شهدت مؤسسة إعادة التربية والتأهيل للحراش مؤخرا تنظيم مسابقة فكرية إحياء ليوم العلم، تسابق فيها نزلاء المؤسسة من الجنسين في الشعر والقصة القصيرة والمسرح والرسم والثقافة العامة. وقد فاجأ النزلاء المشاركون جميع الحضور بقدراتهم العالية في الأدب والعلوم والتاريخ وغيرها، واستطاعوا إظهار قدراتهم في نظم الشعر وكتابة القصص والوقوف على خشبة المسرح، وهدفهم في ذلك توجيه رسالة إلى مجتمعهم مفادها أن السجن مجرد كبوة يعملون جاهدين على تجاوزها. قضت "المساء" رفقة نزلاء مؤسسة إعادة التربية والتأهيل للحراش بالعاصمة يوما ترفيهيا أقيم بمناسبة إحياء يوم العلم المصادف ل16 أفريل من كل سنة، واستطاع نزلاء هذه المؤسسة ممن شاركوا في المسابقة الفكرية المقامة بالمناسبة، إبهار الحضور بمستوياتهم الملحوظة التي صفقوا لها طويلا، خاصة في الشعر والمسرح، ومنها التجربة الشعرية لنزيلة حملت قصيدتها عنوان "التوبة" الكثير من المعاني والرسائل لمحيطها شخصيا ولمجتمعها عموما. وبطريقة إلقاء استحسنتها لجنة التحكيم. قالت النزيلة في قصيدتها إن الإنسان خطّاء ولكنه بالمقابل ينتظر العفو والمسامحة من الآخرين، متمسكة بالصبر وداعية غيرها من المسجونين للصبر واتخاذ السجن كتجربة في الحياة لا بد أن يتعلم منها الانسان بالتذكُر وعدم التكرار. كما خلصت في سياق قصيدتها إلى أن الاستزادة من العلم أحسن دواء لساعات السجن الطويلة.. وقد صفق الحضور بحرارة على النزيلة، فرسالتها كانت مؤثرة وواضحة. كذلك كانت تجربة نزيل آخر استحق التشجيع الكبير إثر مشاركته في باب "تلخيص كتاب"، وهو النزيل الذي أكد أنه استطاع مطالعة 24 كتابا في مدة شهرين فقط، أي بمعدل كتابين ونصف يوميا، وهذا ما يعكس إرادة إدارة السجون في تقريب الكتاب من نزلاء المؤسسات العقابية سواء بفتح المكتبات لهم مع توفير عدة عناوين وفي مختلف المجالات، أو بتوفير خدمة إيصال الكتب إلى الزنزانات بواسطة عربة جر مخصصة لهذا الغرض. وأكدت بالمقابل على لسان المكلف بالإعلام أن الواقع قد أثبت أن العلم أحسن وسيلة للتربية، وأن الإحصائيات تثبت كذلك أن نزلاء السجون ممن يتلقون تعليما أو تكوينا تقل نسبة عودتهم إلى الجريمة بمعدل الصفر. رسالة أخرى من رسائل المسجونين كانت هي كذلك معبرة، وتمثلت في مسرحية قدمها 4 نزلاء تضمن نصها تذكرة إلى كافة المسجونين تنص على حسن تنظيم وقتهم في المؤسسات العقابية، باستغلال فرص التعليم والتكوين المتاحة لهم بما يضمن لهم إدماجا أحسن بعد انقضاء فترة العقاب. كما تضمنت رسالة أخرى للشباب تحثهم على عدم الانسياق وراء كل ما قد يفقدهم حريتهم يوما ما. من جهة أخرى، أبان نزلاء آخرون شاركوا في المسابقة الفكرية عن المستوى الحسن الذي وصلوا إليه بفضل دورات التعليم التي يتلقونها في المؤسسة العقابية، فقد كانت نتائج كل المسابقات الفكرية الثلاث في التاريخ والدين والثقافة العامة جيدة تنم عن مدى استيعاب المسجون للدروس والعبر، وإلى جانبها أيضا كانت رسائل مسابقة الرسم التي اتخذت من يوم العلم محورا أساسيا لها، فقد بعث النزلاء المشاركون فيها رسالة إلى رائد النهضة الفكرية في الجزائر، العلامة عبد الحميد بن باديس ضمنوها تعهداتهم وعزمهم على أن جيل الاستقلال مصمم على استكمال مسيرة البناء بالريشة والقلم. هكذا كانت الأجواء الاحتفالية بيوم العلم، التي أرادت من خلالها إدارة السجون جعلها مناسبة سنوية للخروج عن رتابة الأجواء بالمؤسسات العقابية، وجعلها تدخل باب المنافسة العلمية ليس بين النزلاء فقط، وإنما بين مؤسسات إعادة التربية والتأهيل كذلك، حيث شهد هذا اليوم تكريم الفائزين من نزلاء سجن الحراش، وآخرين من مؤسسات إعادة التربية تنافست في مجال تقديم أحسن مجلة شهرية يساهم فيها النزلاء، والهدف من كل ذلك تغيير النظرة التي ترى السجن مؤسسة تنتج الجريمة إلى مؤسسة تساهم في تأهيل الفرد المُخطئ ومنحه فرصة إعادة الاندماج في مجتمعه.