أبدت السلطات السورية في موقف مفاجئ استعدادها التعاون مع الدول الغربية، بما فيها الولاياتالمتحدة وبريطانيا لمحاربة مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" الذي أصبح مشكلة مستعصية الحل في كل منطقة الشرق الأوسط. وأكد وزير الخارجية السوري وليد المعلم، في أول تصريحاته القليلة جدا منذ عدة أشهر أن دمشق مستعدة لإقامة تعاون وتنسيق إقليمي ودولي لمحاربة الإرهاب في إطار اللائحة الأممية 2170 حتى مع الولاياتالمتحدة وبريطانيا وقال "مرحبا بهما". وكان المعلم يشير الى اللائحة التي صادق عليها مجلس الأمن الدولي، منتصف الشهر الجاري بإجماع أعضائه جرّم من خلالها تجنيد وتمويل تنظيم الدولة الإسلامية في سورياوالعراق، في إطار الفصل السابع لميثاق الأممالمتحدة الذي يبيح استعمال القوة ضد هذا التنظيم. ولكن رئيس الدبلوماسية السوري شدد التأكيد على أن أية عملية عسكرية جوية ضد مقاتلي "الدولة الإسلامية" يجب أن تحظى بموافقة سوريا، وإلا اعتبر بمثابة اعتداء على سيادتها وهي رسالة تحذير باتجاه الولاياتالمتحدة التي أكدت مساء الجمعة، أنها لا تستبعد القيام بضربات جوية داخل العمق السوري ضد مواقع التنظيم المسلح. وإذا أخذنا بمثل هذه المواقف فهل ستكون الدولة الإسلامية سببا في إعادة الدفء الى علاقات سورية أمريكية مصابة ببرد "سيبيري" بعد القطيعة التي عرفتها منذ نشوب الحرب الأهلية في سوريا قبل أكثر من ثلاث سنوات؟ ويبدو الموقف صعبا من الوهلة الأولى وتقبّله يبدو أصعب بالنظر الى الترسبات التي تركها تشنج العلاقة بين دمشق وواشنطن، وكل الدول الغربية على خلفية الحرب الأهلية في سوريا ورفض الرئيس السوري بشار الأسد التنحي من منصبه. ولكن سيادة المصالح وغلبة المنطق البراغماتي لدى الجانبين قد يجعل من هذا المستحيل ممكنا مادام كل طرف سيجد ضالته في التقارب المفروض ولو ظرفيا. ولكن سيكون لكل طرف منهما هدف محدد، فالولاياتالمتحدة ستكون اكبر المستفيدين على اعتبار أنها ستجد في السلطات السورية سندا غير مباشر في جبهة قتال فتحتها في الشرق الأوسط، حتى وان كانت بالوكالة بينما ستجد سوريا في هذا التقارب منفذا للعودة الى الساحة الدولية وطرفا لا يمكن القفز عليه في أية ترتيبات سياسية وأمنية في المنطقة. وإذا قبلت الولاياتالمتحدة بدعوة وليد المعلم، فإن ذلك سيكون بمثابة مكسب حققته الدبلوماسية السورية في ظل الحصار الدولي المفروض عليها بسبب الحرب الأهلية التي تخوضها ضد المعارضين لها. وإذا سلمنا بهذه المقاربة فإن ذلك يجعل من المثل القائل "رب ضارة نافعة" أو "عدو العدو صديق" ينطبق على العرض السوري باتجاه الولاياتالمتحدة، وإمكانية غض الطرف ليكون تنظيم "الدولة الإسلامية" سببا لالتقاء المصالح الأمريكية السورية التي كانت تبدو مستحيلة قبل ظهور هذا التنظيم المتطرف الى المشهد الأمني في العراقوسوريا. والمؤكد أن الولاياتالمتحدة التي ألقت بكل ثقلها العسكري في العراق للحد من زحف مقاتلي الدولة الإسلامية، لن تترك العرض السوري يمر هكذا "أمام أنفها" دون استغلاله وستتفاعل معه بالكيفية التي يجعلها تحفظ ماء الوجه في معركة جديدة، النجاح فيها لن يكتمل ما لم يتم القضاء على مقاتلي هذا التنظيم حتى في داخل العمق السوري. ولكن وزير الخارجية حدد إطار هذا التعاون عندما أمسك الولاياتالمتحدة من اليد التي تؤلمها عسكريا، عندما أكد أن الضربات الجوية لن تفضي الى أية نتيجة عملية ما لم تتبع بعمل ميداني محكم التنسيق. وهي رسالة إلى الإدارة الأمريكية انه بدوننا فإن جهدكم سيذهب هباء منثورا ولا جدوى منه مادامت نتائج الضربات الجوية ستكون محدودة المفعول، فهي إن أثرت على قوة جبهة النصرة والدولة الإسلامية إلا أنها لن تكون كافية للقول إننا تمكنا من القضاء عليها.