ربيقة يقف على الإستعدادات الأخيرة للملحمة الفنية التاريخية "روح الجزائر"    مراد يستقبل سفير ايطاليا بالجزائر    مشروع السكة الحديدية بشار-تندوف-غارا جبيلات: رخروخ يعرب عن " ارتياحه" لتقدم الأشغال    محافظة الطاقات المتجددة والفعالية الطاقوية تنظم يوم الخميس ورشة حول إزالة الكربون في القطاع الصناعي    تيغرسي: مشروع قانون المالية 2025 يتضمن مقاربة إجتماعية بأهداف اقتصادية    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 42 ألفا و792 شهيدا    بونجار: برنامج عمل اللجنة الوطنية للوقاية من مرض السرطان ومكافحته يرمي إلى تقليص عدد الإصابات والوفيات    البويرة.. وفاة شخص وإصابة آخر في حادث مرور بالطريق السيار شرق-غرب في بلدية بودربالة    بلمهدي يؤكد على أهمية الحفاظ على المخطوطات القديمة وتثمينها    الاحتلال الصهيوني يواصل جرائم الإبادة في شمال قطاع غزة لليوم ال19 على التوالي    الميزانية المقترحة تضمن مواصلة جهود تجسيد الالتزامات    باسكوا: الجزائر قوة إقليمية    تبّون مدعو لزيارة سلوفينيا    يحيى السنوار من ثائر إلى أسطورة    وقفة بدار الصحافة في العاصمة    السنوار رفض عرضاً لمغادرة غزّة    هؤلاء أبرز 20 لاعبا انخفضت قيمتهم السوقية    انتقادات لاذعة لمحرز    بورحيل يشارك في ورشة عمل حول حماية البيانات    زيتوني يزور هيئة المناطق الحرة القطرية    منظّمات وجمعيات ترافع لتسقيف الأسعار    دراسة مشروع قانون حماية ذوي الاحتياجات الخاصة    إنتاج 492 ألف قنطار من البطاطا الموسمية    كلمات جزائرية تغزو إنجلترا!    الصحافة الجزائرية تحتفل بيومها الوطني    وزارة الإنتاج الصيدلاني تُحذّر..    برنامج عمل اللجنة الوطنية للوقاية من مرض السرطان ومكافحته يرمي إلى تقليص عدد الإصابات والوفيات    وزارة الصناعة تتخذ عديد إجراءات    تذكروا "بيغاسوس".. الجوسسة باستعمال التكنولوجيا أمر واقع    قرار اللجنة الرابعة الأممية انتصار تاريخي آخر للقضية الصحراوية    بلعابد يشارك في اجتماع إدارة مركز اليونيسكو للتميز في التعليم    بحث فرص ترقية التعاون الصناعي بين الجزائر والهند    وديتان للمنتخب الوطني للسيدات بنيجيريا    لجنة الانضباط تعاقب 3 أندية وتوقف الحارس ليتيم    قرارات هامة لصالح طلبة علوم الطب    صادي يجري محادثات مع شخصيات بأديس أبابا..قرارات هامة في الجمعية العمومية للكاف    آدم وناس مطلوب في أودينيزي وسمبدوريا الإيطاليين    9 محتالين يجمعون تبرعات باسم مرضى السرطان    القبض على محترفي سرقة الهواتف    260 إصابة بالكيس المائي    التحكيم في قفص الاتهام، احتجاجات بالجملة و"الفار" خارج التغطية    مجلس الجامعة العربية يدين تقويض عمل المنظمات الإنسانية في غزة    أنابيب نقل الغاز الجزائرية ضمان لأمن الطاقة الأوروبي    "المساء" ترصد ما خققه الثقافة والفنون في 4 سنوات    الطبعة 18 من 26 إلى 30 أكتوبر    الأمم المتحدة تحذّر من تدهور الأوضاع في فلسطين    مسؤول في هيرتا برلين يصف مازة ب"جوهرة" النادي    توسيع طاقة تخزين الأدوية في 3 ولايات    سطيف.. استفادة أزيد من 60 ألف طالب جامعي من التأمين الاجتماعي    أيام حول الانتساب للضمان الاجتماعي في الجامعة    "نوبل" تنتصر لتاء التأنيث    الرئيس يأمر بإنجاز فيلم الأمير    التميّز والجمال عنوان "شظايا من الضفتين"    مختصون: هكذا نجعل للدراسة قيمة في حياة أبنائنا    الابتلاء من الله تعالى    نعمة الأمن لا تتحقق إلا بوجود 4 مقومات    هكذا نزلت المعوذتان على النبي الكريم    عقوبة انتشار المعاصي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أصدقاء الثورة الجزائرية السند الآخر للقضية
منهم فرنسيون وأوربيون ومناضلون من مختلف دول العالم
نشر في المساء يوم 10 - 11 - 2014

كانت القضية الجزائرية من أعدل القضايا العالمية، بدليل الدعم القوي والشعارات المساندة التي رفعها كل ثوار العالم، نصرة لها ضد الاستعمار الفرنسي، ومن أبرز صور هذه المساندة، تلك التي جاءت من أبناء جلدة المحتل ذاته، مثقفون، أطباء سياسيون وحتى الجنود الفرنسيون، كلهم رفعوا شعار «الجزائر جزائرية» وشقوا رفقة مناضلين آخرين من جنسيات مختلفة، طريقا للحرية والعدالة.. ولم تنس جزائر الاستقلال ما قدمه أصدقاء الجزائر من الفرنسيين إبان الثورة التحريرية، فأهدت لهم الوطن وقيدت أسماءهم في السجلات البطولية لأفراد الشعب الجزائري.
