انطفأت الشمعة ال29 لنهائيات كأس أمم إفريقيا التي أقيمت مؤخرا في بلاد العم مانديلا، ومعها أطلت نجمة ثالثة شهدت عليها سماء جوهانسبورغالجنوب إفريقية، كانت دليلا على تتويج «النسور الخضراء»النيجيرية بكأس طال انتظارها منذ أكثر من ثماني عشرة سنة، لكن لم يكن أحد يتوقع أن لاعبا ساهم في تحقيق آخر إنجاز سنة 1994 في دورة تونس، سيكون اليوم مهندس السيمفونية الثالثة للمنتخب النيجيري، ستيفان كيشي صخرة دفاع النسور السابق والمدرب الذي تألق معها اليوم. ثاني إفريقي يتوج كلاعب ثم كمدرب بالتاج القاري كانت التجربة التدريبية الثالثة ثابتة للمدرب ستيفان كيشي قاد خلالها منتخب بلاده ‘'النسور الممتازة'' إلى اللقب القاري الثالث في تاريخه بفوزه بلقب كأس الأمم الإفريقية 2013 في جنوب إفريقيا إثر تغلبه على بوركينافاسو 1-0 في المباراة النهائية، حيث حقق صاحب ال51 ربيعا إنجازا تاريخيا لم يسبق أن حققه سوى مدرب واحد هو المصري الراحل محمود الجوهري وذلك بتتويجه باللقب القاري كلاعب وكمدرب، وظفر كيشي باللقب عام 1994 عندما كان وقتها قائدا للنسور الممتازة، وكان اللقب الأخير لهم قبل إنجاز اليوم عندما ساهم في رفع النيجيريين للكأس للمرة الثانية بعد الأولى عام 1980. بداية صعبة في مجموعة لم تكن سهلة قبل أن نخوض في تفاصيل وكواليس هذا المدرب الطموح، ارتأينا تذكير قرائنا الكرام كيف كان طريق نجاح النسور خلال الدورة الأخيرة من «الكان»، وكانت قرعة نهائيات كأس إفريقيا للأمم قد أوقعت المنتخب النيجيري في مجموعة لم تكن في المتناول، لتواجد زامبيا حاملة اللقب، بوركينافاسو مفاجأة الدورة التي كانت الحصان الأسود أمام جميع المنتخبات التي واجهتها وأخيرا منتخب إثيوبيا الذي كان الجميع يتوقعه كبش فداء المجموعة الثالثة لكنه ظهر عنيدا لبقي الفرق، وكانت بداية النسور الخضراء متذبذبة لتعادلها أمام «الخيول» و»الرصاصات النحاسية»، ليدخل المنتخب النيجيري في ميزان الشك والحظ، وكان فوزه في اللقاء الأخير أمام أبناء الحبشة 2-0 وتعادل الزامبيين أمام رفقاء بيترويبا هدية لأكثر من 80 مليون نيجيري علقوا آمالا على المدرب كيشي وأشباله. تحدى كوت ديفوار في ربع النهائي وأكد للجميع: «إما نحن أم هم» تأهل ستيفان كيشي رفقة فريقه لدور الثمانية كثاني المجموعة الثالثة، ليواجه منتخب ساحل العاج صاحب المركز الأول من المجموعة الرابعة، وأكد كيشي قبل هذا اللقاء أنه يعي جيدا أنه سيواجه منتخبا مرشحا في هذه البطولة، ولأنه كان متأكدا من مستوى لاعبيه واجه وسائل الإعلام وأعلن تحديه لرفقاء دروغبا عندما صرح خلال مؤتمر صحفي أن كبرياء نيجيريا سيختبر أمام كوت ديفوار، حيث صرح «الملقب «بالبيغ بوس» في هذا الشأن:«مباراتنا المقبلة أمام الفريق المرشح للقب كوت ديفوار، إما نحن أو هم»،وأضاف: «ليس هناك خيار آخر لدي خطة في ذهني وسأحتاج للعمل عليها حتى أتيقن من أن كل شيء في مكانه، هذه مسألة بيني وبين لاعبي فريقي نحن فقط لأن كبرياء نيجيريا سيمتحن اليوم»، وكما كان الحال فازت نيجيريا أداء ونتيجة بواقع 2-1، لتقلب النسور النيجيرية الطاولة وترفض الانصياع لترشيحات المراهنين، ويظهر جليا أمام العيان ويكتشف المتتبعون واقعية نيجيريا ومدربها في هذه البطولة. نيجيريا صنفت كبطلة