برزت مؤخرا أفكار مُستخفّة بخطورة فيروس كورونا المستجد، تأتي في شكل قراءات نافية للواقع، وإهمال عمدي لتفاصيل قاتلة تعد أفضل المنافذ التي يتسلل منها الوباء. وبينما تنتشر أحزان الجنائز ويُودع موتى وباء "كوفيد19" دون إقامة مراسم دفن وعزاء عاديين، وتتعالى آهات المعذبين في المستشفيات، ثمة في الشارع من لم يؤمن بوجود الفيروس، في سلوك مجنون أذهل الأطباء وأفشلهم، وقد لا يتوقف سوى بدخول المعني غرفة الانعاش على ما يبدو. تغريد خارج السرب
في عدة مواقف رصدتها "الخبر" برزت قراءات غريبة تنفي وجود الفيروس، وتبرر ذلك بحكايات غير مؤسسة علميا ولا دينيا، تتراوح بين نظريات المؤامرة و بين ما يعتبرونه خططا بديلة لإنقاذ الكرة الأرضية من خطر الاحتباس الحراري الناجم عن انبعاث قياسي للغازات في العالم. استوقفتنا خلال جولة بالعاصمة، حديث يدور بين شاب يحتج على بائع رغيف بالقرب من مبنى البرلمان لانه يتعامل بالقطع النقدية المعدنية وفي نفس الوقت يلمس الخبز، وبين زبون آخر يستهزئ ويقول: "لا وجود لشيء اسمه فيروس كورونا" ويضيف بنبر عال وصوت مرتفع "مايجري هو اتفاق خفي لتخفيض درجة الإنبعاثات الغازية الضارة للغلاف الجوي للكرة الأرضية". ذُهل الشاب المحتج للتفسير وطالب بأدلة وبراهين عليه حتى يقتنع، غير أن "الفيلسوف" رد بأنه لا يمكن تقديم حجج كون الموضوع سري ومخطط لا ينبغي أن يدركه عامة الناس، في رد سريع انتهى على وقع صيحات صاحب المحل. غير بعيد عن هذا المحل، يمارس صاحب مخبزة بشارع الشهيد العربي بن مهيدي، نشاطه دون احترام شروط الوقاية الموصية بعدم لمس النقود المعدنية والخبز في آن واحد، بمعنى أن الشخص الذي يتلقى الأموال، لا ينبغي أنه يكون هو نفسه الذي يقدم الخبز للزبائن. لم يتحمل أحد الزبائن ممن يحافظون على شروط الوقاية بصرامة هذا المشهد، فسأل صاحب المحل محاولا تصويبه، ليرد الأخير بسرعة "لايوجد فيروس والحافظ هو الله" .. تفاجأ الزبون بالإجابة الصادمة، لكنه لم ينخرط في جدال عقيم مع البائع الذي بدا من خلال سلوكاته عنيفا وشرسا، مفضلا إنهاء الأمر باستعادة نقوده ورفض أخذ الخبز، ومغادرا المكان بغير رجعة كما يبدو. ولا تقتصر هذه السلوكات على العاصمة والبليدة، وإنما المدينتين هما عينة فقط يمكن تعميمها وتمثيلها للعديد من الولايات الجزائرية، كالوادي، بسكرة وسطيف وغيرها .. المناطق التي صار سكانها لا يأبهون بأدنى شروط الوقاية، باستثناء المواطنين الملتزمين. والمفارقة هي أن هؤلاء المتقاعسين هم وقود فيروس كورونا المستجد في المستشفيات، إذ تمتلئ بهم غرف العلاج وأسرّة الإنعاش، بحسب شهادات نقلها الأطباء في فيدويهات مدرجة على منصات التواصل الاجتماعي. نظريات المؤامرة
ورافقت الأزمة الوبائية قراءات تتأسس على "نظرية المؤامرة" التي سكنت عقول قطاع واسع من المجتمعات وقادتهم الى التخلي عن سلوكات الوقاية، وهي الأفكار التي يتبناها الكثير من الجزائريين. واللافت أن مروجي هاته القارءات علماء وأساتذة، ألهموا بأفكارهم قاطع شعبي واسع وحولوه "سلطة" مضادة للتوصيات الطبية والقرارات الحكومية، في مشهد تأسف له كبار العلماء البيولوجيا واعتبروها غير مؤسسة على براهين وحجج علمية عليها اجماع المجتمع العلمي. وعرفت هذه النظريات انتقادات واسعة، من بينها صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية، التي