تبنت المحامية والباحثة في الشؤون الاستعمارية، السيدة فاطمة الزهراء بن براهم، ملف أصدقاء الجزائر منذ عدة أعوام، وسعت جاهدة من أجل إبراز مهام هذه الفئة وتسليط الضوء عليها، وهي التي قدمت الكثير من أجل القضية الجزائرية، سواء أثناء التواجد الفرنسي في بلادنا أو حتى بعد الاستقلال، حيث لم تتوقف في تقديم الدعم للجزائر التي خرجت من نير الاستعمار حرة، لكن منهارة من جميع نواحي الحياة... غير أن هذه الفئة، رغم ما قدمته، همشت بعد الاستقلال، وهي التي أضحت في عيون أبناء جلدتها خائنة، متمردة وخارجة عن القانون، حتى أقصيت من قائمة المنتمين إليها...
بداية الحرب.. انقسام الفرنسيين واندماجهم في الثورة
تقول المحامية؛ بداية حرب التحرير تسببت في انقسام واضح بين الفرنسيين الذين تبنوا فكرين متناقضين حول مسألة الجزائر، فبين مؤيد ومعارض لفكرة الجزائر فرنسية وللحرب، برزت فئة واسعة من المتعاطفين مع القضية، كان من بينهم من ذهب إلى أبعد من التعاطف والمواساة، بل تحولوا إلى فاعلين في الميدان، حيث اندمجوا في الثورة وحاربوا إلى جانب الثوار والمجاهدين في الجبال وفي المهجر، بشتى الطرق والوسائل الفكرية واللوجيستية.
وتحدثت بن براهم عن أسماء متعددة لأجانب التحقوا بالقضية من أجل نصرة الجزائر، ومن أمثالهم؛ آني ستاينر، فليكس كويوزي، روبرتو مونيز، بيير شولي... وغيرهم من النماذج الحية لمناضلين أجانب شغفهم حب الحرية والاستقلال في جزائر الاستعمار، ورصدوا كفاحهم بعد انضمامهم إلى جبهة التحرير الوطني أنذاك، فكانت لكل واحد منهم حكايته التي تختلف باختلاف المنطقة التي كان فيها أيام الثورة التحريرية، وفي المقابل، جعل الشعب الجزائري منهم الجزء الذي لا يستأصل مهما حدث، وهو ما دفع بهؤلاء المستوطنين إلى اختيار الجزائر موطنهم الدائم إلى غاية يومنا هذا.
وسردت المتحدثة بعض الوقائع والأحداث التي تأثرت بها من جملة الحكايات التي ترجمت صور التلاحم مع أبناء الجزائر، بإيمان كبير بالقضية، ومن أبرز الشخصيات الثورية المعروفة بمواقفها وكفاحها؛ المناضلة الفرنسية ‘'آني ستاينز'' التي تعلقت بالثورة التحريرية، وعبرت في العديد من المرات عن افتخارها بانتمائها في يوم من الأيام إلى هذه الثورة وإلى الأرض التي احتضنتها، لتختار البقاء إلى جانب الشعب الجزائري، من منطلق وقوفها الدائم إلى جانب المحرومين.
