أكد الوزير الأول عبد المالك سلال، أمس، أن الحكومة اتخذت وتتخذ كافة التدابير اللازمة لمواءمة الوضع الاقتصادي في البلاد مع التحديات التي تفرضها الظروف الدولية الصعبة المتميزة بتراجع أسعار النفط، داعيا الولاة إلى لعب دور محوري في إنجاح هذه السياسة التي تتوخى بناء اقتصاد وطني قوي وتنافسي ومتنوع وكافل للاستقرار، وتستدعي حسبه تشجيع الاستثمارات المنتجة والمدرة للثروة ولمناصب الشغل، واستغلال كافة الإمكانيات والموارد الوطنية المتاحة، بما فيها تلك التي تندرج في خانة الاقتصاد غير الرسمي.. وذكر السيد سلال، في كلمته الافتتاحية للقاء الحكومة مع الولاة بإقامة الميثاق بالجزائر العاصمة، بأن ”المستقبل لن يفرض على الجزائر، إذا عبّرت الإرادة عن نفسها وقيلت الأشياء بصراحة”، مشيرا إلى أنه في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية التي تميز الساحة الدولية، والتي تنعكس آثارها على الجزائر، فإن المعادلة التي يتعين على الجهاز التنفيذي حلّها هي العبور بسفينة الجزائر إلى خارج العاصفة، مع مواصلة مسار عصرنة الاقتصاد الوطني من دون المساس بالتضامن الاجتماعي واللجوء المفرط للاحتياطات الوطنية من الصرف”. وفي هذا السياق أكد الوزير الأول، بأن الجزائر تمتلك إمكانيات هامة وقاعدة اقتصادية وطنية متينة، وكذا الرجال الأكفاء ”وبالتالي هي قادرة على السير نحو المستقبل بارتياح”، وأبرز في الوقت نفسه الأريحية المالية التي توجد عليها البلاد بفضل القرارات الشجاعة التي اتخذها رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، والمتعلقة بالدفع المسبق للمديوينة الخارجية، محذّرا في المقابل من تبذير الموارد العمومية بقوله لأعضاء الحكومة والولاة والولاة المنتدبين الحاضرين في اللقاء ”لا نريد إفراطا ولا تفريطا في استعمال مواردنا، وعلينا السير بشجاعة في الاتجاه الصحيح، وتمكين الاقتصاد الوطني من النمو”. اعتماد الشفافية ومصارحة المواطنين بكل الأمور وفي حين أبرز السيد سلال، أهمية تكريس مسعى الشفافية في عمل الجهاز التنفيذي، من أجل إطلاع المواطن ووسائل الإعلام والطبقة السياسية والمجتمع المدني بكل ما يميّز الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد، وكذا بآثار الأزمات التي يشهدها العالم على بلادنا، مؤكدا في هذا السياق بأن الحكومة اختارت إتباع نهج الحقيقة والشفافية، قناعة منها بأن ذلك هو السبيل الوحيد لاكتساب ثقة الجميع واستمالتهم إلى مسعى التجديد الوطني، وكذا فضح الخلط والمساومات ومحاولات التلاعب، أشار إلى أن اجتماع الحكومة بولاة الجمهورية يعتبر أحسن دليل على مسعى هذه الشفافية والبيداغوجية، كاشفا عن عقد لقاء آخر في 15 سبتمبر الجاري، مع خبراء الاقتصاد والأكاديميين والجامعيين بإشراف المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي، وذلك قبل اجتماع الثلاثية الذي يجمع الحكومة بأرباب العمل والشركاء الاجتماعيين والمقرر في 15 أكتوبر القادم ببسكرة. ودعا الوزير الأول مسؤولي الجهاز التنفيذي على المستوى المحلي إلى تبنّي الصراحة في التعامل مع المواطنين، مشيرا إلى أن مصارحة الناس تكسب الإدارة ثقتهم، كما أكد في نفس الصدد بأن الاتصال المؤسساتي لا ينبغي أن يكون مناسباتيا أو ظرفيا، وإنما جهدا متواصلا لشرح مسعى الحكومة والإصغاء والتبادل مع مختلف القوى الحيّة للأمة. الولاة مطالبون بإنجاح الدخول الاجتماعي وإذ ذكر الوزير الأول، بقرب موعد الدخول الاجتماعي الذي يعتبر حسبه موعدا هاما، شدّد على ضرورة أن يعمل الولاة والولاة المنتدبون على النزول إلى الميدان وتوفير كل الجهود اللازمة لضمان نجاحه، ودعا هؤلاء إلى الاتصال مع القطاعات المكلّفة بالخدمات العمومية من أجل التأكد من حشد الوسائل البشرية والمادية المناسبة لنجاح هذه المناسبة، لا سيما فيما يتعلق بضمان استمرارية خدمات التموين بالمياه والطاقة والبريد والصحة، وكذا مجريات التسجيلات المدرسية والجامعية والتموين المنتظم للسوق الوطنية والتفاعل الأمثل لمصالح الأمن والحماية