يشير الخبراء إلى أن عجز الميزانية هو انعكاس للرصيد السالب للميزانية العامة أو العمومية للدولة، والناتج عن كون النفقات تفوق الإيرادات. وتضطر على إثرها الحكومة إلى تمويل هذا العجز من خلال الاقتراض، مما يؤدي إلى تزايد الدين العام الداخلي أو الاقتراض الخارجي أو التغطية من الاحتياطي العام للدولة على غرار صندوق ضبط الإيرادات الذي شكل في الجزائر، أو اعتماد آليات مثل التمويل غير التقليدي، كما حدث سابقا. ويعد التمويل غير التقليدي خيارا متاحا بنص قانوني على خلفية تعديل قانون القرض والنقد المعدل والمتمم للأمر الصادر في 2003 المتعلق بالنقد والقرض، من خلال إدراج المادة 45 مكرر والتي تنص على أنه "بغض النظر عن كل حكم مخالف، يقوم بنك الجزائر ابتداء من دخول هذا الحكم حيز التنفيذي بشكل استثنائي، ولمدة خمس سنوات، بشراء مباشر عن الخزينة، للسندات المالية التي تصدرها هذه الأخيرة من أجل المساهمة على وجه الخصوص في تغطية احتياجات تمويل الخزينة وتمويل الدين العمومي الداخلي وتمويل الصندوق الوطني للاستثمار". ويشكل العجز في الميزانية إحدى المحددات الهامة التي يتم مراعاتها في مؤشرات التوازنات العامة، خاصة في ظل تقلبات الإيرادات وارتفاع النفقات، وحسب المؤشرات برسم مشروع المالية التكميلي 2021، فإن نفقات الميزانية تتجاوز 8642 مليار دينار أو ما يعادل 64.78 مليار دولار منها 5664 مليار دولار ميزانية نفقات تسيير أو ما يعادل 42.46 مليار دولار و2978 مليار دولار ميزانية تجهيز أو ما يعادل 22.33 مليار دولار. بالمقابل، فإن التوقعات تشير إلى إيرادات للميزانية بنحو 5331 مليار دينار، أو ما يعادل 39.97 مليار دولار منها 1927 مليار دينار جباية بترولية أو ما يعادل 14.45 مليار دولار و3404 مليار دينار أو ما يعادل 25.52 مليار دولار جباية عادية. وعلى ضوء هذه المؤشرات، فإن عجز الميزانية المتوقع يقدر بنحو -3310 مليار دينار أو ما يعادل 24.82 مليار دولار وهو يفوق مستوى إيرادات المحروقات وعجز خزينة بحوالي -4140 مليار دينار أو ما يعادل 31.04 مليار دولار، بينما تقدر حاجيات التمويل إجمالا بحوالي -3954 مليار دينار أو ما يعادل 29.64 مليار دولار، في وقت لا تغطي الجباية البترولية سوى أقل من 35% من ميزانية التسيير التي تتمثل في كتلة الأجور أساسا. ومن المهم التمييز بين عجز الميزانية المتوقع والعجز الحقيقي، فالأول يخص مشروع الميزانية التي تتقدم به الحكومة في قانون المالية، وأما الثاني فهو حصيلة لتنفيذ الميزانية بعد نهاية السنة المالية، مع مراعاة أن مشروع قانون المالية التكميلي، يعتمد سعر مرجعي ب40 دولارا للبرميل، بينما تشير التقديرات إلى تجاوز متوسط سعر النفط الجزائري 61.7 دولارا للبرميل من جانفي إلى نهاية أفريل 2021، وارتقاب تجاوز معدل البرميل هذه السنة 62-65 دولارا للبرميل. وبغض النظر عن هذا العامل الداعم، فإن مستويات العجز في الميزانية تبقى معتبرة وتحتاج إلى معالجة من خلال توفير موارد مالية، وهو ما يبقى مطروحا في إطار عدد من البدائل والخيارات، أولها اللجوء إلى اقتطاع ناتج صندوق ضبط الإيرادات الذي تم تفعيله وسجل برسم سنة 2020 ما قيمته 526.8 مليار دينار، إلا أن هذه الموارد غير كافية، لتطرح خيارات محدودة على الحكومة منها الاستدانة الداخلية، إلا أن الدين العمومي بلغ مستويات معتبرة حيث تقدر نهاية 2020 بنحو 9335 مليار دينار، أي ما يعادل قرابة 70 مليار دولار أي أكثر من 45% من الناتج المحلي الخام المقدر بنحو 155.5 مليار دولار، كما أن البنوك تواجه مشاكل في وفرة السيولة التي تقل كثيرا عن 1000 مليار دينار. أما بخصوص المديونية الخارجية، فإن هامش الحركة متاح من حيث تواضع الديون العمومية بقيمة 1.2 مليار دولار، إلا أن الإشكال المطروح يكمن في آليات الإقراض التي ليست متاحة بالضرورة بمستويات كبيرة حتى في حالة بنوك التنمية على غرار ما تم مع البنك الإفريقي للتنمية الذي قدم 900 مليون أورو نهاية 2016، كما أن اللجوء إلى التمويل غير التقليدي يحظى بتحفظ من السلطات العمومية. وقد أكد الرئيس عبد المجيد تبون مرارا استبعاد مثل هذا الخيار، بينما تبقى الخيارات المتصلة بالإقراض الداخلي على شاكلة إطلاق قروض سندية غير فاعلة، كما بينته التجارب السابقة.