انخرطت ستاينز في صفوف جبهة التحرير الوطني من ولاية سطيف، ولم يتعد عمرها العشرين عاما، ليتم توقيفها سنة 1956، وحكم عليها بالسجن 6 مرات، كان أولها سجن ‘'بربروس'' أو ‘'سركاجي'' حاليا ، وهو السجن الذي اعتقل وعذب فيه صناع ورجالات الثورة الجزائرية، كشهيد المقصلة أحمد زبانة، وآخرون.. وعاشت ‘'آني ستاينز'' الأمرين بسبب مواقفها الثابتة والرافضة لكل أشكال الظلم التي كانت تمارس على الشعب الجزائري، الأمر الذي لم تهضمه فرنسا فزجت بها في سجونها.
وتحتفظ الذاكرة التاريخية بالعديد من الأسماء الثورية، خاصة الفرنسية منها التي دخلت التاريخ من بابه الواسع، وكتبت اسمها في السجل الجزائري بأحرف من ذهب، لا تزال نضالاتها البطولية تروى حتى اليوم، كموريس أودان، الذي اختطف وعذّب حتى الموت من قبل رجال الجنرال ماسو، وهنري مايو الذي استشهد سنة 1957، بعد عملية قام بها في ثكنة خميس مليانة، وكذا المناضل ‘'فرنان ايفتون'' الذي وضع قنبلة في محطة الغاز بالحامة في العاصمة، وأضحى من رموز الثورة الجزائرية بعد إعدام السلطات الفرنسية له سنة 1956، ولا تزال الجزائر تحتفل بذكرى استشهاده سنويا، ومن العبارات التي قالها الرجل لحظات قبل استشهاده، وتعبر عن شجاعته وتمسكه بحرية الوطن؛ «سأموت، لكن الجزائر ستستقل»، وساند بدوره المناضل الفرنسي ‘'بيار شولي'' صاحب كتاب ‘'اختيار الجزائر، صوتان وذاكرة''، الثورة الجزائرية من الناحية الإعلامية، فقد كان من مؤسسي جريدة ‘'المجاهد'' لسان حال جبهة التحرير الوطني، واهتم بالجزائر وعبر بالقول في العديد من المناسبات بأن اندلاع ثورة الفاتح نوفمبر 1954 منحه شعورا بالتحرر، معتبرا أن التضامن مع الشعب الجزائري وثورته كان من منطلق الحق في الحرية وتطبيقا لمبدأ المساواة، على اعتبار أن الحرية والمساواة حقان لا يجب أن يسلبا من صاحبهما.
ولم تحصد الثورة الجزائرية تعاطف بعض الفرنسيين فحسب، بل حصلت أيضا على تأييد من أبناء القارة الأمريكية، وهو حال المناضل الأرجنتيني ‘'روبرتو مونيز'' الذي بدأ يدافع عن القضية الجزائرية من موطنه الأصلي، من خلال التجمعات الطلابية التي كان يشرف عليها في الأرجنتين، كما كان يزود ‘'مونيز'' المجاهدين بالأسلحة، وكان لالتحاقه بجبهة التحرير الوطني في المغرب، دفع كبير في صفوفها، وقام المناضل بأعمال فدائية خاصة بعد التحاقه بالمصنع السرّي لصناعة الأسلحة الذي كان مقره في المغرب حينها.
1073 جندي فرنسي التحقوا بالمجاهدين في الولاية الخامسة
عندما دخلت الثورة الجزائرية شهرها الرابع، اجتمع في 15 مارس 1955 مجلس الوزراء الفرنسي الذي انتهى بإقرار الحكومة الفرنسية قانون الحالة الاستثنائية، الذي بموجبه منحت باريس سلطات خاصة للوزير المعين في الجزائر لمواجهة ما تسميه ب«حوادث الجزائر»، حيث أصبحت هذه السلطات كاملة سنة 1958 من أجل اتخاذ كافة الإجراءات للقضاء على الثورة الجزائرية، فتشكلت محاكم خاصة لقمع الجزائريين استنادا إلى التشريع الاستثنائي الذي سنته فرنسا الاستعمارية، لتوجيه تهمة الخيانة إلى كل من يحمل سلاحا ضد فرنسا.
جندت فرنسا الاستعمارية مختلف وسائل القمع والتدمير بمساعدة «حلف شمال الأطلسي» للقضاء على الثوار الجزائريين، في هذا الإطار، شهدت الجزائر من عام 1956 إلى سنة 1958، تدفقا ضخما لقوات العدو الفرنسي، بلغ في نهاية الخمسينات حوالي 800 ألف جندي، هذا الجيش المدجج بأحدث الأسلحة قام بعمليات كبرى في القرى والأرياف الجزائرية، فضاعف من المناطق المحرمة واتخذ من سياسة «الأرض المحروقة» والمحتشدات وسيلة لعزل الثورة عن الشعب.
