من بين الأسباب الرئيسية في تأخر إنتاج دواء الأنسولين على التراب الوطني، هو إخلال المخبر الدانماركي "نوفونورديسك" الناشط بالجزائر، بالتزاماته المتعلقة بإنتاج وتموين السوق الوطنية بدواء داء السكري، بحيث لم تحقق هذا المسعى رغم مرور 23 سنة عن التزاماتها الأولى. وكشفت وزارة الصناعة الصيدلانية، خلال شهر ماي الماضي، عن أن المخبر الدانماركي لم يحترم التزاماته المتعلقة بإنتاج الأنسولين في الجزائر، مما عرّضها للحرمان من الإستيراد بين سنتي 2001 و 2003. وأشارت الوزارة إلى أنه في 2012، وقّع المخبر عقدا مع مجمع "صيدال" لإنتاج "أنسولين نوفونرديسك" في الوحدة التي تنتج فيها "صيدال" الأنسولين في قوارير منذ سنة 2006، إلا أن الموقع لم يشهد إنتاجا للأنسولين، بالإضافة إلى تولي "نوفونورديسك" تزويد الصيدلية المركزية للمستشفيات عن طريق الإستيراد بدلا من "صيدال". وجددت الحكومة الثقة في مخبر "نوفونورديسك" مرة أخرى خلال سنة 2019، أين تم التوقيع على مذكّرة تفاهم لمشروع مشترك مع مجمع "صيدال" لوحدة إنتاج الأنسولين في بوفاريك، ووفرت الحكومة كل الشروط لإنجاح هذا المشروع، في مقدمتها منح امتياز عقار لشركة "نوفونورديسك" في بوفاريك، وبالضبط بجوار سوق الجملة للخضر والفواكه، إلا أنه لم يحقق فيها سوى وحدة تركيب السيالات المستخدمة لحقن الأنسولين، فيما لم تر وحدة إنتاج الأنسولين النور لحد كتابة هذه الأسطر. ولم ينته "جشع" القائمين على تسيير المخبر الأجنبي في الإخلال بالالتزامات، بل الأسوأ والأمرّ يكمن في تحايلها وتلاعبها بالقوانين، حيث قدمت العقار الممنوح للامتياز من طرف الدولة الجزائرية كمساهمة لتعزيز حصصها في إطار شراكتها مع المجمع العمومي "صيدال". وكشفت التحقيقات التي باشرتها وزارة الصناعة الصيدلانية بناء على سلسلة من الاجتماعات المنعقدة منذ 2020 والتقارير المرسلة من طرف "صيدال"، أن مطالب مخبر "نوفونورديسك" مخالفة للأسس الاقتصادية والقانونية، لا سيما فيما تعلق بمسألة تخصيص الأغلبية المطلقة ومنح "صيدال" دورا ثانويا بأقلية الحصص غير المعارضة، مما أدى إلى إخفاق المشروع المشترك. ووضعت وزارة الصناعة الصيدلانية المخبر المذكور تحت المجهر لتوقيف التجاوزات المرتكبة من طرفها، حيث تم تبليغ المخبر بإعذار رسمي بتاريخ 31 جانفي 2022 من طرف المفتشية العامة بوزارة الصناعة الصيدلانية، على خلفية احتكار الأنسولين، بالإضافة إلى استدعاءات متعددة للمديرية التقنية ل"نوفونورديسك" من قبل مديرية الضبط ومديرية اليقظة الاستراتيجية، وأمرها بإيداع برامج الاستيراد في سنة 2021 وتنفيذها في سنة 2022، وهذا من أجل ضمان تزويد السوق الوطني، حيث خضعت برامج الاستيراد لشهادة الضبط تم التوقيع عليها بمجرد إيداعها. كما حرر المرصد الوطني لتوفير المواد الصيدلانية عدة محاضر تفيد باحتكار المخبر المذكور للأنسولين، مما خلق توترا في السوق، إضافة إلى تقارير مسجلة من طرف الفاعلين في السوق، بالإضافة إلى التنديدات الرسمية التي تلقتها مصالح وزارة الصناعة الصيدلانية من قبل الشركاء وجمعية الموزعين الصيدلانيين الجزائريين بشأن "البيع المشروط المنتظم الذي تمارسه المصالح التجارية للمختبر المذكور". وبناء على ما سبق ذكره، طُلبت الوصاية من شركة نوفونورديسك تزويد السوق بشكل مستمر تطبيقا لبرنامج الإستيراد الخاص بها وتبليغ مصالحها التجارية لحظر ممارساتها المتعلقة بالبيع المشروط واحتكار المواد واتخاذ قرار واضح بشأن رغبتها في الإلتزام بالانضمام إلى السياسة الصيدلانية الوطنية. وعكس ما كان معمول به سابقا، ومنذ استحداث وزارة الصناعة الصيدلانية، صارت هذه الأخيرة تعتمد على الأدوات المستحدثة في إطار متابعة سوق الدواء، سواء المرصد الوطني لتوفير المواد الصيدلانية الذي يضم وزارات مختلفة (الدفاع والداخلية والصحة والعمل والضمان الإجتماعي) أو جميع عمادات ونقابات الصيادلة والأطباء وجمعيات المنتجين والموزعين والمرضى والمستهلكين، إضافة إلى المنصة الرقمية لمتابعة البرامج التقديرية للاستيراد مع جداول التسليم والبرامج التقديرية للإنتاج... وجميعها وسائل وأدوات فعالة تستعملها الوصاية لمراقبة السوق والضغط على المتحايلين الذين يتم الإعلان عنهم على عدة أصعدة.