كشف وزير المجاهدين السيد الطيب زيتوني أن الأولوية بالنسبة للوزارة في الوقت الراهن ومستقبلا، هي كتابة التاريخ، واسترجاع ذاكرة الأمة، مشيرا إلى توفير كل الإمكانات على مستوى القطر الوطني لجمع شهادات المجاهدين، معترفا في هذا السياق، بأن العملية شابها تأخر يجب تداركه. كما أكد في حوار ل"المساء" بمناسبة إحياء ستينية ثورة التحرير المجيدة، فتح ملف ضحايا الثامن ماي 45 على مستوى الوزارة، للبحث عن الصيغة القانونية للاعتراف بهم. وأكد أن أفضل رد على تقاعس الفرنسيين في الاعتراف بجرائمهم الاستدمارية، هو إبراز معاناة وكفاح الشعب الجزائري للعيان في الداخل والخارج، مشددا على ضرورة استخدام كل الوسائل للقيام بذلك. المساء: نحتفل هذه السنة بالذكرى الستين لثورة التحرير المجيدة، ما هي المعاني التي يحملها لكم نوفمبر؟ وزير المجاهدين: أولا، أشكركم على زيارتكم الوزارة واعتنائكم بالتاريخ، وهذا يدل على أن روح نوفمبر مازالت تعيش في شبابنا وشيوخنا ونسائنا ورجالنا، وهو ما يزيدنا قوة وإرادة، ويعطينا شحنة جديدة في عملنا اليومي. أما بالنسبة لنوفمبر فإنه يعني لي الكثير؛ لأنه أولا وقبل كل شيء، "الجزائر"، نوفمبر هو كذلك "الحرية"، وهو "الوفاء"، وهو "التضحية" و"الإخلاص لشهدائنا الأبرار". ^ ستون سنة تمر على الثورة التحريرية ومازال العديد من الملفات مطروحا وعالقا في الذاكرة التي تميّز التاريخ المشترك للجزائر وفرنسا، وعلى رأسها اعتراف فرنسا بجرائمها في الجزائر. ماذا تقولون في هذا الشأن؟ ^^ أقولها صراحة: إن أحسن جواب لفرنسا بهذا الشأن هو الاعتناء بتاريخنا وإظهار جرائم الاستدمار. ولا نقصد بهذا أن نكون أعداء لفرنسا؛ فلدينا علاقات معها، ولدينا أبناؤنا المغتربون في فرنسا. كما إن بعض الفرنسيين شاركوا في الثورة الجزائرية، وتجمعنا علاقات اقتصادية وتجارية واجتماعية بها، لكن فيما يخص التاريخ نحن نختلف مع فرنسا كل الاختلاف. ولذا أقول إنه أوّلا يجب أن نُظهر للجميع في الجزائر وكل العالم ولا سيما للأجيال الصاعدة والشباب، أن الاستقلال لم يكن هبة من أحد، بل جاء بتضحيات جسام قدّمها الشهداء والمجاهدون والشعب بأكمله. نحن لم نعتدِ بل اعتُدي علينا، وفرنسا هي التي احتلت الجزائر، ولم تكتف بذلك، بل لجأت إلى التدمير والتشريد والتقتيل والاغتصاب... لا يجب أن ننسى أن الجزائريين كانوا في عهد الاستدمار الفرنسي أقل درجة من الحيوانات!... ولأنهم بطبعهم لا يقبلون الظلم و"الحقرة"، قرروا، بقيادة رجال أبطال، التضحية بأنفسهم من أجل الجزائر. يجب أن يعرف الشعب لاسيما الشباب، أن الشهداء والمجاهدين قاموا بثورة شعبية زعيمها الشعب، بعزيمة وبوسائل بسيطة من أجل كسر شوكة الاستدمار لأجل الجزائر، والجزائر فقط. إذاً الرد هو إظهار معاناة الشعب الجزائري؛ ولهذا