لا يستطيع المشاهد أن ينسى نظرات الراحل محمد زينات الثاقبة والمشحونة بالغضب ضد أحد المظليين الفرسيين الذي تفنن في تعذيبه وإذلاله، كان زينات يصوب عينيه السوداوين ضد هذا الجندي الذي قابله صدفة في أحد مطاعم العاصمة مباشرة بعد الاستقلال. محمد زينات الفنان الذي نادرا ما أطل على جمهوره لكنه حاضر في ذاكرة الفن والتاريخ بمساحة لا يشاركه فيها أحد. ولد الراحل زينات محمد في 16 جانفي سنة 1932 بالقصبة، فتح عينيه على المسرح وهو في سن التاسعة ليصبح بعدها ب 5 سنوات مشرفا على فرقة مسرحية ضمن فوج الكشافة "المنار الجزائري". في سنة 1947 قام زينات بدور مميز بقاعة فاغرام بباريس ضمن مسرحية "الرجل البرجوازي" لمواليير ثم اقتبسها الى العربية، كما مثل في مسرحية "الجثة المطوقة" لكاتب ياسين وتقمص فيها شخصية "لخضر" وهذا اثناء التحاقه بالفرقة الفنية لةبهة التحرير. حول الراحل زينات الى تونس وهو جريح اذ كان ضابطا في جيش التحرير الوطني، لينخرط مباشرة في الفرقة الفنية للجبهة التي كان مقرها العاصمة تونس. تحصل زينات وهو في 15 من العمر على شهادة الاهلية الفرنسية في الوقت الذي كان التعليم حكرا على أبناء المعمرين وأعوانهم. تمكن في مرحلة أولى من تنمية معلوماته المسرحية بفضل الفترة التربصية التي قضاها في "بيرليز انساميل" بألمانيا لمدة سنة كاملة، كما انتهز فرصة وجوده في تونس ليسجل نفسه مرة أخرى لفترة تربصه في مدينة ميونيخ بألمانيا في "كامر سبيل" عام 1961، وأثناء اقامته هناك استطاع أن يكوِّن فرقة مسرحية مع الطلبة الجزائريين حيث قدموا عروضا في قالب فكاهي بألمانيا. كما قام الراحل بزيارة البلدان الاسكندنافية مع فرقة "جام ماري سيرو" الذي وظفه في باريس حيث شارك في مسرحية "لي بون" (الخدمات) لجان ججيني وتمثيله "كونمان سان ديباراسي.. (كيف نتخلص منهم لأوجين ينسكو). بعد الاستقلال بسنتين خاض الراحل التجربة السينمائية في الجزائر، فهو أحد مؤسسي شركة الانتاج "قصبة فيلم" التي اشتغل فيها حوالي 8 سنوات، كان مساعدا للمخرج اينيولور انزيني" في فيلم "الايدي الحرة" ومع المخرج الايطالي "جيلوبونتي كورفو" في فيلم " معركة الجزائر" الذي نال شهرة عالمية. اقتبس زينات للسينما تمثيله هزلية عنوانها "تيبلكوشين" كان قدمها مع أصدقائه ففي الثانوية عام 1953 لكنها بقيت حبرا على ورق، واقترح مشروعا آخر بعنوان " فوضى الجزائر". عام 1971 أخرج فيلمه الأول والمطول "تحيا ياديدو" الذي قام فيه بدور البطولة، أنجزه بوسائل جد ضعيفة وقدم فيه لوحة حقيقية سجل فيها الحياة اليومية للجزائري، مستغلا فيه موسيقى الراحل العنقي وقصائد حيمود ابراهيمي المدعو "مومو" تحيا ياديدو" كان في بدايته فيلما وثائقيا ثم حول الى فيلم مطول، وقد قلب موازين السينما الجزائرية في ذلك الوقت، والفضل في ذلك يرجع آلى السيناريو الذي كتبه محمد زينات ولم يتم تسويقه إلّا سنة 1975. من مميزات هذا الفيلم أنه يعالج مسيرة التقدم الذي تبناها الشعب بعد الاستقلال بعيدا عن تدخل المستعمر. اضطر زينات للعيش في المنفى، فتوجه الى فرنسا حيث اشتغل مملا ومساعدا "لروني فوتي" في فيلم "ترواكوزان موناقامبي" لسارة مازدورو"، و"دوبون لاجوا" لايف بواسي، و"لي بونيل" لدانيال هويمان و"روبير روبير" لكلود للوش و"ولا في دوفان سوا" لموشي ميواي. زينات متزوج وأب للطفل اسماعيل كان عاطلا عن العمل واضطر لبيع الجرائد كما كان يعد الكلمات المتقاطعة في مجلة "الجزائري في أروبا". عانى زينات من المنفى رغم قوة شخصيته ومما زاد في ألمه هو مكوثه عبر العديد من مستشفيات باريس منذ عام 1976. أصيب بمرض في مخه فزدادت حالته الصحية سوءا ليلفظ أنفاسه الاخيرة في 10 أفريل سنة 1995 بباريس على اثر نوبة قلبية. تميزت حياته بالعطاء الفني وبالبؤس، ولتكون معاناته هذه محط اهتمام الباحثين والمؤرخين ورجال الاعلام، اذ خصصت له التلفزة الوطنية في بداية عام 1992 حصه خاصة في إطار السلسلة الوثائقية "الكاميرا تحقق وتكشف". كما خصص له خالفة بن عيسى كتابا بعنوان "ستعيش يازينات" دار النشر "أرماثان" 1990 كما تحمل اسمه قاعة سينما برياض الفتح. في لقائه مع "المساء" أكد الباحث الموسيقي عبد القادر بن دعماش أن الدولة الجزائرية حرصت على التكفل بهذا الفنان العملاق من خلال التكفل بمصاريف علاجه بباريس الى حين وفاته وقد قام هو شخصيا ببارريس باجراءات هذا التكفل المادي والمعنوي بشهادة الراحل كاتب ياسين الذ ي التقاه بن دعماش في باريس عند زيارته لزينات بالمستشفى، علما أن فرنسا أردت التكفل بتكاليف علاجه لكن تاريخ زينات ووفائه لبلده الجزائر يمنع مثل هذه الاعانات التي تعني التسول ولا تليق بتاريخ هذا المناضل الكبير.