مضت 9 أشهر بالضبط على اندلاع الحراك الشعبي، وانطلاق حملة مكافحة الفساد والاعتقالات الواسعة التي طالت المليارديرات وأكبر رجال الأعمال الجزائريين الذين زُج بهم في سجن الحراش، بتهمة قضايا فساد وتبييض أموال بالخارج، غير أن الجزائر لم تتمكن إلى غاية الآن من تحصيل ولا فلس من أموالها المهربة، أو حتى الانتقال إلى مرحلة جدية تسمح بحجز وتجميد ممتلكات المشتبه بهم في الخارج لمنع عائلاتهم من التصرف فيها أو ربما تحويلها إلى دول أخرى، ما يعقد إجراءات استرجاع الأموال المنهوبة. ورغم التحقيقات المكثفة التي تقوم بها العدالة بعد فتح العديد من ملفات قضايا الفساد، إلا أن الجزائر لم تنجح إلى الآن سوى في تخطي العتبة الأولى من مسار استرجاع الأموال المنهوبة بالخارج، والمتمثلة في المرحلة الإدارية، حيث انتهت من جمع المعلومات اللازمة عن الحسابات البنكية لرجال الأعمال والمليارديرات المشتبه في تورطهم في قضايا الفساد بالبنوك الأجنبية. وقالت مصادر مختصة في قضايا الفساد، في تصريح ل "الخبر"، إن العدالة الجزائرية مطالَبةٌ بالإسراع في الانتقال إلى أهم فصل في ملف استرجاع الأموال المنهوبة، والمتمثل في توجيه مراسلات قضائية لنظيرتها بالدول المعنية بتهريب الأموال الجزائرية لحجز وتجميد ممتلكات وأموال رجال الأعمال المشتبه في تورطهم في قضايا فساد وتبييض أموال. وأكدت ذات المصادر أن هذا الإجراء من شأنه أن يمنع عائلات وأقرباء المتهمين من التصرف في الأموال والممتلكات المهربة وتحويلها إلى ما يعرف بدول "الجنات الضريبية" التي تستقطب الأموال غير الشرعية وتقوم بتبييضها وتوظيفها في بنوكها. في الإطار ذاته، أكد مختصون في مكافحة الفساد على ضرورة إرسال الجزائر لطلبات تجميد الممتلكات التي تعد شرطا أساسيا لعملية استرداد الأموال المهربة. ونبه هؤلاء إلى أن الاسترداد الفعلي للأموال المهربة للخارج يتطلب فترة أطول، وذلك حسب استعداد كل دولة للتعاون مع الجزائر. كما تكمن أهمية طلبات التجميد والحجز والمصادرة فوريا للممتلكات وأموال المعنيين بشبهة التورط في قضايا فساد، استنادا لرأي نفس الخبراء، في "منع إخفاء الأموال التي تم تحويلها بشكل غير مشروع إلى الخارج في البنوك". تجدر الإشارة إلى أن الأموال المحولة بطريقة غير شرعية إلى الخارج، وفقًا لأحكام اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد، غير قابلة للتقادم. وقال المختصون في مجال مكافحة الفساد إن "طلبات التجميد والمصادرة والاسترداد يجب أن تستند إلى الجرائم المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية حول الفساد وغسل الأموال والتهرب الضريبي". وفي سياق مغاير، أكد هؤلاء "أن استرداد الأصول لا يتطلب بالضرورة اتفاقيات ثنائية، على الرغم من أن هذا موصى به، خاصة أن بعض الدول مترددة فيما يخص إعادة هذه الأصول حتى لو كانت هناك اتفاقيات ثنائية". على صعيد آخر، أوضح الخبراء بأن استرجاع الأموال المنهوبة سيستغرق سنوات طويلة، نتيجة التأخر في إصدار الأحكام القضائية التي تدين المشتبه فيهم. وحسب هؤلاء الخبراء فإن الدول مجبرة على التعاون مع الجزائر في إطار اتفاقية مكافحة الفساد وتبييض الأموال لسنة 2003، في حال تقديم الأدلة والأحكام القضائية التي تدين المتهمين، ولا تحتكم في ذلك سوى للقوانين المعمول بها عالميا، بعيدا عن العلاقات الدبلوماسية التي تجمعها ببعضها البعض مثلما يحاول بعض السياسيين الترويج له.