طالب الوزير الأول عبد المالك سلال، منذ قرابة سنتين مصالح الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والصندوق الوطني للتقاعد، بتسهيل كل الإجراءات الإدارية على المؤمّنين والمتقاعدين، وذلك من خلال تخفيض عدد الوثائق المطلوبة للانتساب لأحد الصندوقين مع ترك الخيار لهم في كيفية صرف التعويضات والمنح سواء عبر الحسابات البريدية أو البنكية.ورغم أن المراسلة كانت واضحة إلا أن المتقاعدين الجدد مضطرون اليوم إلى فتح حسابات بريدية لتسلّم منح التقاعد، وهو ما جعلهم يعربون عن استيائهم من هذه"البيروقراطية”، خاصة وأنهم سيعانون الأمرين عند سحب منحهم بسبب الضغط الكبير على المكاتب البريدية، وتخوفهم من نقص السيولة في الأعياد والمناسبات، كما يحصل عادة. وسمح لنا الاستطلاع الذي قادنا إلى عدد من الوكالات الجهوية للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، بالوقوف على عدة إصلاحات تم تنفيذها في إطار مساعي وزارة العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي لتحسين نوعية الخدمة العمومية، على غرار فتح عدد معتبر من الشبابيك لاستقبال شكاوى المؤمّنين وتخصيص أيام يستقبل فيها مسؤولو عدة أقسام المشتكين. ولدى استفسارنا عن طريقة صرف التعويضات المالية ومختلف أنواع المنح، كشف لنا غالبية المؤمّنين أنهم يسحبون أموالهم من حساباتهم البريدية فقط، وهم يجهلون أنه بمقدورهم سحب أموالهم من حساباتهم البنكية، وهو ما أكده لنا أحد المؤمّنين بوكالة حسين داي الذي أشار إلى أنه يملك حسابا بنكيا بالنظر إلى أنه تاجر حر، غير أنه أجبر على فتح حساب بريدي لتلقي منحة تقاعده من مصالح الضمان الاجتماعي لغير الأجراء منذ أكثر من أربع سنوات، ولم يتم إعلامه إلى غاية اليوم أنه بإمكانه تسلّم المنح والتعويضات عن طريق حسابه البنكي.نفس المعلومات أكدتها لنا إحدى المؤمّنات بوكالة بئر خادم، مشيرة إلى أن غياب الاتصال ما بين الإداريين والمؤمّنين جعل العديد من الإجراءات تبقي حبرا على ورق، خاصة بعد أن تم تعميم صيغة التعاقد مع الصيادلة، وهو ما جعل صرف تعويضات الدواء توجه مباشرة لحسابات الصيدلي. وبغرض التعرّف على طريقة تعامل الصندوق مع الصيادلة المتعاقدين تقرّبنا من احدهم بشارع حسيبة بن بوعلي، الذي أكد لنا بدوره أنه كان مجبرا على فتح حساب بريدي للاستفادة من تعويضات الأدوية، وقد استشار في هذا القرار أحد أصدقائه الذي يشتغل في إحدى مصالح الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، فهو الذي وجهه إلى فكرة التعامل مع مؤسسة بريد الجزائر للحصول على أمواله بطريقة سهلة وسريعة بالنظر إلى طول المعاملة عندما يتعلق الأمر بحساب بنكي. وقصد الحصول على معلومات دقيقة حول الموضوع كان لنا لقاء مع رئيس قسم الحسابات بوكالة الجزائر للصندوق الوطني للتأمينات الاجتماعية، السيد نور الدين رقيق، الذي أكد ل"المساء” اعتماد المصالح نظاما معلوماتيا جديدا مباشرة بعد وصول مراسلة الوزير الأول، وهو ما سمح بتفعيل كل التعاملات مع البنوك. الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يتعاقد مع البنك الخارجي الجزائري وأشار نور الدين رقيق، إلى أن مصالح الضمان الاجتماعي كانت تتعامل مع الحسابات البريدية والبنكية قبل وصول المراسلة، إلا أن طول فترة معالجة الملفات التي كانت