سيحتفظ التاريخ حتما بالصورة "التذكارية" التي التُقطت لرئيس الاتحادية ورؤساء الأندية، عقب انتهاء اجتماع أخذ طابعا رسميا بتلك الصورة، لم تكن مُخرجاتها لتقدّم للرأي العام سوى تلك الصورة التعيسة عن حقيقة واقع الكرة في الجزائر، بنفس تعاسة الصورة التذكارية. حين يسمع أيّ مهتم بشؤون الكرة عن "قرار" عدد من رؤساء الأندية مقابلة رئيس الاتحادية بمكتبه، في الوقت "ما بعد بدل الضائع" من بطولة يُعرَف لها بداية دون نهاية، يُخيّل له بأن استعجال المقابلة يحمل في طياته حتما ما يضمن تطوير المنظومة الكروية بنظرة استشرافية حقيقية، أو ربما يعتقد أقل المتفائلين بأنه، ربما، يكون "المتخاصمون" على الدوام حول نقاط المباريات قد "اهتدوا" إلى طريق "الاتفاق" حول نقطة واحدة تجمعهم، طوعا أو قسرا، بهدف انتشال الكرة من حالة الهوان التي هم أصلا من بين أبرز مسبباتها. ما حدث أول أمس بمقر "الفاف" يقضي على آخر بصيص أمل في إمكانية نجاة الكرة الجزائرية بمثل تلك "النماذج" التي وجدت مَن يمنحها الطابع الرسمي، بل ويتعاطى مع مطالب مختلفة لا تعكس فقط عدم اتفاق هؤلاء أصلا على "نقطة جدول الأعمال" مع رئيس الاتحادية، إنما تعزز أكثر الواقع الكروي المرّ الذي أفرزته أزمة متعددة الجوانب.. أزمة نخرت جسد المنظومة الكروية، وقد غاب على مستوى سدّة صُنع القرار على مستوى الأندية والهيئات الكروية الفكرُ الحكيم والطرح السليم. الدعاية الكبيرة التي سبقت اجتماع جهيد زفيزف ببعض رؤساء الأندية تركت الانطباع بأن المخرجات ستكون حلولا عملية للمنظومة الكروية الغارقة في "الفوضى المُنظَّمة".. بل إن التقاء "الإخوة الأعداء" والاتفاق على موعد محدد وعلى هدف واحد جعل الاعتقاد يسود بأن هؤلاء "قد اكتشفوا البارود"، وبأن اكتشافهم هذا سيقدّمونه لرئيس الاتحادية قصد اعتمادهم. وعلى تعاسة "الصورة التذكارية" لتلك المقابلة "الرسمية"، جاءت "أطروحات" مَن يُحكِمون قبضتهم على "نخبة" الأندية الجزائرية التي تمثّل قاطرة المنظومة الكروية تعيسةً أيضا.. فعلى قدر "الهالة" الكبيرة كانت الصدمة الكبيرة، فكان طلب ممثل نادي بارادو مدعما برئيس نجم مقرة (عضو المكتب الفدرالي السابق) بتوقيف البطولة، وإعلان إلغاء السقوط دون أن يشعر واحد منهما بالحرج أو الخجل، وقد تغلّبت المصلحة الشخصية على طرح النادي والأكاديمية، كون مقرة وبارادو يتصارعان في آخر أنفاس البطولة من أجل ترك مركز مرافقة هلال شلغوم العيد للآخر. وبغرض دغدغة مشاعر رئيس "الفاف" أكثر، وزرع حماس قبول الطرح في نفسه، تم إرفاق طلب "توقيف البطولة" بترقية صاحبي المركزين الثاني في بطولة القسم الثاني هواة، لرفع عدد أندية الرابطة المحترفة الموسم المقبل إلى 20 فريقا، ومن المفارقات أن يكون، إلى جانب ترجي مستغانم صاحب مركز الوصافة في مجموعة وسط غرب وراء نجم بن عكنون البطل، نادي جمعية الخروب الذي أنهى البطولة في المركز الثاني وراء الاتحاد السوفي في مجموعة وسط شرق، كون رئيس "الفاف" ينحدر من منطقة الخروب وكان أحد مسيري النادي، وقد ترشح لرئاسة "الفاف" باسم شباب قسنطينة، نادي الولاية التي توجد فيها الخروب. وعلى الطرف الآخر، جاء طلب رائد البطولة المحترفة شباب بلوزداد مختزَلا، ليس في ناد، وإنما في لاعب.. وحمل رئيس النادي البلوزدادي إصرارا في كلامه ومطلبه على رفع عقوبة الإيقاف في حق لاعبه زكرياء دراوي حتى يشارك في نهائي كأس الجزائر أمام أولمبي الشلف، وقد حامت شكوك حول خلفية إيقاف دراوي لمقابلتين من طرف