دعا المشاركون في الملتقى الدولي حول "الحديث النّبويّ وآليات تحليل الخطاب" المنعقد بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة، يومي 14 و15 مارس الجاري، إلى توجيه الباحثين إلى دراسة الحديث النّبويّ الشّريف في ضوء منهج متكامل "تأسيسًا ومقاربة"، للرّد على القراءات المتعسّفة للأحاديث. شدّد الباحثون المشاركون في الملتقى الّذي نظّمته كلية الآداب والحضارة بالتّنسيق مع مخبر بحث الدّراسات اللّغوية والقرآنية بمشاركة أساتذة من جامعات العراق، لبنان، الأردن ومصر، على ضرورة إجراء أبحاث أكاديمية معمّقة لاستيفاء الجوانب النّظرية والتّطبيقية لمنهج السّياق في الشّروح الحديثية في مدوّناتها الكبرى، وكذلك عقد دراسات مقارنة بين النّص الحديثي والنّظريات اللّغوية واللّسانية والنّقدية المعاصرة للكشف عمّا يفيده كلّ طرف من الآخر. وأجمع المتدخّلون على أنّ الحديث النّبويّ مصدر ثان بعد القرآن الكريم للتّشريع والإعجاز اللّغوي، البلاغي واللساني، ما استوجب التّوغّل في البُنية العميقة الّتي يشكّلها الحديث النّبويّ من أجل فهم مقاصده بالتّركيز على فهم اللّغة والبلاغة والجانب اللّساني فيها. وفي هذا الجانب، دعت الدكتورة سعاد رباح من جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، إلى ضرورة الاهتمام والعناية بالدّراسات الحديثية ليس فقط على مستوى اللّفظ وجماليته وإنّما كيفية ترسيخ معاني الحديث في حياتنا اليومية ومحاولة استنطاقها لاستخراج الأحكام الشّرعية منها كحلول لمشاكلنا العصرية الرّاهنة. وبرّرت ذات الدكتورة الأمر أنّنا اليوم نعيش حربًا عشواء ضدّ كلّ ما هو ديني، داعية لإنشاء مجامع لغوية مرتبطة بالمجامع الفقهية للتّعاون من أجل الاستفادة من الحديث النّبويّ من حيث دلالة ألفاظه على الأحكام الشّرعية. من جهته تطرّق الأستاذ محمد صافي المستغانمي الأمين العام لمجمع اللغة العربية بالشارقة إلى الاستعارة في الحديث النّبويّ الشّريف وكيف أنّ الرّسول عليه السّلام وظّف الاستعارة في حديثه بطريقة مضبوطة معتبرها من أبواب جمالية الحديث، إذ تصوّر لك الجامد متحرّكًا. كما اعتبر أنّ البيان النّبويّ هو قمّة الآداب البشرية، حيث أنّ الرّسول الكريم قرّب المعنى متّخذًا الاستعارة كوسيلة لذلك في عدّة مواضع. وقد قدّم المتدخّل نماذج عن أحاديث نبويّة للرّسول تبيّن توظيف الاستعارة بعناية غاية في البلاغة والجمالية. للإشارة، فإنّ هذا اللّقاء المندرج ضمن النشاطات العلمية للجامعة، والّذي شهد 47 مداخلة، هدف إلى الكشف عن جماليات الخطاب النّبويّ الشّريف وقدرته في الإبلاغ ومراعاة المتلقين إضافة إلى توصيف الظّروف والعوامل المشتركة في تحليل فاعلية الخطاب النّبويّ الشّريف، وتأكيد تنوّع استراتيجيات تحليله، حسب ما أشار إليه مدير الجامعة الإسلامية الأستاذ الدكتور السعيد دراجي. وفي هذا السياق، فقد صرّح عميد كلية الآداب والحضارة الإسلامية، الدكتور رياض بن الشيخ الحسين، ل"الخبر" أنّ الحديث النّبويّ لا تسعه مناهج محدّدة مثل المناهج السياقية القديمة، بل هناك مناهج حديثة تقدّم قراءات حوله، وهو ما تطرّق إليه في مداخلته الموسومة ب"جماليات الحديث النّبويّ الشّريف" أين ركّز على جمالية التّكرار الّذي أكّد أنّ العلماء توصّلوا إلى كونه مزية بنائية بلاغية تكسب النّص قوّة ومتانة. ولدى اختتام الملتقى، أوصى العلماء بضرورة استثمار الآليات المعرفية للرّد على القراءات المتعسّفة للنّصوص الحديثية، وأيضًا استنطاق نصوص الأحاديث النّبويّة الشّريفة لإبراز الثّوابت الدّينية القيمية والإنسانية والحضارية.