وحسب مصادر رسمية فرنسية عسكرية موثقة، فقد أصيبت فرنسا بصدمة وخيبة أمل كبيرة، خاصة في الفترة الممتدة بين 1955 و1959، حيث تم تسجيل فرار 1073 جندي فرنسي من صفوف القوات الفرنسية في الولاية الخامسة لغرب الجزائر، خاصة تلك المتمركزة على الحدود الجزائرية المغربية، والتحاقهم بصفوف المجاهدين الجزائريين، حيث تولت قيادة الثورة الجزائرية إرسالهم إلى بلدهم أو بلدان أخرى رغبوا في الالتحاق بها.
وانتقاما منها على الوضع وسعيا إلى درء الفضيحة، عملت فرنسا الاستعمارية على إعادة توزيع ونشر ما يزيد عن نصف مليون جندي فرنسي على الحدود الجزائرية المغربية والتونسية، بالإضافة إلى الجبهات الأخرى للحدود الجزائرية الليبية والنيجر والمالية وموريتانيا والصحراء الغربية والسواحل البحرية... فأصبحت مناطق الحدود الجزائرية المغربية والتونسية إلى عمق 50 كلم فأكثر، مناطق محرمة وأرضا محروقة خالية من السكان المدنيين، اجتمعت فيها أشرس جيوش القوات الفرنسية، مثل اللفيف الأجنبي، ورجال الكمندوس والمظليين للتدخل السريع، وغيرهم.
مثقفون بارزون لمناهضة الاستعمار
إن المهتم بتاريخ الثورة الجزائرية مدعو إلى تركيز النظر وفحص الوثائق وتتبع الأحداث، لعله يحظى بقدر من المعلومات والاستنتاجات الإضافية، لفهم طبيعة وملامح هذه الثورة العارمة التي أثرت في مسيرة القرن العشرين، وتركت بصماتها في سجل عملية التحرر والانعتاق في العالم، لاسيما في القارتين الإفريقية والآسيوية، واستفادت حركات التحرر في العالم من الانتصار الذي حققه الشعب الجزائري بفضل تضحياته الجسام، باعتباره انتصارا للبشرية جمعاء، إذ اهتزت قلوب وعقول في كل مكان، لما كان يقع على أرض الجزائر من صراع بين قوتين متناقضتين وغير متكافئتين؛ الأولى قوة الشر والدمار، والثانية قوة الخير والبناء.
واللافت للنظر في هذا الصراع مترامي الأطراف، أن قوة ثالثة لا يستهان بها، تتدخل لتؤدي دورا لا يستهان به، تتمثل في الضمير الإنساني الذي لا يخلو منه مكان ولا زمان، والدليل على ذلك موقف النخبة المثقفة الفرنسية التي تضاربت آراؤها ومواقفها حيال الثورة الجزائرية، فبين منحاز إلى صف الظالم وواقف إلى جانب المظلوم، انتصر هذا الأخير في مقاومة نوازع الشر وتبني مبدأ التعبير عن فطرة الخير الكامنة في ذاته، وحرك وخز الضمير العديد منهم ممن استفاقوا من روح التسلط على المستضعفين.
وشكلت المحاكمة التي جرت سنة 1960 لحاملي الحقائب الأعضاء في شبكة الدعم اللوجيستيكي لحزب جبهة التحرير الوطني إحدى الشرارات التي أحيت الضمائر، مؤكدة للرأي العام الفرنسي حالة الحرب التي حاولت فرنسا التستر عليها منذ الساعات الأولى لنوفمبر 1954، واقتناعا منهم بأن الكفاح المسلح كان الخيار الوحيد لاستقلال الجزائر، فقد انتظم العديد من الفرنسيين في شبكات للدعم، لاسيما تلك المسماة «حاملي الحقائب» التي أنشئت سنة 1955 ضمن المجموعة السرية الفرنسية من أصدقاء الثورة الجزائرية.
