بتكليف من الرئيس عبد المجيد تبون، يشرف الوزير الأول، نذير العرباوي، اليوم، بولاية الكاف التونسية، مع نظيره التونسي، كمال المدوري، على مراسم إحياء الذكرى ال 67 لأحداث ساقية سيدي يوسف. يرافق العرباوي في هذه المهمة وزير الداخلية، إبراهيم مراد، وزميلاه في الحكومة وزير المجاهدين العيد ربيڤة، وكاتب الدولة المكلف بالجالية، سفيان شايب. وفق بيان صادر عن مكتب العرباوي، تشكل الزيارة والمناسبة فرصة لاستذكار التضحيات والتاريخ النضالي المشترك للشعبين الشقيقين الجزائريوالتونسي ضد الاستعمار الفرنسي من أجل استرجاع الحرية والكرامة. المصدر ذاته أفاد بأن الجانبين الجزائريوالتونسي سيعكفان، على هامش الاحتفالات المخلدة للذكرى التي امتزجت فيها دماء التونسيينوالجزائريين الهاربين من جرائم الإبادة الجماعية في وطنهم المحتل آنذاك، على استعراض وبحث سبل تعزيز التعاون الثنائي وفق الرؤية المشتركة للرئيسين تبون ونظيره التونسي قيس سعيد. كما ستكون الزيارة مناسبة لتوجيه رسائل جزائرية وتونسية على وحدة المصير، وأن ما ارتكب بحق الشعبين من مجازر وإبادة على يد الاستعمار الفرنسي في "الساقية" لا ينسى، وأنها جريمة تضاف إلى سجل حافل بالقتل والتدمير والاغتصاب والتهجير القسري ونهب خيرات البلدين. في نفس السياق، يؤشر تنقل العرباوي إلى الساقية على حرص الرئيس تبون على عدم التنازل عن ملف الذاكرة الذي يوليه منذ مجيئه للحكم في ديسمبر 2019، أولوية ومكانة خاصة، حاولت باريس مرارا، وعلى مدى عقود، إزالته من أجندة العلاقات بين البلدين لما له من تأثير سلبي على صورة فرنسا، بسبب ماضيها الاستعماري وسجلها الثقيل بالجرائم المرتكبة ضد الإنسانية في القارة الإفريقية التي تعرف المناطق التي عانت من نير الاحتلال الفرنسي انتفاضة أسفرت عن طرد القوات الفرنسية من أراضيها، مثلما حدث في مالي والنيجر وبوركينافاسو والسنغال وتشاد.. أيضا، يؤشر مستوى الوفد الجزائري ونظيره التونسي على مدى الانسجام في المواقف بين حكومتي البلدين تجاه القضايا التي تخصهما، وضرورة الوقوف وقفة رجل واحد في مواجهة الابتزاز الفرنسي للبلدين، تارة باسم ورقة الدفاع عن حقوق الإنسان، وتارة أخرى بورقة حرية التعبير والاختيار، وهما ملفان يغيبان كل الغياب من الساحة الفرنسية التي تعج بالانتهاكات في مجال حقوق الإنسان وحرية التعبير، وما الدعاوى المرفوعة ضد فرنسيين ومهاجرين نظاميين ينددون بسياسة باريس العنصرية، والتي يقودها اليمين المتطرف المسيطر على مفاصل الدولة هناك، إلا دليل لا يحتمل التشكيك أو الريبة.. بل إن القمع المسلط على النخب الفرنسية المعتدلة امتد حتى إلى المؤثرين في مواقع التواصل الاجتماعي، والممثلين الفكاهيين، والمطربين.. ما نشر مناخا من الخوف والرعب وسط النخب هناك، ما دفع ببعضهم لمغادرة التراب الفرنسي نحو وجهات أكثر أمانا.
يا فرنسا.. لن ننسى مجزرة "الساقية" تعتبر قرية ساقية سيدي يوسف، التي تعرضت ذات 8 فبراير 1958 إلى هجوم من قبل القوات الجوية للمستعمر الفرنسي أسفر عن استشهاد العشرات وجرح المئات من التونسيينوالجزائريين، مثالا حيا عن همجية الاستعمار الفرنسي وانتهاجه أسلوب العقاب الجماعي لكل ما من شأنه تقديم العون والمساعدة لعناصر جيش التحرير الوطني في كفاحه ضد المستعمر الفرنسي. وتستمد ساقية سيدي يوسف التونسية أهميتها البالغة بالنسبة لثورة أول نوفمبر 1954 من موقعها الاستراتيجي على الحدود المشتركة بين الجزائروتونس، ما حولها إلى ملاذ للمجاهدين الجزائريين للتزود بالأسلحة والمؤونة، كونها قريبة جدا من مدينة لحدادة التابعة لولاية سوق أهراس الشاهدة. ولأنها كذلك، صارت ساقية سيدي يوسف هدفا مستمرا للاحتلال الفرنسي بشنه هجمات مسلحة في أكثر من مناسبة، عقابا على مساندة سكانها واللاجئين الجزائريين لجيش التحرير الوطني. وبالعودة إلى المصادر التاريخية، فإن ساقية سيدي يوسف تعرضت لأول هجوم في سياق ملاحقة عناصر جيش التحرير الوطني يومي 1 و2 أكتوبر 1957، ثم يوم 30 يناير 1958، وكان الهجومان تمهيدا لمجزرة أكبر وأبشع تم خلالها سفك الكثير من الدماء وظلت، وستظل، شاهدة على وحشية الاحتلال الفرنسي. وأمام الدعم الكبير الذي تحصلت عليه الثورة من مختلف المكونات السياسية والمدنية في تونس ومن العديد من المناطق الحدودية بين البلدين، لجأ الاحتلال الفرنسي إلى التخطيط لهجوم كبير يهدف لإحداث القطيعة بين الشعبين الشقيقين والدفع بالتونسيين إلى التخلي عن دعم ثورة التحرير الجزائرية. ولتحقيق الهدف المستحيل، قام المحتل الفرنسي بتوجيه نيرانه ومدافعه، يوم 8 فبراير 1958، نحو ساقية سيدي يوسف التونسية، ولم يكن اختيار ذلك التاريخ صدفة، بل لتزامنه مع السوق الأسبوعية في المدينة التي يحتشد فيها عدد كبير من المدنيين التونسيين ويتوافد عليها عدد كبير من اللاجئين الجزائريين لتسلم المساعدات الغذائية من المنظمات الإنسانية. ومع حلول الساعات الأولى من صباح ذلك اليوم الأسود، غطت أسراب من الطائرات القاذفة المطاردة سماء ساقية سيدي يوسف، وشنت غارات وقصفا متواصلا استمر أكثر من ساعة، مستهدفا مباني حكومية ومدارس ابتدائية والعديد من المحلات والمنازل. ووفق إحصائيات رسمية، فإن الهجوم الذي امتزجت فيه دماء الشعبين الشقيقين، أسفر عن سقوط 68 شهيدا من الجزائريينوالتونسيين غالبيتهم من النساء والأطفال. وقد أثارت مجزرة ساقية سيدي يوسف ضجة إعلامية دولية عكس ما كان يأمل المستعمر الفرنسي الذي اعتقد أنه بردع التونسيين سيقضي على دعم الثورة الجزائرية.