئيس الجديد. وينعقد اجتماع البرلمان بغرفتيه في ظل غياب مؤثر وواضح لنواب أحزاب المعارضة التي جمدت أو استقالت من عضوية البرلمان، وهي التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وجبهة القوى الاشتراكية وحزب العمال، إضافة إلى كتلة اتحاد النهضة والعدالة والبناء.