لم يتحرر بعد أعضاء الحكومة من نموذج العمل من المكاتب والاجتماعات الأسبوعية، إلى النموذج الميداني، كما أمر بذلك رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، قبيل شهر رمضان. بملاحظة الأنشطة الوزارية خلال الشهر الفضيل، وطبيعة القرارات والتصريحات، يتبين أن الانتقال إلى العمل الميداني أضحى ضرورة لمواجهة انشغالات المواطنين، والاستماع إلى اهتماماتهم خاصة مع انتشار واسع لهياكل المرصد الوطني للمجتمع المدني والمجلس الأعلى للشباب، وهو ما سيمكن من الوقوف على مدى صحة ومصداقية الأرقام والوقائع حول مشاريع التنمية الجهوية. وسيشكل النزول إلى الميدان فرصة لصناع القرار للتعرف عن كثب عن مجريات الأوضاع والتأكد من التقارير التي ترفع إلى الوزراء والحكومة وإلى باقي المؤسسات الرسمية بغية الوقوف بدقة على نقاط الاختلال بهدف التصحيح والتصويب. وضمن هذا الإطار، من المنتظر أن ينزل الوزراء ضمن برنامج أشرف عليه وزير الداخلية إبراهيم مراد تحت إشراف الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان، إلى الولايات لمتابعة مدى تقدم انجاز المشاريع الإنمائية في مختلف القطاعات، بما سيطبع العمل الحكومي بمسحة من المصداقية تسمح له بمعالجة مشاكل المواطنين والاطلاع على نشاط الاستثمار التي تم تحريرها من البيروقراطية خلال الأشهر الماضية. غير أنه حتى يكون الحكم على أعضاء الوزراء منصفا، ثمة مهام وزارية لا تستدعي الخروج إلى الميدان وفاعليتها تكون في الإدارة المركزية ودوائرها، على غرار وزيري العدل والمالية والخارجية. ويبدو أن شهر رمضان ومتطلباته الاجتماعية وبخاصة التجارية والاستهلاكية، ساهم في عدم الانطلاق في تجسيد قرار رئيس الجمهورية إلى ما بعد الشهر الفضيل، باستثناء خرجات وزير التجارة الجديد الطيب زيتوني ووزيرة التضامن الوطني كوثر كريكو. وكان الرئيس عبد المجيد تبون، في أول اجتماع له بالأعضاء الجدد للحكومة، قد دعا وزراءه للتركيز على العمل الميداني والكف عن استعمال العبارات التي تمجد الأشخاص. وورد في بيان مجلس الوزراء، يومها، أن الرئيس تبون أمر الوزير الأول بتقليص الاجتماعات الحكومية إلا للضرورة، وتوجيه كل الجهود إلى الميدان، كون الجزائر اليوم ليست بحاجة إلى سنّ قوانين قد تعكر حياة المواطنين، بل إلى إلغاء تلك التي تجاوزها الزمن. وفي السياق نفسه، طالب الرئيس بتقوية التنسيق بين مدير ديوان رئاسة الجمهورية الجديد السفير نذير العرباوي، والأمين العام للحكومة للمتابعة الحثيثة، والتنفيذ الصارم لقرارات مجلس الوزراء، وأمر وزير الداخلية، تحت إشراف الوزير الأول، بوضع رزنامة زيارات ميدانية، يقوم بها أعضاء الحكومة للولايات، بناء على الأولوية، في التنمية والانشغالات الحيوية اليومية للمواطنين. وحذّر الرئيس تبون الوزراء من إطلاق وعود للمواطنين غير مؤسسة، وضمن آجال، غير معقولة وآليات غير مفهومة، كما دعاهم "للامتناع النهائي عن الاستعمال المُبالغ فيه للشعارات السياسية النمطية التي تمجد الشخصيات وتقدسهم، عبر أي وسيلة إعلامية توحي بأن كل نشاط حكومي مهما كان نوعه، هو بتوجيه من السيد رئيس الجمهورية". كما منع الرئيس تبون وزراءه من توظيف عبارة "بتوجيهات من رئيس الجمهورية" في أحاديثهم وتصريحاتهم أمام المواطنين وموظفي القطاعات التي يشرفون عليها ووسائل الإعلام. وتأتي هذه التوصيات للحكومة الجديدة، في أعقاب ما أثير عن غضب الرئيس من وزراء ومسؤولين تخلى عنهم مؤخرا، وعلى خلفية انتقاده لأداء الحكومة والوتيرة البطيئة لتحركاتها في معالجة العديد من الملفات وتقديمها أرقاما تقريبية غير دقيقة وانتهاجها سياسات تحدث الاختلال والارتباك على يوميات المواطنين وعلى المتعاملين الاقتصاديين، وهو ما نقلته وكالة الأنباء الرسمية. وعن طبيعة الخرجات الميدانية، يرفض الرئيس تبون تلك الخرجات الفولكلورية التي يغلب عليها التكلف والبروتوكول والشكليات، وإنما يدعو إلى أنشطة فعلية وفعالة تستجيب لتوصياته.