لجنة انضباط "الرابطة"، بعد طرده في مباراة مقرة في البطولة، بعد تأجيل برمجة جولة من البطولة تسمح له باستنفاد العقوبة، ثم إعلان موعد نهائي الكأس في 22 جوان، بما يحرم رسميا دراوي، بسبب قرار لجنة انضباط الرابطة، من المشاركة في نهائي سيجمع فريقه بأولمبي الشلف، وهو نادي رئيس الرابطة عبد الكريم مدوار. ولأن رئيس "الفاف" جهيد زفيزف حاز على عضوية الجمعية العامة باسم نادي شباب قسنطينة، فقد حضر مثل الفريق القسنطيني خلال الاجتماع للحديث عن تغيير القوانين دون الخوض بالتفصيل في أسباب مطلبه أو الأهداف المرجوة من وراء ذلك. وإذا كانت "جزئيات" الطلبات مختلفة ومتضاربة بين "المتفقين" على الاجتماع، إلا أنها حملت "رائحة" من البطولة وتداعياتها، على خلاف مطلب رئيس شبيبة الساورة الذي طالب بضرورة رحيل رئيس رابطة كرة القدم المحترفة عبد الكريم مدوار لسبب شخصي بحت، ليس له علاقة من الأساس بكرة القدم. ولأن الفوضى في المنظومة الكروية لا حدود لها، فقد جاءت "الفتوى" بعد انتشار الفضيحة بالقول إن الاجتماع لم يأخذ "الطابع الرسمي" للتغطية على ظهور رئيس "الفاف" جهيد زفيزف في الصورة التذكارية جنبا إلى جنب مع محمد زرواطي، بما يُضفي الجانب الرسمي على الاجتماع الذي تم أصلا في مقر الاتحادية، كون محمد زرواطي معاقبا بالإيقاف لسنتين كاملتين، وهو قرار اتخذته لجنة انضباط الرابطة التي درست شكوى رئيسها (رئيس الرابطة) عبد الكريم مدوار بعد انتقاد زرواطي له. وحتى إن كان قرار معاقبة زرواطي خاطئا وغير قانوني، لكون تصريحاته وَجب أن تُحيله على لجنة الأخلاقيات وليس الانضباط، وأيضا لكون لجنة الانضباط، وحتى لجنتي الأخلاقيات والاستئناف، لجانا غير قانونية، لأن أعضاءها "معيّنون" وليسوا "منتخَبين"، على اعتبار أن اللجان القانونية يتم انتخاب أعضائها من طرف الجمعية العامة ولا يتم تعيينهم، إلا أن مجرّد "اعتماد" عقوبة الإيقاف في حق زرواطي يدفع رئيس "الفاف" إلى رفض تواجد عضو معاقب في اجتماع بمقر "الفاف" أخذ "قسرا" الطابع الرسمي. ووجَب تذكير مَن يطبقون ما يشاؤون من القانون ويتجاهلون ما يشاؤون منه، أن قرار إيقاف أي مسؤول ناد يعني منعه من المشركة في أية نشاطات تتعلق بكرة القدم خلال فترة عقوبته، حتى الاجتماعات "الرسمية" والجمعيات العامة والمراسلات إلى الاتحادية والرابطة باسم النادي.. بدليل أن محمد زرواطي، ورغم قرار معاقبته المجحف وغير القانوني، لن يكون "معترَفا به" كممثل لناديه شبيبة الساورة في جمعية عامة يحوز فيها على "السيادة"، في حين "اعترف" به رئيس "الفاف" وهو تحت طائلة العقوبة، واجتمع معه بحضرة بعض رؤساء الأندية، بل ومنح الاجتماع طابعا رسميا للعلن بتلك الصورة التذكارية. ووجَب أيضا القول إن الاجتماع التعيس يعكس، للأسف، حجم هوان المنظومة الكروية الجزائرية التي وُجدت فيها كرة القدم تباع وتُشترى في سوق النخاسة.. وعلى درجة انحطاط الطرح والفكر من الأندية جاء تعاطي رئيس الاتحادية مع ما لا يقبله العقل والفكر، وهو واقع يُبرز فقدان زفيزف للبوصلة منذ خلافته للرئيس عمارة شرف الدين، حتى بدا للرأي العام بأن زفيزف، وهو يستجيب لطلب المقابلة، مقتنع في قرارة نفسه بأنه في موقع أضعف مما كان عليه حتى عند توليه رئاسة الاتحادية، وبأنه مرغم على الاستجابة لأي طلب ومن أيٍّ كان، ولو على حساب القضايا الحقيقية للكرة الجزائرية، حتى يستثمر في "اللاحدث" بما يسمح له، ولو إلى حين، بجعل الرأي العام يتغافل عن فضائح تسييره.. وما أكثرها.