لم يكتب للهدنة التي تم التوصل إليها مساء أول أمس، وانهارت بنفس السرعة التي تم إقرارها بها بعد أن كان ينتظر سريان مفعولها بداية من صباح أمس في قطاع غزة.وتعهد الوزير الأول الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، بمواصلة الغارات الجوية على قطاع غزة لتدمير الأنفاق السرية سواء تم التوصل الى اتفاق لوقف إطلاق النار أم لم يتوصل إليه. وكان وزير الخارجية الامريكي جون كيري، والأمين العام الاممي بان كي مون، أعلنا بالتزامن، الأول بالعاصمة الهندية نيو دلهي والثاني بمقر الأممالمتحدة بنيويورك، عن هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أيام وعبّرا عن أملهما في أن تستمر لأطول مدة قبل الإعلان عن انهيارها. وزعم جون كيري، أن وقف إطلاق النار مهم للسكان المدنيين قبل أن تخيب إسرائيل كل الآمال وقررت مواصلة غاراتها الجوية وقصفها المدفعي على مساكن المواطنين الفلسطينيين في قطاع غزة، مخلّفة مزيدا من الشهداء في مجزرة عجز العالم والقوى الكبرى تحديدا عن وقفها. وارتفعت حصيلة الغارات التي تتواصل على قطاع غزة للأسبوع الرابع على التوالي الى 1600 شهيد، وقرابة ثمانية آلاف مصاب في أبشع عملية تقتيل جماعي بقيت المجموعة الدولية صامتة إزاءها.وأكد جيش الاحتلال أمس، انه لن يلتزم بوقف إطلاق النار وواصل تقتيله للأطفال الفلسطينيين بدعوى تمكن المقاومة الإسلامية من أسر أحد الجنود في جنوب قطاع غزة في أول سابقة من نوعها منذ بدء العدوان الإسرائيلي، وشكلت صدمة قوية للحكومة وقيادة جيش الاحتلال. ولم تنتظر قوات الاحتلال سوى ساعات لتنتقم لعملية أسر هذا الجندي بشن أعنف قصف على مدينة رفح خلف استشهاد 50 فلسطينيا وإصابة 250 آخرين لم تتمكن مستشفيات المدينة من استيعابهم أو حتى تقديم الإسعافات الأولية لهم بسبب ندرة الأدوية ومستلزمات التطبيب الأساسية. وارتفعت حصيلة الشهداء الفلسطينيين بهذه الجريمة الجديدة إلى 1564 وأكثر من 8000 جريح، بعد استشهاد 89 فلسطينيا قبل عملية القصف على مدينة رفح في غارات جوية ضربت مدن غزة وخان يونس، في وقت انتشلت فيه فرق الإسعاف جثامين 28 شهيدا في كل من غزة ورفح وخان يونس وبيت لاهيا. والمفارقة في منطق الاحتلال أن أسر جندي واحد من جيش الاحتلال كاف لأن يعصف بالهدنة الوهمية مع أن قوات الاحتلال تقتل يوميا بمعدل مائة شهيد ومئات المصابين دون حديث عن درجة الدمار التي تلحق بالمباني والمنشآت والمساجد والمستشفيات الفلسطينية. وشكل اختطاف هذا الجندي في عملية جريئة ونوعية لمجاهدي سرايا القدس، الجناح المسلح لحركة الجهاد الإسلامي في مدينة رفح ضربة قوية للاحتلال الذي استذكر مسلسل اختطاف الجندي جلعاد شاليط، الذي بقي رهن الأسر لمدة ست سنوات. وأكد بيان لجيش الاحتلال أن وحدة من وحداته فقدت جنديا عندما كانت بصدد تدمير نفق أرضي بين قطاع غزة والخطوط الخلفية للجيش الإسرائيلي وهو ما اعتبرته قيادة القوات الإسرائيلية بأنه انتهاك للهدنة ساعات بعد إقرارها. وبنفس المنطق المعكوس اعتبرت حكومة الاحتلال تدمير النفق وقتل من فيه لا يعد خرقا بينما يعد أسر الجندي الإسرائيلي خرقا يعطيها الحق في عدم الالتزام بهذه الهدنة. والواقع أن حكومة الاحتلال وجدت في الحادثة مجرد ذريعة لعدم الالتزام بهذه الهدنة على اعتبار أنها كانت ستنتهكها سواء أسر الجندي أم لم يؤسر، من منطلق أن خيانة العهد والانقلاب عليه هو ديدنها وجوهر عقيدة اليهود منذ الأزل. وفنّد موسى أبو مرزوق، العضو القيادي في حركة حماس المقيم بالقاهرة الرواية الإسرائيلية، وقال إن العملية الجهادية نفذت قبل دخول الهدنة حيز السريان وهو ما يطعن في تأكيدات جيش الاحتلال الذي ربما لم يكن يتوقع أن يقع الجندي رهن الأسر لما لذلك من تأثير سلبي على معنويات كل المجتمع الإسرائيلي الذي يقبل أن يقتل جنوده على أن يؤسر واحد من طرف المقاومة الفلسطينية. ولكن حكومة الاحتلال أصرت على تحميل حركة المقاومة الإسلامية مسؤولية انهيار الهدنة الإنسانية بمنطق "حلال عليّ حرام عليك"، وتعهدت برد قوي في الساعات القادمة ضد السكان المدنيين بعد أن عجزت عن تحييد مقاتلي المقاومة الذين واصلوا عملياتهم القتالية النوعية أمام خطوط العدو الأمامية. وراحت إسرائيل لتقديم شكوى للسلطات المصرية التي كانت تتأهب لاحتضان اجتماع إسرائيلي فلسطيني بالعاصمة القاهرة التي ألغت الاجتماع بعد أن أبلغتها حكومة الاحتلال بأسر جنديها. ولكن الرئيس محمود عباس أكد أمس، أن الوفد الفلسطيني المشارك سيتوجه اليوم السبت الى القاهرة مهما كانت الظروف لإجراء محادثات مع المسؤولين المصريين حول وقف إطلاق النار، وسيكون مكونا من 12 عضوا من حركات فتح وحماس والجهاد الإسلامي.