يجب أن نعتني بتاريخنا ونمجّد شهداءنا ونمجد تراثنا المرتبط بالثورة، والذي يجب أن يعرفه العام والخاص والكبير والصغير... إن الجزائر قوية برجالها؛ فلم يترك الشهداء والمجاهدون شبرا واحدا من دون أن يحافظوا عليه. فالجواب للفرنسيين أننا من خلال الذكرى الستين للثورة التحريرية، سنُبرز تضحيات الشعب الجزائري ومعاناته، سنشجّع الكتّاب والمؤرخين والأساتذة عبر كل الوسائل للقيام بذلك، وسنبلّغ هذه الرسالة جيلا على جيل حتى يأتي جيل جديد في فرنسا ويخجل ويستحي مما فعله أسلافه في الجزائر. هذه هي الرسالة الوحيدة... وسيأتي يوم طال الدهر أم قصر تعترف فيه فرنسا بجرائمها وتعتذر للجزائريين.. هذا لا مفر منه. ^ ولأنكم تعوّلون على كتابة التاريخ لإبراز معاناة الجزائريين للعيان، أين وصل برنامج الوزارة لجمع شهادات صانعي ثورة التحرير؟ ^^ إن شغلنا الشاغل في الوزارة حاليا هو جمع الشهادات؛ لقد وفّرنا الوسائل السمعية البصرية، ولدينا اتفاقية مع وزارة الاتصال والمديرية العامة للإذاعة الوطنية. هناك تسجيلات تتم على المستوى الوطني، وهناك مسح شامل لكل مراكز التعذيب والمواقع التي عرفت استشهاد الأبطال والعمليات الفدائية عبر كل البلديات والقرى لإحصائها. هناك كذلك تشجيع للمبادرات على المستوى المحلي لكتابة التاريخ وجمع الشهادات، وفّرنا الوسائل لكل الولايات، وأعطينا على مستوى متاحفنا الصلاحيات لفتحها خارج التوقيت الإداري.. أسّسنا كذلك على مستوى كل متحف، مجلسا علميا يضم أساتذة وباحثين وطلبة، كما أسّسنا لجانا للتحكيم في المسابقات على مستوى المدارس، ووقّعنا اتفاقيات على المستوى المحلي بين مديريات المجاهدين ومديريات التربية والثقافة والشؤون الدينية والشباب، لتفعيل عمل المتاحف على مستوى الولايات؛ إذ نريد أن تؤدي المتاحف دورها الحقيقي، وأن تفتح أبوابها للباحثين عبر ما توفره لهم من إصدارات ووسائل سمعية بصرية، كما نريدها أن تكون فضاء للشباب من أجل الاطّلاع على تاريخهم. ^ في هذا السياق، نعلم أن تدريس مادة التاريخ مازال يخضع لطرق كلاسيكية؛ مما قد يقلّل من الإقبال عليها من طرف الشباب، هل فكرت الوزارة في طرق وتقنيات جديدة لتلقين هذه المادة؟ ^^ هذا سؤال وجيه. لاحظتم أننا في 11 أكتوبر الماضي دشنا معرضا للذاكرة يروي مراحل التاريخ الجزائري من 1830 إلى 5 جويلية 1962 عبر وسائل سمعية بصرية، بتكنولوجيا عالية. ونحن بصدد تعميم هذا المشروع على المستوى الوطني، لكن الأمر يتطلب وسائل مالية ودراسة على مستوى كل ولاية. حاليا، يوجد مشروع معرض الذاكرة في قسنطينة في أولى مراحل إنجازه، ويُتوقع أن يكون جاهزا تزامنا وتظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية. وفي وهران، تم إعداد دفتر الشروط، فيما نحن في مرحلة اختيار الأرضية بورقلة. وكلما توفرت الشروط الضرورية نفتتح معرضا في باقي الولايات. ^ من القضايا التي تُطرح عند الحديث عن الذاكرة مسألة استرجاع الأرشيف الجزائري المتواجد بفرنسا؛ إلى أين وصلت الأمور؟ ^^ يجب قول إن أغلبية الأرشيف الجزائري موجود في أرشيفنا الوطني، وهناك اتفاقية مبدئية بين الأخير والأرشيف الفرنسي لجلب الأرشيف الجزائري، لكن ذلك يتطلب تقنيات وأخصائيين. نحن نعمل مع المدير العام للأرشيف لتوفير التقنيين والخبراء في هذا المجال، كما لدينا أرشيف في بلدان أخرى، لكن أعود وأقول إن ما يوجد في الأرشيف الوطني يكفي لمعرفة التاريخ الجزائري. ^ ثقافيا، لاحظنا أن الإنتاج السينمائي المتعلق بالثورة عرف تراجعا من حيث الكم والنوعية مقارنة بما تم إنتاجه في السنوات الأولى من الاستقلال، ما هي الأسباب حسب رأيكم؟ ^^ يجب أن نعلم أن هناك برنامجا على مستوى الوزارة لتشجيع إنتاج أفلام ثورية. وأعلن بالمناسبة أن فيلم "كريم بلقاسم" سيكون جاهزا في أول نوفمبر، وهو يوجد حاليا في مرحلة التحميض والتركيب بالخارج، مثله مثل الفيلم الذي يجسد شخصية "العقيد لطفي"، الذي سيكون جاهزا أواخر نوفمبر، وفي الأيام القليلة القادمة سنبدأ تصوير فيلم "العربي بن مهيدي". صراحة، أوافق الرأي القائل بأننا لم ننتج أفلاما بنفس مستوى "معركة الجزائر" أو "ريح الأوراس" أو "ديسمبر"... ولكن نسعى من خلال ما هو متاح، لإعطاء دفع لهذا المجال، ومن هنا أؤكد أن أبواب الوزارة مفتوحة لكل المنتجين والمخرجين والكتّاب، لعرض اقتراحاتهم التي سنسعى لتدعيمها. ^ هل تفكرون في إنشاء قناة تلفزيونة خاصة بالتاريخ؟ ^^ صراحة، التفكير موجود، لكن المستقبل هو الذي سيحدد ذلك... لأنه لا يجب أن يظن البعض أن إنشاء قناة أمر بسيط.. لا بد من نضج الفكرة حتى تدوم؛ لا بد إذاً من تحضير ملف مدروس جيدا من قِبل متخصصين، ومتابعته، ولكن الفكرة موجودة. ^ وماذا عن الإصدارات الجديدة؟ ^^ ما يوجد في متحف المجاهد ومركز الدراسات والبحث في تاريخ الثورة التحريرية يُعد كنزا حقيقيا يمكن استغلاله كما ينبغي. كما سنطبع بعض الإصدارات بمناسبة الذكرى الستين لثورة نوفمبر المجيدة، بعضها جديد والبعض الآخر قديم، لكن هذه المرة سيتم إصدارها باللغات العربية والأمازيغية والفرنسية والإنجليزية. ^ ضحايا التفجيرات النووية التي قامت بها فرنسا في الصحراء الجزائرية ملف شائك وكبير، كيف تنوي وزارة المجاهدين التعاطي معه؟ ^^ لا بد من معرفة شيء؛ وهو أنه إلى حد الآن فرنسا تبقى هي فرنسا. بالنسبة لملف التجارب النووية يمكن ملاحظة أنه بدأ الحديث عنه بفرنسا في السنوات الأخيرة، وكما هو واضح، فالملف عرف تطورات؛ المؤرخون يكتبون، والسياسيون يتحدثون، والكتب تصدر... و«ما ضاع حق وراءه طالب"... أنا أقول شيئا.. إن الجزائر لا يمكنها أن تفرّط في أبنائها؛ لا أمس ولا اليوم ولا غدا... ولن نضيّع حقنا بالنسبة للتاريخ لا اليوم ولا غدا... ولا نستطيع التنازل عن تاريخنا أو ننسى ما فعله الاستدمار الفرنسي في الجزائر. ^ هناك مطالب بالاعتراف بضحايا 08 ماي 1945، كيف تنظرون إلى هذه القضية؟ ^^ أقول إن ضحايا هذه الأحداث معترف بهم شرعا، وتبقى القضية القانونية الإدارية مطروحة، ونحن بصدد البحث عن الصيغة القانونية التي تسمح، بل هذا هو الإشكال، لكن أؤكد أن هؤلاء الضحايا هم شهداء معترف بهم، والملف مفتوح على مستوى وزارة المجاهدين، وسنجد الحل المناسب؛ لأنهم جزء من التاريخ الجزائري، الذي لا يمكن نسيانه أو طي صفحته. ^ كيف تنظرون إلى مهمة دائرتكم الوزارية اليوم؟ وما هي الأبعاد التي تعتزمون إضافتها لهذه المهمة؟ ^^ إن برنامج وزارة المجاهدين منبثق من برنامج الحكومة، ومخططها منبثق من برنامج رئيس الجمهورية المجاهد عبد العزيز بوتفليقة. وبالنسبة لنا فلدينا محوران، الأول يتعلق بتحسين الوضعية النفسية والاجتماعية والصحية للمجاهدين وذوي الحقوق... والثاني خاص بتعزيز وتدعيم الذاكرة الوطنية وتبليغها للأجيال. والمحور الأخير سيكون من الأولويات بالنسبة لنا مستقبلا؛ لأنه يجب الاعتراف بأننا سجلنا تأخرا في مجال كتابة التاريخ، وتأخرا في جمع الشهادات. نريد أن نربح الوقت من خلال الحيوية المسجلة على مستوى كل المسؤولين؛ فالجميع مجنَّدون لاستغلال هذه الظروف والحدث العظيم، المتمثل في إحياء ستينية الثورة لإعطاء دفعة جديدة. ولاحظنا مؤخرا إقبالا كبيرا من المجاهدين لتسجيل الشهادات وجمع كل ما له علاقة بثورة التحرير الوطني. أعطيكم مثلا؛ لما زرت ولاية سعيدة مؤخرا قدّم لي مجاهد رشاشه الذي يحتفظ به منذ 1955، قال لي: "لقد تربى معي"، وكان لديه يومها موعد لغسل الكلى، لكنه لم يذهب، وفضّل إهداء الرشاش لوضعه في المتحف، وكان يردد باكيا: "أنت عزيز عليّ وحاربت بك من أجل بلادي، وجاء الوقت لأهديك لوزير المجاهدين". فهناك استفاقة وصحوة لكتابة التاريخ وتسليم المشعل وتبليغه للأجيال الصاعدة؛ فالذي جمع الجزائريين ووحّدهم هو نوفمبر والتاريخ، وهو الذي يعطينا قيمة في الخارج. والتكالب علينا في الخارج راجع إلى تاريخنا ومواقفنا؛ لذا نتمنى أن نكون في مستوى المسؤولية التي نشعر بثقلها؛ وذلك بالاستعانة بالإعلام، ولاسيما جريدة المساء، التي عندما نقرأ مقالاتها نشم رائحة البارود. إن قضية الوطنية والتاريخ لا تقتصر على وزارة المجاهدين وحدها، لا بد أن نتعاون كلنا؛ لأن الأمر مرتبط ببلادنا وأمنها واستقراراها ووحدتها.. إنها أمانة للكل؛ إذا تعاونّا فإن مستقبلنا سيكون مضمونا، وإذا تخاذلنا فسيكون مرهونا. أنا شخصيا متفائل؛ لأنني أرى أن هناك شبابا يهتمون بالتاريخ ويسألون عن تاريخ بلادهم؛ لذا أقول إن الجزائر بخير.