وينتمي أفراد شبكة «جونسون»- أغلبهم من جنسية فرنسية - إلى الطبقة المثقفة، وفرنسيون من جناح اليسار الديمقراطي اتخذوا مواقف مشرفة ضد بلادهم فرنسا، حيث اختلفوا معها فيما تقوم به منذ حرب إبادة ضد شعب أعزل واحتلال غير مشروع لأرض ليست أرضهم، ويترجم نشاط الشبكة رأيا سياسيا من البربرية الاستعمارية الفرنسية المسلطة على الجزائر، وموقفا لتعرية تناقضات النظام الاستعماري الذي واصل تضييق الخناق على الديمقراطيين الفرنسيين الذين لا يشاطرونه بخصوص ما يحدث في الجزائر.. وكانت الشبكة تحوز على وثائق تدين النظام الاستعماري الفرنسي وتفضح وسائل الإبادة والتعذيب الممارسة ضد الشعب الجزائري.
ولم يسلم هؤلاء الفرنسيون المتعاطفون مع الثورة الجزائرية من التعذيب، حيث تعرضت عناصر شبكة «جونسون» إلى ممارسات غير إنسانية وملاحقات بوليسية في أهم العواصم الأوروبية، حيث كانوا ينشطون بصفة منتظمة مع قيادة حزب جبهة التحرير الوطني في الخارج، علما أن شبكة «جونسون» كانت لها ميزانية تقدر ب3 ملايين فرنك فرنسي قديم، وكان أعضاؤها محترفين تخلوا عن وظائفهم من أجل العمل مع ‘FLN' أمثال؛ ‘CIRAT' و'HELENE' و'POLO'، وقامت مصالح المخابرات الفرنسية الداخلية ‘DST' باعتقال أعضاء شبكة «جونسون» ووجهت لهم تهمة التجسس والخيانة العظمى ضد فرنسا.
وقد انتظم مثقفون وعمال ورجال دين وفنانون وجامعيون، وآخرون من مختلف الطبقات الاجتماعية وشتى التيارات الإيديولوجية الفرنسية للتعبير عن قناعاتهم المناهضة للاستعمار، في إطار تكتل أطلق عليه اسم «شبكة جونسون» المدعومة معنويا من قبل الفيلسوف الوجودي جون بول سارتر الذي كان يدير مجلة «الأزمنة المعاصرة»، وتضم العديد من الفنانين والكتاب، من بينهم سارج ريجياني وبيار بيري، بالإضافة إلى كاترين صوفاج، جولييت غريكو، فرانسواز ساغان، جورج أرنو وسيمون دي بوفوار.وكانت نشاطات المجموعة متعددة تشمل كتابة ونشر وتوزيع المنشورات، إضافة إلى نقل الأموال والمخابئ والأوراق المزورة لفائدة المجاهدين، وأسس هذه الشبكة فرانسيس جونسون المدعو «فانسون» الفيلسوف والصحفي الذي ألف مع زوجته كوليت كتاب؛ «لجزائر خارج القانون»، حيث كان يدعم الكفاح المسلح لاستقلال الجزائر رغما عن السلطات العمومية لتلك الحقبة.وفي 5 سبتمبر 1960، مثل مناضلون من شبكة «جونسون»، منهم 6 جزائريين و17 فرنسيا أمام محكمة عسكرية، وكان خمسة من هؤلاء المناضلين فارين، من بينهم فرانسيس جونسون الذي حكم عليه غيابيا، حيث وقع 121 مثقف منهم شخصيات من عالم الفن والاستعراض والعلم والجامعة، على غرار سارتر، أندري بروتون من «الحركة السريالية» وفرونسواز ساغان، مارغريت دورا، ماندوز، فرانسوا ماسبير وغيرهم، بيانا حول «حق العصيان في حرب الجزائر»، داعين الشباب المجند إلى رفض حمل السلاح ضد الشعب الجزائري الذي عقد العزم سنوات من قبل، على تقرير مصيره عبر الكفاح المسلح.وخلال المحاكمة التي لم تحظ بالصدى الإعلامي المنتظر، استدعت هيئة الدفاع المكونة من المحامين جاك فارجيس، رولون دوما، روبار بادينتار وجيزال حاليمي الذين كان بعضهم من مجموعة محامي جبهة التحرير الوطني، المؤطرين حول مراد أوصديق، إلى منصة المحكمة بعض الموقعين على «بيان ال121»، منهم إيدمون ميشلي، أندري مالرو، روبار بورون، جون بول سارتر، إضافة إلى فرونسوا مورياك، بول تايتجن، سيمون دي بوفوار ومارغريت دورا.ويرى مؤرخون أن رهان هذه المحاكمة -التي ستغدو سريعا مع الوقت محاكمة حرب الجزائر يتمثل بالنسبة لمحامي الدفاع في إبراز أن الأمر يتعلق حقيقة بجلسات سياسية ضد مناضلي حرب استقلال، وليس سجناء قانون عام وخارجون عن القانون مزعومين، كما يعتقده القضاة العسكريون، فكان هذا النوع من الرهانات القاسم المشترك لجميع المحاكمات التي تمت ضد المحاربين الجزائريين، سواء في فرنسا أو في الجزائر.وتمكن محامو «حاملي الحقائب» من تحويل المحاكمة إلى منبر لمناهضة الاستعمار وإدانة أعمال التعذيب ومعارضتهم للمغامرة الاستعمارية والوسائل الهمجية التي رافقتها، ومن خلال «بيان ال121»، تظهر المحاكمة للرأي العام بوجود أكثر من ثلاثة آلاف جندي رفضوا الانخراط في حرب لا اسم لها، ومن خلال هذه المحاكمة التي اختتمت في الفاتح أكتوبر بالحكم على 14 مناضلا بعشر سنوات سجنا، تأكد لفرنسا بأكملها أن فئة من الفرنسيين يقدمون المساعدة للجزائريين لدوافع سياسية.
