تلتزم قيادة جبهة التحرير الوطني بحالة صمت "ما بعد انتخابي"، فيما قد يفهم أنه تعبير عن الصدمة الناتجة عن الاستفتاء الشعبي الذي فاجأ قوى السلطة بالنظر لتواضع النتيجة المحققة. وباستثناء الظهور يوم الانتخابات وتصدر مشهد التصويت، في عملية علاقات عامة، اختفى صوت حزبي الأغلبية البرلمانية فلم يعبر حزب جبهة التحرير الوطني عن موقفه الرسمي فيما يفهم أنه تعبير عن أزمة خطاب أو انقطاع الاتصال من الوصاية، وجاء بيان صادر عن التجمع الوطني الديمقراطي متعلقا بملف يخص القضية الصحراوية. ويبدو أن الحزبين يشتغلان على نفس منهج السلطة قليلة الثرثرة، حيث توقف ضجيجها السياسي بعد الاستفتاء، فباستثناء ما صدر عن رئيس السلطة الوطنية للانتخابات محمد شرفي والبيان الصادر عن الرئاسة المقتضب، ثم البيان الصادر عن رئيس مجلس الأمة بالنيابة، لم نلحظ تصدر ردود فعل رسمية كثيرة، في انتظار صدور القرار النهائي للمجلس الدستوري المتوقع أن يكرس بدوره الأمر الواقع الجديد والخطة المرسومة منذ الانتخابات الرئاسية السابقة. ومقابل صمت قيادة حزب الأغلبية البرلمانية يسجل انتعاش ملحوظ للمنشقين الناشطين على شبكات التواصل الاجتماعي، محملين المكتب السياسي والأمين العام للحزب المسؤولية المباشرة عن تواضع نتيجة الاستفتاء وتدني نسبة المشاركة الرسمية. ويتهم الأمين العام لحزب جبهة التحرير بالمسؤولية المباشرة عن تراجع دور الحزب في الفترة الأخيرة، بسبب قراراته التي سبقت حملة الدعاية، من خلال تفكيك هياكل الأفالان وإبعاد عشرات الكوادر من مناصبهم انتقاما منهم، بشكل أضعف قدرة الحزب على تجنيد شبكات الدعم التقليدية لصالح الدستور. ويدعو مناضلون في الحزب لرحيل القيادة الحالية، محملين إياها المسؤولية عن تخلف قواعد الحزب عن دعم مشروع التعديل. وكتب أحد المناضلين في حزب التحرير على صفحة "حركة تطهير جبهة التحرير الوطني يقودها الشباب": "بعجي انتهى سياسيا لم يعد قادرا على تسيير الحزب بعد خيبة الدستور والهزيمة النكراء للقوة السياسية الأولى في البلاد". وكتب مناضل آخر "بعجي ستنتهي مهامه قريبا.. لا يمكن المغامرة في المراحل القادمة بأشخاص انتهت صلاحيتهم غير قادرين على مواكبة الأحداث". فيما تبرأ مصادر من قيادة الأفالان نفسها من أي مسؤولية عن ضعف التأييد الشعبي للتعديل الدستوري وتقول إن الأصوات الداعمة للتعديل هي أصوات قواعد الحزب متهمة أحزاب أخرى مؤيدة للتعديل على شاكلة حركة البناء وجبهة المستقبل بالإضرار بحملة دعم الدستور وإصابة الناخبين بالنفور من التعديل الدستوري. وحسب مصادر أخرى من قوى الموالاة، فإن المشكل في نتيجة التصويت لا يكمن في منشطي الحملة بل في طبيعة ومضمون والقائمين على التعديل ذاته، حيث فضل كثير من الناخبين المحسوبين تقليديا على التيار الوطني عدم التوجه إلى مكاتب الانتخاب، معترفة بأن الأصوات التي دعمت التعديل جاءت من الأسلاك النظامية لا غير". وحسب هذه المصادر فإن أنصار السلطة انقسموا بين تيار يرى أن التعديل الدستوري ليس أولوية بالنظر إلى الظروف الخاصة على المستوى الاقتصادي والصحي، وهو موقف يقترب من قوي المعارضة، أو التحفظ بقوة على بعض المواد المناقضة حسبها للمبادئ المؤسسة للدولة الجزائرية ومنها مبادئ أول نوفمبر وخصوصا في مجال الهوية والسياسة الخارجية. وفي هذا الصدد عبر كوادر في جبهة التحرير الوطني منهم نواب مثلا عن معارضتهم العلنية للتعديل الدستوري ورفض بعض التغييرات التي تضمنها. وتطرح تساؤلات عن الخيارات المتاحة للسلطة بعد النتيجة المتواضعة للاستفتاء الشعبي بعد فشل المراهنة على هياكل الدعم الحالية، سواء أحزاب الموالاة أو تنظيمات المجتمع المدني، في ظل المخاوف من احتمال تكرار نفس المشهد في الانتخابات التي تعتزم الدعوة اليها. ولا يعرف إن كانت السلطة تملك الوقت الكافي لإعادة هيكلة هذه الأحزاب والتنظيمات قبل الدعوة للانتخابات المسبقة، وهي عملية أكثر من ضرورية لتوجيه الأنظار عن تناقضاتها الداخلية وإشغال الطبقة السياسية واحتواء التوترات السياسية في البلاد.