كما كان متوقعا انتهت الندوة الدولية "حول السلم والأمن" في العراق، التي دعت إليها فرنسا أمس، الى اتخاذ قرارات دعم للسلطات العراقية وفق مقاربة "دعم بكل الوسائل الضرورية " بما فيها العسكرية لضرب تنظيم "الدولة الإسلامية" وفي أقرب الآجال. وبرر ممثلو الدول الثلاثين الذين شاركوا في أشغال "ندوة باريس" قرار الإجماع الذي صادقوا عليه بتهديدات الدولة الإسلامية التي تعدت حدود العراق، الى كل المجموعة الدولية بما يستدعي تقديم مساعدات عسكرية كافية للحكومة العراقية، ولكن شريطة "احترام القانون الدولي وأمن المدنيين". وابتهج وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، بهذا الانجاز الدبلوماسي الكبير في ندوة جمعت كما قال بين "الخطورة والأمل" على اعتبار أن كل المشاركين اتفقوا حول عبارة "لقد قررنا محاربة داعش". والواقع أن هذه الندوة لم تأت بشيء خارق للعادة على اعتبار أن المشاركين فيها توجهوا الى العاصمة الفرنسية بقناعة اتخاذ قرارات في هذا الاتجاه ولم يكن بينهم صوت نشاز يقول "لا" لعملية التدخل في شؤون دولة ذات سيادة. بل إن التحركات "العملية" بدأت قبل انعقاد الندوة بوصول وزير الدفاع الفرنسي جون ايف لودريان، الى الإمارات العربية المتحدة قبل انعقاد لقاء باريس شكل خطوة أولى لتمهيد الأرضية لبداية العملية العسكرية. وقال الرئيس الفرنسي، الذي أراد أن يظهر بمظهر الراعي الأول لعملية التدخل العسكري في العراق، بضرورة الإسراع في القيام بالتدخل وفي حال تأخر فإن ذلك يعني أن الدولة الإسلامية ستحتل مزيدا من الأراضي العراقية. وشكل إقلاع أولى طائرات "رافال" الفرنسية من قاعدة الظفرة الإماراتية في جنوب العاصمة أبوظبي، للقيام بعمليات استطلاع في الأجواء العراقية لتحديد مواقع "الدولة الإسلامية" تكملة لعمليات أمريكية مماثلة شرعت فيها قبل شهر ومكنت من وقف زحف عناصر هذا التنظيم باتجاه العاصمة بغداد. وتأكد أن فرنسا التي تحتفظ بقوة من 750 عسكري وترسانة حربية جوية وبحرية ستستخدم هذه القاعدة المشتركة مع القوات الإماراتية للقيام بمهمات عسكرية في العراق والعودة إليها. وألقت فرنسا بثقلها العسكري في معادلة محاربة "الدولة الإسلامية" بما يعكس تصريحات الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، ووزيره للدفاع اللذين جعلا من التدخل العسكري في العراق قضية استراتيجية بعد ان اعتبر الأول أمن العراق من أمن فرنسا، بينما اعتبر الثاني منطقة الخليج وكل منطقة الشرق الأوسط أولوية استراتيجية في الحسابات الفرنسية. وإذا كان الحاضرون في ندوة العاصمة الفرنسية ركزوا تدخلاتهم على خطر الدولة الإسلامية على العراق، فإنهم تعمدوا تجاهل هذا الخطر على سوريا رغم قناعتهم أن ضرب معاقل التنظيم في الدولة الأولى لا يعني شيئا إذا تم استثناء معاقله في سوريا، إذا سلمنا بما تردد أن هذا التنظيم بسط سيطرته على 25 بالمئة من الأراضي السورية ومن منطلق أن التنظيم يكمل بعضه بعضا في سورياوالعراق. ويبدو أن الولاياتالمتحدة، وجدت حرجا كبيرا في إقناع حلفائها بإضافة سوريا إلى نطاق ضرباتها الجوية بما يعني موافقة مبدئية من سلطاتها، وان كل تدخل دون الحصول على ضوء اخضر من دمشق سيتحول الى انتهاك لسيادة دولة مستقلة في تعارض صارخ مع القوانين الدولية. وهو ما أكدت عليه بثينة شعبان، مستشارة الرئيس بشار الأسد، عندما أكدت أمس، أن بلادها تعاني من الإرهاب منذ أربع سنوات ويتعين إشراكها في محاربته ولكنها خطوة لم تتجرأ الولاياتالمتحدة على الإقرار بها، رغم أنها مقتنعة أن سوريا تبقى حلقة هامة في إنجاح عملية القضاء على "داعش" وبدونها سينهار المشروع من أساسه.