وصل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة إلى مفترق الطرق بين التزام الاحتلال الإسرائيلي بالتزاماته التي يفرضها اتفاق وقف إطلاق النار أو الدخول في سيناريوهات أخرى، من بينها العودة إلى الحرب كما يهدد بذلك رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أو تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل الاحتلال قادر على "تحقيق النصر" الذي يبشر به نتنياهو في هذه الجولة؟ وهل سيستطيع أن يحقق ما لم يحققه في الجولة الأولى؟ وهل هو قادر على فتح جبهة حرب جديدة أصلا؟ الكل يتذكر أنه خلال الأسابيع الأخيرة التي سبقت التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار استطاعت المقاومة في شمال غزة أن تعيد ترتيب صفوفها وتضخ دماء جديدة في قواتها بالتحاق مقاتلين جدد بجبهات القتال، ورغم الحصار استطاعت أن تلحق بالاحتلال خسائر بشرية ومادية ثقيلة، كما استهدفت غلاف غزة بصواريخ من الشمال، هذا الشمال الذي كان ضحية عملية حصار وتجويع وتهجير قسري ضمن ما يعرف بخطة الجنرالات، هذه الخطة التي لم تصل إلى تحقيق الأهداف التي رسمت لها. في المقابل، العدوان الهمجي الإسرائيلي كان وقعه كبيرا وكبيرا جدا على الشعب الفلسطيني في غزة، بالنظر إلى العدد المرتفع من الضحايا، حوالي 170 ألفا بين شهيد وجريح أغلبهم أطفال ونساء وشيوخ، وبنية تحتية مدمرة وتقريبا ثلثي المساكن في القطاع سويت بالأرض وغالبية السكان يحتمون بالخيام أو ما تبقى من المنازل، في ظل ظروف تنعدم فيها كل شروط الحياة بسبب حجم القنابل غير المسبوق، التي استهدفت كل ما له علاقة بالحياة في غزة. لكن رغم ذلك ورغم كل المجهود الحربي والدعم الغربي وخاصة الأمريكي على مدار الخمسة عشر شهرا من الحرب، لم يستطع الكيان تحقيق ولا هدف من الأهداف التي حددها حين أطلق عملياته العسكرية في السابع من أكتوبر 2023، على رأسها استرجاع الأسرى الإسرائيليين وتفكيك منظومة حماس العسكرية وإنهاء حكمها لغزة، وعليه هل يستطيع نتنياهو تحقيق "النصر" الذي يتحدث عنه اليوم بعد أن تملص من اتفاق وقف إطلاق النار؟ الجنرال المتقاعد والخبير العسكري إسحاق بريك الذي تولى عدة مناصب قيادية هامة في جيش الاحتلال، يرد على تهديدات نتياهو قائلا: "هناك أمر واحد واضح تماما: لن نتمكن من هزيمة حماس هذه المرة أيضا، ولكن الضرر الذي سيلحق بنا سيكون أكبر عشرات المرات من الضرر الذي لحق بدولة إسرائيل من حرب السيوف الحديدية". وأضاف: "إن إسرائيل سوف تخسر الأسرى إذا خرج الجيش الإسرائيلي لمحاربة حماس مرة أخرى وسوف نتكبد خسائر بشرية، كما ستفقد إسرائيل شرعيتها في العالم بالكامل، ولن يتبقى لها سوى صديق واحد هو الولاياتالمتحدة. ومع كل هذا، فإن ترامب، بسبب عدم القدرة على التنبؤ بتصرفاته، لديه القدرة على إدارة ظهره لإسرائيل في ثانية واحدة، تماما كما فعل مع أوكرانيا، وستبقى إسرائيل حينها وحيدة في العالم لأنها وضعت كل ثقتها في شخص واحد فقط، رئيس الولاياتالمتحدة الذي أصبح الجميع يعرفون بالفعل تعرجاته في قراراته" . ولم يجانب العسكري الإسرائيلي الصواب فيما يتعلق بمواقف ترامب المتضاربة والمتناقضة وغير المتوقعة، فبعدما كان يهدد بفتح أبواب جهنم على حماس إن لم تطلق سراح الأسرى، وصولا إلى الاجتماع بقادة من "حماس" من أجل مناقشة تمديد اتفاق وقف إطلاق النار، لا يمكن التكهن بخصوص مواقف ترامب في إدارة ملف المفاوضات ومستقبل غزة. بعض من الإجابات عن الأسئلة جاءت على لسان المتحدث باسم كتائب عز الدين القسام، الجناح المسلح لحركة "حماس"، عندما قال في كلمته أول أمس: "إن ما لم يأخذه العدو بالحرب لن يأخذه بالتهديدات والحيل، وإن أقصر الطرق للاستقرار في المنطقة هو لجم العدو وإلزامه بما وقع عليه". وقال أيضا: "إن التهديد بالعودة للحرب والقتال لن يدفع المقاومة سوى إلى كسر ما تبقى من هيبة مزعومة لجيش العدو". وأضاف: "إن المقاومة في حالة جهوزية تامة استعدادا للاحتمالات كافة". العالم اليوم بما في ذلك الولاياتالمتحدة يثقون في تصريحات أبوعبيدة ولا يثقون في شعارات نتنياهو لأنهم خبروا الطرفين، أي نتنياهو والمقاومة في غزة، حيث أوفت المقاومة بكل تعهداتها وقت الحرب ووقت "السلم"، في حين فشل نتنياهو في تحقيق كل شعاراته وقت الحرب وتملص من كل التزاماته وقت السلم.