تسارع قيادات أحزاب اليمين إلى تحريف النقاش والترويج لمقترحات يراد من ورائها رمي كامل المسؤولية في أحداث الشغب التي شهدتها فرنسا، ردا على مقتل الشاب القاصر "نائل" تحت رصاص الشرطة الفرنسية، على المهاجرين وسكان الضواحي الذين تتهمهم بأنهم السبب في أفول نجم فرنسا. تقول "لوفيغارو" وهي جريدة يمينية إن 90 بالمائة من استطلاعات رأي الفرنسيين تعتبر أن مقتل "نائل" لم يكن سوى مبرر للمشاغبين للقيام بأعمال التخريب، في رسالة منها أن الذين احتجوا في الشارع على مقتل مواطن فرنسي هم مرضى لا همّ لهم سوى تحين أي فرصة أو مناسبة للقيام بأعمال تخريبية!! ومادام يراد تصديق هذه الصورة التي رسمتها "لوفيغارو" من وراء نتائج سبرها للآراء كان لابد أن تلتحق بها قناة "سي نيوز" اليمينية هي الأخرى بسبر آراء تقول فيه، حسب نتائجه طبعا، إن فرنسيا من بين اثنين يطالب بوقف الدعم والمساعدات المقدمة من قبل الحكومة إلى سكان الضواحي، وهي المناطق، حسب تقسيمهم، التي يسكنها المهاجرون. قناة "بي أف أم تي في" المعروفة باعتناقها أطروحات أحزاب اليمين المتطرف تفتح المجال لرئيس التجمع الوطني، حزب مارين لوبان، ليدعو الحكومة إلى وقف المنح العائلية للعائلات التي شارك أبناؤها في أعمال الشغب، اعتقادا منه أن ذلك نكاية في المهاجرين المستفيدين من ذلك وعقابا لهم فقط لأنهم تضامنوا مع قاصر تم اغتياله من طرف أعوان الشرطة. الغريب في الأمر أنه في الوقت الذي اعترف الرئيس ماكرون في لقائه مع رؤساء بلديات فرنسا بأنه "يريد معرفة الأسباب العميقة لأحداث العنف" في فرنسا يخرج برونو روطايو، رئيس المجموعة البرلمانية لحزب الجمهوريين اليميني في مجلس الشيوخ الفرنسي، بنظرية عنصرية جديدة يرى فيها أن "أعمال العنف على علاقة بالمهاجرين الذين يحنون إلى جذورهم الأصلية"، ويذهب في نفس الاتجاه جون بيار رافاران بأن الذين لا يندمجون في الجمهورية يجب منع المساعدات الاجتماعية عنهم. لكن الأرقام التي كشف عنها وزير الداخلية الفرنسي جيرارد دارمانان أسقطت الادعاءات التي استثمرت فيها قيادات أحزاب اليمين المتطرف لدغدغة مشاعر الفرنسيين لكسب أصوات انتخابية من خلال "شيطنة" المهاجرين، حيث أكد أن 90 بالمائة من أصل 4000 موقوف في الأحداث الأخيرة هم فرنسيون و10 بالمائة أجانب، من بينهم 40 شخصا فقط دون وثائق، وهو ما يعني أن الذين حاولوا تحميل العرب والأفارقة أعمال الشغب والتخريب ظهرت حقيقتهم، أن مواقفهم تحكمها الكراهية والعنصرية أكثر من احتكامها للواقع. وعندما تكون الأمور كذلك فليس غريبا أن تقوم العدالة الفرنسية بسرعة البرق بتسليط 10 أشهر حبسا ضد شاب قام بسرقة "علبة عصير ريد بول" من أحد المتاجر في تلك الأحداث، وهي العقوبة نفسها، تقول نائب حزب فرنسا الأبية ماتيلد بانو، التي فرضت على نيكولا ساركوزي عند متابعته في قضية التصنت والفساد! وهو كيل بمكيالين يدافع عنه إريك زمور الذي طالب بتشديد العقوبات على هؤلاء اعتقادا منه أن ذلك يعيد هيبة الدولة الفرنسية.