تتم بطريقة يدوية أثقلت كاهل الأعوان وأطالت فترة صرف التعويضات، لذلك تقرر مطالبة المؤمّنين بفتح حسابات بريدية للاستفادة من منحهم مباشرة بعد صبّها في الحساب البريدي للصندوق. وتطبيقا للمراسلة تم فتح حساب بنكي تابع للصندوق لدى البنك الخارجي الجزائري فقط، مع اعتماد نظام معلوماتي خاص يسمح لأعوان الصندوق بإرسال كل الملفات المعالجة إلى البنك للتأكد من هوية أصحاب الحسابات قبل صرف الأموال، علما أن كل مؤمّن يكون له حساب بنكي لدى البنك الخارجي الجزائري يمكنه الحصول على تعويضاته بعد 48 ساعة من صرفها، ومن جهته يقوم البنك بتحويل مبالغ التعويضات إلى باقي الحسابات البنكية وهو ما يجعل المؤمّن مجبرا على الانتظار بين 5 و8 أيام قبل سحب أمواله.وحسب السيد رقيق، فإن عدد المؤمّنين الذين يفضّلون التعامل مع الصندوق عبر الحسابات البنكية قليل مقارنة بأولئك الذين يفضّلون التعامل بالحسابات البريدية، مشيرا على سبيل المثال، إلى صب تعويضات 3400 مؤمّن عبر الحسابات البنكية شهر ديسمبر الفارط، مقابل 124098 مؤمّنا متعاقدا مع مؤسسة بريد الجزائر. وأرجع المسؤول سبب ارتفاع عدد المؤمّنين الذين يفضّلون الحسابات البريدية عن البنكية إلى كونهم من ذوي الاحتياجات الخاصة والمرضى المزمنين، وفئة الكهول والعمال البسطاء، وعليه فإن منح التعويضات تعتبر كمدخول إضافي لهم يريدون الاستفادة منها بطريقة سهلة. وحسب سبر للآراء قامت به وكالة الجزائر للصندوق الوطني للتأمينات الاجتماعية فإن80 بالمائة من المؤمّنين راضين عن طريقة تعامل الصندوق معهم، خاصة بعد تعميم التعاقد مع الصيادلة والأطباء. الصندوق الوطني للتعاقد يفضّل بريد الجزائر على باقي البنوك خلافا للعمل الذي قام به الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي ترك الاختيار للمؤمّنين في طريقة صرف تعويضاتهم، فإن الصندوق الوطني للمتقاعدين، لا يزال يفرض على المنتسبين الجدد فتح حسابات بريدية، وهو ما وقفنا عليه خلال زيارتنا لعدد من وكالاته التي تعرف إقبالا كبيرا من المواطنين الذين هم في مرحلة التحضير للذهاب إلى التقاعد. وحسب تصريحات عدد منهم خاصة ممن يشتغلون لدى مؤسسات خاصة وحتى عمومية تتعامل مع البنوك، فقد وجدوا أنفسهم مجبرين على التنقل إلى المكاتب البريدية وتكوين ملفات طويلة وعريضة لفتح حسابات بريدية، وهي العملية التي تتطلب أكثر من شهرين.حاولنا الاتصال بالقائمين على الصندوق للتعرّف على أسباب التمسك بهذا الإجراء رغم وجود تعليمة للوزير الأول غير أننا لم نتمكن من الالتقاء بهم. وعلمنا من مصادرنا أن الصندوق تعاقد منذ عدة سنوات مع مؤسسة بريد الجزائر لصب معاشات كل المتقاعدين بالحسابات البريدية، ولم يتم إلى غاية اليوم إعداد نظام معلوماتي يسمح للصندوق بالتعامل مع البنوك لأسباب تبقى مجهولة. وأمام هذا الإجراء يبقي المتقاعدون يعانون الأمرين عند وصول موعد صب معاشات التقاعد، فهم مضطرون للوقوف في طوابير طويلة أمام المكاتب البريدية لسحب منحهم، وغالبا ما يصطدمون بإضراب عمال البريد أو نقص السيولة المالية خاصة في المناسبات والأعياد. وبما أن منحة التقاعد تعد المدخول الرئيسي لكل متقاعد فهو مضطر لانتظار مواعيد صب المنحة لسحبها في وقتها، كونه لا يمكنه انتظار مرور”فترة الذروة” وهي التي تعرف إقبالا كبيرا على المكاتب البريدية.