وصفت ما يجري بالتضليل ونظريات المؤامرة الصادرة عن أكاديميين يعملون بجامعات بريطانية مرموقة بشأن فيروس كورونا المستجد. وقالت الصحيفة في احد افتتاحياتها، إن القيود الاجتماعية القاسية التي فرضتها الحكومات الديمقراطية للحد من تفشي وباء كورونا، تتطلب تأمين موافقة شعبية عليها، ولكن مهمة تلك الحكومات أصبحت أكثر صعوبة بسبب التضليل والادعاءات التي يزعم بعضها أن فيروس كورونا ليس سوى سلاح بيولوجي ابتكره الغرب لاستهداف الصين. وأشارت الصحيفة إلى أن بعض الأكاديميين من جامعات بريطانية مرموقة يروجون الهراء عبر الإنترنت بدلا من التصرف بمسؤولية، مؤكدة أن إثارة نظريات المؤامرة المتعلقة بالصحة العامة ليست مجرد فضول فكري، بل تعد تنصلا من قيم إعمال العقل والنقد والتحقيق التي أنشئت المؤسسات الأكاديمية من أجلها. ومن ضمن الأكاديميين الذي يروجون لنظريات المؤامرة بشأن جائحة كورونا، وفقا للصحيفة، تيم هايوارد، أستاذ نظرية السياسة البيئية في جامعة إدنبرة، وبيير روبنسون، المؤسس المشارك لمجموعة ضغط تدعى "منظمة دراسات الدعاية"، والتي تستخدم جامعة "بريستول" عنوانا لها. كورونا .. سلاح بيولوجي
كما اعتبر مارك كريسبين ميللر، الأستاذ بجامعة نيويورك وأحد قادة منظمة دراسات الدعاية، في إحدى كتاباته أن فيروس كورونا "قد يكون سلاحا بيولوجيًا مصطنعا". وقالت الصحيفة إن تلك الأفكار لم تأت كنتيجة للبحث والتقصي، وليست سوى أوهام خبيثة من النوع الذي يزدهر عبر الإنترنت، مؤكدة أن تلك الادعاءات صادرة عن أكاديميين لا يتحلون بأي كفاءة في مجال علم الفيروسات والأسلحة البيولوجية أو أي تخصص آخر متعلق بالأوبئة، مشيرة إلى أن الدافع وراء التضليل الذي يمارسونه قد يكون حب الجدل وانتقاد الديمقراطيات الغربية. من جانبها، نشرت بعض وسائل الإعلام الغربية كقناة "فوكس نيوز" و"ديلي ميلي" تصريحات متضاربة عن وجود مختبرات في الصين، بشكل تم تفسيره عن أن الصين مسؤولة عن تطوير الفيروس، في المقابل حفلت بعض المواقع الصينية باتهامات من مسؤولين صينيين للولايات المتحدة بالأمر ذاته، في إطار حرب إعلامية مستمرة بين البلدين. وكذب موقع "rollingstone" هذه الإشاعة بتصريح من أستاذ لعلم الأحياء، أدلى به ل "واشنطن بوست"، جاء فيه أنه لا يوجد أي شيء في تحليل جينوم الفيروس يبين أن الفعل تمت هندسته، مؤكدا أن العلم يدحض فكرة أن الفيروس عبارة عن فيروس بيولوجي، لكن مع ذلك، يؤكد موقع "rollingstone"أن حتى بعض السياسيين الأمريكيين يعتقدون بالفكرة إياها! التخلص من كبار السن!
نظرية أخرى غريبة، مفادها أن ارتفاع الإصابات في أوروبا يعود لرغبة هذه الدول بالتخلص من كبار السن فيها لأجل خدمة مصالحها السياسية والاقتصادية، علما أن هذا اتهام خطير تكذبه أرقام المسنين الذين يتم علاجهم من الفيروس في أوروبا، بحسب ما جاء في موقع قناة "ديرشبيغل" بل من الباحثين من يقتنعون بهذا الأمر، ومنهم عضو في المركز العربي للدراسات، قال في برنامج الاتجاه المعاكس على قناة "الجزيرة" إن الفيروس مؤامرة يقودها حكام كترامب الراغب في الاستفادة اقتصاديا من الفيروس. لكن الباحث قال كلامه منتصف مارس، في وقت لم تكن فيه الإصابات كثيرة في الولاياتالمتحدة، واليوم صار هذا البلد الأول في العالم من رقم الإصابات، بشكل أثر كثيرا على اقتصاد أمريكا! يضيف الموقع.