التحق المؤرخ الفرنسي، عمر كارلي، صبيحة اليوم بالرفيق الأعلى عن عمر يناهز 78 سنة، بمقر إقامته بفرنسا، بعد خروجه للتقاعد منذ 2013 من جامعة باريس. وقضى الراحل مسارا جامعيا حافلا بالأبحاث حول الحركة الوطنية الجزائرية والمقالات الأكاديمية حول مختلف المواضيع التاريخية والاجتماعية. وترك الفقيد عملا أكاديميا ضخما وهي أطروحة دكتوراه بعنوان "التنشئة الاجتماعية السياسية و التثاقف حول الحداثة : حالة الوطنية الجزائرية من نجم شمال افريقيا إلى حزب جبهة التحرير الوطني , 1926 -1954"، التي جمع فيها حوصلة المئات من الحوارات مع مناضلين من حزب الشعب الجزائري وجبهة التحرير الوطني، معتمدا على التحقيق الميداني والتنقل بين مختلف مناطق الوطن و التركيز على مفهوم " اماكن التنشئة الاجتماعية " في بلورة الوعي السياسي على غرار العائلة والحي والمقهى الشعبي والنوادي الرياضية وأفواج الكشافة. ومما ساعد المؤرخ هو استقراره في الجزائر بعد الاستقلال في سنة 1968 كأستاذ مختص في التاريخ في إطار برامج الشراكة بين البلدين في العمل الجواري مع الفاعلين في الحركة الوطنية والثورة التحريرية. واستقر في مدينة وهران كأستاذ في القانون والعلوم السياسية أين تعرف على زوجته الجزائرية المختصة في التاريخ و الأرشيف رحمونة سويسي وعقد قرانه عليها و دخل الإسلام بعد النطق بالشهادتين مع تغيير اسمه الحقيقي من جون لوي كارلي إلى " عمر كارلي " رغم انحداره من عائلة كاثوليكية محافظة من ضواحي باريس. وترك الراحل أعمال كثيرة في إطار وحدة البحث في العلوم الاجتماعية التي تحولت فيما بعد إلى مركز البحث في الانتروبولوجية الاجتماعية والثقافية بوهران. اضطر في بداية العشرية السوداء إلى مغادرة الجزائر مرغما بسبب الضغوطات و الأخطار المحدقة به و بعائلته واستقر بفرنسا واستمر في كتابة اطروحته المكونة من خمس مجلدات تحت إشراف جان ليكا لغاية مناقشتها قبل توظيفه في جامعات كليرمون فيرون ثم جامعة السوربون في 2004 كأستاذ محاضر في جامعة باريس 7 لغاية تقاعده سنة 2013. لم يقطع صلته بالجزائر التي أحبها و تبنته بدورها كأحد أبناءها و ظل يشارك في الندوات و يلقي المحاضرات و كان آخرها بمركز الدراسات المغاربية بوهران حول الأقسام النهائية لبعض الثانوبات في الجزائرووهران خلال الحقبة الاستعمارية و دفعات من التلاميذ النوابغ و من بينهم متحصلين على جائزة نوبل في بعض التخصصات على غرار البير كامو والأديبة آسيا جبار.