شبكة «جونسون».. تنظيم ومهام
جاك بارتيلات ‘Jack Berthelet' عضو نشط في مجموعة التعاون الخاصة بالشبكة، كان يقيم في سويسرا، من مهامه استقبال الفارين من الجيش الفرنسي، طرد من السويس في جانفي 1960.
جون ماري جوق هن ‘Jean Marie Boeghin' صحافي كان يقوم بتأمين الحماية والتموين للجنود الفرنسيين المعارضين لحرب الجزائر، كوّن شبكة ‘مدينة ليون' عام 1959، حكم عليه ب 10 سنوات سجنا، أقام في الجزائر بعد الاستقلال.
داني برجي ‘Denis Berger' ينتمي إلى ‘حركة المنشقين اليسارية'، أنشأ سنة 1956 مجلة تسمى ‘Tribune de Debat'، ألقي عليه القبض من طرف ‘AST' الفرنسية بعد عشرة أيام من هذا الإنجاز النضالي، كان مختصا في مجال ما بعد التكوين ومهام الاختراق (Infiltration ).
إيتيان بالو ‘Etienne Balo' كان أستاذ في الفلسفة; وهو من أوائل الأعضاء الناشطين في شبكة ‘جونسون' عام 1959، ألقي عليه القبض سنة 1960.
غوبار بانيو ‘Robert Bunnaud' أستاذ في التاريخ، دخل الجيش الفرنسي عام 1956، شارك في انتفاضة الجنود الفرنسيين الذين تمردوا ضد الإدارة الاستعمارية في الجزائر. في أفريل 1957، نشر شهادة في مجلة الضمير «Esprit» بخصوص التعذيب وبربرية الاستعمار الفرنسي في الجزائر، انضم إلى شبكة ‘جونسون' المتمركزة في مرسيليا عام 1959.
سيمون بلومان ‘Simone Blumen' طرد من الحزب الشيوعي الفرنسي ‘PCF' لما اختلف مع قيادة هذا الحزب بخصوص مواقفه اتجاه الثورة الجزائرية، انظم إلى الحكومة المؤقتة GPARA بتونس، وحكم عليه بعشر سنوات سجنا، وبعد سقوط شبكة «حاملي الحقائب» الفرنسية، أقام في الجزائر بعد الاستقلال.
هلان قينات ‘Helenne Ghenat' أستاذ في الأدب، توجهه يساري، انضم إلى شبكة «جونسون» عام 1957، ألقي عليه القبض في فيفري 1960، حكم عليه ب10 سنوات سجنا، هرب من السجن في فيفري عام 1960 وأقام في الجزائر بعد الاستقلال.
هنري كيريال ‘Henri Curiel' مصري الجنسية، ومؤسس الحركة المصرية للتحرير ‘MDLN' بدأ في شبكة جونسون عام 1957، بعدها قاد مجموعة خاصة به، أغتيل في ماي 1978.
فرنسيس جونسون ‘Francic Jeanson' فيلسوف ومدير مجلة «Temps Modernes»، كتب بالتعاون مع زوجته كولت (Colette) كتاب يساند فيه الثورة الجزائرية بعنوان الجزائر خارج القانون (L'Algérie Hors la loi) عام 1955.
‘Michel Raptis' المدعو Pablo عمل كمتعاون مع جبهة التحرير الوطني بخصوص نقل الأسلحة إلى المغرب لحساب الثورة، ألقي عليه القبض في جوان 1960 بأمستدرام، هولندا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.