يصبح الماء مع حلول فصل الصيف، من أكثر المواد التي يستهلكها الإنسان، فلا يمر أمامنا شخص في الشارع إلا ونرى بيده قارورة ماء، هي ضرورية لإطفاء العطش في الجو الحار الذي يعرفه الصيف، ولكن للذين نسوا إحضار قاروراتهم أو الذين لا يستطيعون اقتناءها، فكر أصحاب بعض المحلات وحتى البيوت والمساجد في توفير الماء لعابري السبيل، من خلال وضع براميل صغيرة أحيانا وكبيرة أحيانا أخرى مملوءة بالماء، إلى جانبها كأس أو كأسان تحت تصرف العطشى حتى يتسنى لهم إرواء عطشهم دون مقابل. في جولة استطلاعية قادتنا الى بعض شوارع العاصمة بغية معرفة رد فعل المواطنين تجاه هذه الظاهرة، لاحظنا أن الفكرة لقيت استحسانا كبيرا لدى الكثيرين على اختلاف شرائحهم ومستوياتهم الثقافية والاجتماعية، إلا أن الإقدام على شرب الماء ظل محصورا في فئة معينة وهي فئة الرجال دون النساء! فلماذا هذا النفور الأنثوي من استهلاتك هذا الماء رغم استحسان الفكرة؟
لا أشرب من كأس ابني فكيف لي من غيره على الرغم من أن جميع النساء اتفقن على الترحيب بفكرة توفر الماء في الشوارع، حتى يتسنى لكل عطشان أن يرتوي ،إلا أن إقدامهن على شرب الماء من هذه البراميل مرفوض تماما، من منطلق أنهن "يعفن" ذلك الكأس الذي يشرب منه الجميع، وفي هذا الخصوص تقول السيدة ربيعة (58 سنة) » أنا شخصيا لا أرفض شرب الماء الموجود داخل الإناء، ولكني لا أستعمل مطلقا كأس غيري، فقد تربينا وربينا أبناءنا على عدم استعمال أشياء الآخرين، لا سيما تلك التي تسعمل في الأكل أو الشرب، فإذا كنت لا أشرب من كأس شرب منه ابني، فكيف لي أن أشرب من كأس شرب منه شخص لا تربطني به أية صلة«. وإذا كانت السيدة ربيعة ترفض استعمال كأس غير ها، فإن الآنسة زهية ذات 36 سنة، ترفض شرب الماء الموجود داخل البراميل، لأنها لا تدري مصدره، إن كان معقما أم لا، ناهيك عن الخوف من الإصابة بالمرض نتيجة استعمال كأس واحدة من عديد الأشخاص، وتؤكد في هذا الشأن قائلة » من السهل الإصابة بالأمراض، لا سيما تلك التي تتنقل عن طريق اللعاب كالسل والزكام، إذن من الصعب معرفة إن كان من يشرب يتمتع بصحة جيدة أو أنه مصاب بمرض ما«.. لذا، فإن زهية لا تتوانى أبدا في حمل قارورة ماء داخل حقيبتها حتى لا تلجأ الى شرب ماء لا تثق في نظافته ونقائه.. من جهة أخرى توضح أن من يشرب من تلك الكأس يخلف نفسه داخلها، خاصة إن كان مدخنا، وهذه الصورة وحدها تجعل الإقدام على شرب الماء من نفس الكأس مسألة جد صعبة، بل ومستحيلة، فالصبر على العطش أهون على حد تعبيرها.
"اللي يدير الخير يكملو" السيدة آمال من جانبها، ترى بأن وضع برميل الماء لسقي العطشان يذكرها بالأيام الغابرة، حيث كانت هذه الأعمال الخيرة منتشرة بكثرة في العاصمة، إلا أنها تعيب على من يقوم بهذا العمل عدم إتقانه، وذلك بسبب عدم توفير الكؤوس ذات الاستعمال الفردي كالبلاستيكية أو الورقية عوض استعمال كأس واحدة جماعية، وتقول لمن أراد القيام بعمل فيه خير، لابد له أن ينجزه على أكمل وجه وإلا فلا داعي. وخلال وقوفنا عند أحد براميل الماء موضوع عند مدخل أحد المحلات، ظهر لنا جليا أن من يقوم بشرب الماء هم من الرجال فقط، وهو ما دفعنا إلى توجيه السؤال إلى البعض منهم، حول سبب عدم ترددهم في شرب الماء من هذه الأواني، فأكد لنا الجميع بأنهم لا يرون في الأمر أية مشكلة ولا يخافون من الإصابة بالمرض، من منطلق أن كل شيء قدر ومكتوب، فلو قدر لهم الإصابة بالمرض فإنهم وبكل بساطة سيمرضون، وعليه فهم يشربون الماء ويدعون لصاحب هذه المبادرة النبيلة بالخير، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة. ولإزالة الشكوك حول مصدر الماء وللإجابة على بعض الأسئلة، توجهنا الى أحد من المحلات الموجودة بالعاصمة ايضع صاحبه قارورة ماء مع مبرد تحت تصرف المارين، فأكد لنا أن فكرة وضع الماء مع حلول الصيف اعتاد عليها، ويقوم بها منذ ثلاث سنوات وهي فكرة الجد الذي أراد أن يتصدق بالماء، وحول النظافة ومصدر الماء يقول "كمال" » عندما قررنا وضع هذا الماء أردنا أن نقوم بخدمة إنسانية، وعليه كل صباح ننظف قارورة الماء بالصابون ونضع، بداخلها الماء من الحنفية، كما تقوم بتنظيف الكأس«.. وفي هذا الخصوص يكشف محدثنا أنهم في السابق كانوا يشترون الكؤوس البلاستيكية حتى يتسنى للجميع شرب الماء، وبالتالي عدم استعمال كأس الغير، إلا أن المواطنين تغيب لديهم أدنى الأخلاقيات، إذ عوض استعمال كأس واحدة فإنهم يأخذون معهم الكؤوس، وبالتالي تنفد الكمية بسرعة، وهو ما دفعنا إلى استعمال الكؤوس الحديدية«. من جهة أخرى، فإن الإقبال على شرب الماء كبير جدا، خاصة وأن الماء مبرد إذ في ظرف ثلاث ساعات كحد أقصى تنفد الكمية من القرورة، يضيف محدثنا. من جهتهم، كانت للعاملين بمكاتب الصحة في عدد من البلديات التي قمنا بزيارتها، آراء مختلفة حول الموضوع، فمنهم من أكد على أن وضع الماء داخل ما يسمى ب " الجيريكان" وبجانبها كأس بلاستيكية أو حديدية تعد من الظواهر غير المقبولة، خاصة للأطفال، فالإقدام على شرب الماء من نفس الكأس عامل ناقل للمرض، لاسيما أمراض السل، الأنفلونزا، الفطريات، في حين أكد البعض الآخر أن هذه الظاهرة رغم أنها من الناحية الصحية غير محبذة فإنه لا وجود لتعليمة تمنع انتشارها، لذا تقوم مكاتب الصحة التابعة للبلديات في إطار نشاطها التحسيسي لحماية المواطنين من مختلف الأمراض، بتحذير من يقومون بتوفير الماء للمارين من خطورة عدم تعقيم الماء.