لهذه الدورة بعد الأداء المبهر في المربع الذهبي ظهر أشبال التقني النيجيري ستيفان كيشي بوجه مغاير خلال المباراة نصف النهائية أمام نظرائهم الماليين، في مواجهة أثبت فيها رفقاء القائد جون أوبي ميكيل علو كعبهم على رفقاء نجم برشلونة السابق سيدو كايتا، وكانت النتيجة التي آل إليها اللقاء في الأخير خير دليل، حيث انتهت بأكبر حصيلة من الأهداف التي سجلت في هذه الدورة بواقع أربعة أهداف مقابل هدف وحيد، وأجمع الحضور أن لمسة كيشي كانت واضحة في ذلك اللقاء خصوصا بعد اعتماده على تركيبة بشرية مكونة من لاعبين محليين ومحترفين خارج نيجيريا، ووفق في اختياراته، حيث عرف التقني النيجيري كيف ينفخ الروح في لاعبين أغلبهم من الشبان ناشطين بالبطولة المحلية وأعطاهم كامل الثقة التي جعلتهم يقهرون جميع منافسيهم مباراة بمباراة. فاز باللقب وأعلن استقالته احتجاجا على تقديرات الاتحاد النيجيري لم يكن أحد يتوقع أن ستيفان كيشي ومباشرة بعد نيل أغلى الألقاب الإفريقية يومين فقط، يقدم استقالته للاتحاد النيجيري لكرة القدم، حيث فضّل الاستقالة بعد ساعات من الإنجاز الإفريقي نتيجة الخلافات بينه وبين الاتحاد النيجيري وهذا احتجاجا منه لقيام ذات الهيئة بحجز تذاكر السفر قبل خوض فريقه مباراة الدور ربع النهائي أمام كوت ديفوار، وهو ما حز في قلبه كثيرا لأنه اعتبر تصرف المسؤولين في الاتحاد النيجيري تصويتا بعدم الثقة في «النسور» الذين حققوا الفوز على الأفيال 2-1 وتأهلوا لنصف النهائي عن جدارة واستحقاق، حيث أكد كيشي في حديثة لوسائل الإعلام الجنوب إفريقية في هذا الشأن:» فعلت ما أراه صحيحا من خلال الاستقالة، لقد بعثت خطاب الاستقالة إلى الاتحاد النيجيري بعد الفوز بالبطولة مباشرة». قربه من لاعبيه أبرز عوامل نجاح تجربته في كان 2013 لعل أبرز العوامل المساعدة والتي كانت في صالح الناخب المحلي للمنتخب النيجيري، هو كونه قريبا من جميع لاعبيه في فريقه، فمهما كان هذا الأخير محليا أو محترفا فإن كيشي كان يضعهم في مقام واحد، فمنذ تعيينه مدربا لنيجيريا خلفا لسامسون سياسيا المقال بعد عجزه في قيادة بلاده إلى نهائيات إفريقيا 2012، دخل كيشي في صراع مرير مع نجوم المنتخب خصوصا بيتر أوديموينغي وأوبافيمي مارتينز وأييغبيني ياكوبو قبل أن يستغني عن خدماتهم ما وضعه أمام انتقادات لاذعة من وسائل الإعلام المحلية. أحدث ثورة في تشكيلة النسور وكسب تأييدا محليا كبيرا مهندس النجمة الإفريقية الثالثة لنيجيريا على الأراضي الجنوب إفريقية، كان يعي جيدا أن النجومية التي يمتلكها بعض اللاعبين النيجيريين لن تكفي وحدها لإحداث الفارق، فقام بغربلة الفريق وأحدث ثورة في صفوف تشكيلة المدرب السابق للنسور، وسرعان ما كسب تأييد وتعاطف الإعلام النيجيري الذي لا يرحم، من خلال النتائج التي حققها مع اللاعبين الشباب، الذين لم يكن أحد يعلق عليهم آمالا للعب دور طلائعي في الدورة ال29 من «الكان» في جنوب إفريقيا، وذلك بفضل خبرته القيادية وتعويله على لاعبين شباب أمثال إيمانويل إيمينيكي (25 عاما) هداف البطولة برصيد أربعة أهداف، ونجم تشيلسي الإنجليزي فيكتور موزيس (22 عاما) الذي ساهم بشكل كبير في بلوغ النهائي خصوصا في المباراتين الحاسمتين أمام إثيوبيا (2-0) في الجولة الثالثة والأخيرة من الدور الأول، وأمام مالي (4/1) في دور الأربعة. دافع عن التقنيين المحليين في القارة السمراء من جانب آخر ومن خلال هذا الإنجاز التاريخي فإن ستيفان كيشي يكون قد دافع عن شرف المدربين الأفارقة وأعطى تصورا إيجابيا عنهم، المدربون الأفارقة لطالما كانوا يخوضون تحديات ضد نظرائهم الأجانب، لكن أبرز ما اكتشفناه خلال الدورة الأخيرة من كأس أمم إفريقيا هو السقوط الحر للتقنيين الأجانب مع المنتخبات المشاركة في هذه الدورة بطواقم فنية أجنبية، وإذا استثنينا مدربي المنتخب المالي والبوركنابي، فإن التقني النيجيري ومن خلال تدخلاته في عديد المناسبات في البطولة السابقة، كان دائما ينتقد الاتحاديات الوطنية بخصوص انتهاجها لسياسة الخبرة الأجنبية، حيث أعاب “البيغ بوس” الذي ظل في مختلف تصريحاته السابقة ينتقد خيارات بعض رؤساء الاتحاديات الكروية أن المدربين الأجانب القادمين من أوروبا يلهثون وراء الأموال فقط ولا تهمهم النتائج ولا شعور مناصري تلك المنتخبات التي يدربونها والتي تربطهم بها عقود ورقية فقط وليست معنوية كتلك التي تربط التقنيين المحليين ببلدانهم. درب مالي وأهل الطوغو إلى مونديال ألمانيا من قبل وجب التذكير بأن كيشي الملقب ب”القائد الكبير” خاض تجربتين تدريبيتين حتى الآن منذ اعتزاله اللعب عام 1997، وكانتا على رأس منتخبي الطوغو ومالي دون أن تتكلل بالنجاح في الكأس القارية على اعتبار أنه قاد الطوغو إلى إنجاز غير مسبوق عندما ساهم في بلوغها نهائيات كأس العالم للمرة الأولى في تاريخها عام 2006، لكنه لم يقدها في النهائيات العالمية وذلك لإقالته من منصبه عقب الخروج من الدور الأول في نسخة 2006 في مصر، وهو الإخفاق الذي عاشه مع مالي في نسخة 2010 في أنغولا. المشاركة في كأس القارات ستكون أفضل إنجاز في حال بقائه لاعب ستراسبورغ الفرنسي وأندرلخت البلجيكي السابق الذي كان النجم الأوحد في البطولة القارية بالنظر إلى غياب النجوم من اللاعبين أو على قلتهم كالعاجي ديديي دروغبا ومواطنه يحيى توري والطوغولي إيمانويل أديبايور والغاني أساموا جيان، حقق المعجزة في النسخة الحالية في جنوب إفريقيا كونه جعل من منتخب بلاده ماكنة رائعة لحصد الانتصارات وقاده إلى كأس القارات المقررة هذا العام في البرازيل على الرغم من قلة خبرة لاعبيه، وفي حال بقائه على رأس العارضة الفنية لل”نسور” سيكون أفضل إنجاز حققه التقني النيجيري، من جانب آخر. أهدى شعب بلاده الكأس الذهبية الغالية أفضل ذكرى تركها كيشي في نفوس محبي المنتخب النيجيري في الداخل والخارج، هو إهداؤه بكل تواضع الشعب النيجيري المعروف بولعه للساحرة المستديرة الكأس الذهبية الغالية، حيث صرح كيشي في هذا الشأن:''الحمد لله التتويج بلقب هذه البطولة هو في الأساس تتويج لشعبنا، عندما تسلمت المهمة قبل نحو عام، كان حلمي هو أن أجعل نيجيريا سعيدة وأن أصنع منتخبا قويا''، وأضاف :''لم نصل حتى الآن إلى أن نكون منتخبا قويا لأننا نحتاج إلى التحسن أكثر، لم تلعب نيجيريا المباراة النهائية للكأس القارية منذ فترة طويلة، والمرة الأخيرة كانت عام 2000 ووقتها كنت مساعدا لمدرب المنتخب، واليوم توجت باللقب وأنا مدرب، وأهدي اللقب إلى جميع المدربين النيجيريين الذين صلوا من أجل هذا المنتخب''.