المدنية. كما أبرز السيد سلال، أهمية الدور الذي ينبغي أن يضطلع به المنتخبون المحليون، مؤكدا على أنه حان الوقت لإعادة الاعتبار والصلاحيات الكاملة لهؤلاء من خلال إشراكهم بفعالية في مسار التنمية، وكذا في جلب الاستمارات المحلية.. وذكر بالمناسبة بأهمية الإجراءات التي تم اتخاذها في إطار عصرنة الإدارة، وتخفيف التدابير البيروقراطية على المواطنين، لا سيما فيما يتعلق باستصدار وثائق الهوية الوطنية ورخصة السياقة، وكذا الإجراءات المتعلقة بالتنازل عن السكنات الاجتماعية لفائدة المواطنين الراغبين في شرائها. من جهة أخرى شدّد سلال، على ضرورة تطبيق قوانين الجمهورية بصرامة لتخليص المدن والبلديات من المظاهر السلبية والآفات التي تسبب لها التدهور مثل اللاأمن وانعدام السلامة، واحتلال الفضاءات العمومية بصفة فوضوية، قائلا في هذا الخصوص ”من الضروري اعتماد الحوار المتواصل وقول الحقيقة للمواطن، لكن من الضروري أيضا فرض تطبيق القانون بكل صرامة”. ..ومدعوون إلى استقطاب الاستثمارات المنتجة وتسهيلها واعتبر السيد سلال، أن الجزائر وبفضل ما تزخر به اليوم من استقرار ومن قدرات اقتصادية معتبرة، أمامها فرصة تاريخية لتغيير الوضع الاقتصادي والاجتماعي نحو الأحسن، وذلك باعتماد مقاربة براغماتية تستهدف مصيرا واحد هو التنمية، أكد بأن للولاة دورا محوريا في تحقيق هذا المسعى، وأن الدولة تنتظر منهم الكثير.. وإذ أكد ضرورة التغيير في ثقافة الأداء للولايات، حتى لا يبقى مرهونا بالمهام التقليدية فقط، أشار الوزير الأول إلى أن الدور المطلوب من الولاة القيام به من اليوم فصاعدا، هو جلب الاستثمارات والتسهيل للمستثمرين ومرافقتهم، مضيفا في سياق متصل بأن ”على الولاة كما على رؤساء البلديات عدم الاكتفاء بمنح الرخص الخاصة بالاستثمارات ودراسة الملفات، وإنما أيضا مواكبة المستثمرين في مشاريعهم من البداية إلى النهاية”. كما دعاهم بالمناسبة إلى عدم التمييز في التعامل بين القطاع العام والقطاع الخاص، وأبرز أولوية المشاريع ذات الطابع الصناعي والفلاحي والسياحي، التي ينبغي حسبه رفع كل العراقيل أمام أصحابها، مذكّرا بالإجراءات التي اتخذتها الحكومة لتوفير العقار الصناعي للمستثمرين، ولا سيما عبر إلغاء لجنة ”كالبيراف” وحصر الهيئة المشرفة على استلام ملفات الاستثمار الصناعي في الوالي ومدير الصناعة ومدير أملاك الدولة، وكذا إقرار برنامج لإنجاز 50 منطقة صناعية عبر الوطن، حيث حث الوزير الأول، الولاة في هذا الخصوص على عدم التماطل في منح العقار للمستثمرين حتى ولو لم تكن المنطقة قد استكملت بالكامل.. كما دعا في سياق متصل إلى استغلال كل الإمكانيات المتاحة في مجال الفلاحة، واعتبر بقاء مساحات هائلة من الأراضي الفلاحية غير مستغلة ”أمرا لا يشرّف”، كاشفا في نفس الإطار عن استعداد الجزائر لمناقشة اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي في جوانبه المتعلقة بالتعاون الفلاحي، في الاتجاه الذي يتيح الإمكانية لرفع مستوى النمو في هذا القطاع. تخفيض النفقات ب9 بالمائة وتحقيق نسبة نمو 4,61 بالمائة في 2016 ولدى تطرقه إلى الإجراءات التعديلية التي اتخذتها الحكومة تبعا لتعليمات رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، من أجل مواكبة الظروف المترتبة عن أزمة أسعار النفط، ذكر الوزير الأول بأن هذه الإجراءات شملت بالأساس ترشيد الإنفاق العمومي، والتحكم أفضل في التجارة الخارجية وتدفق رؤوس الأموال، مؤكدا في سياق متصل بأن ”رئيس الدولة كان واضحا في تعليماته إلى الحكومة قصد الحفاظ على القدرة الشرائية للجزائريين ومواصلة الجهد في مجال النشاط الاجتماعي، والبرامج في ميادين التشغيل والسكن والصحة والتربية”. وأشار في نفس الإطار إلى أن أحكام قانون المالية التكميلي لسنة 2015، وأحكام قانون المالية لسنة 2016، الذي يجري إعداده حاليا، أخذت نفس المنحى الهادف إلى ترشيد استعمال إيرادات ميزانية الدولة ودعم المؤسسات وتسهيل الاستثمار، إلى جانب تشجيع القطاع الوطني المنتج والبقاء ضمن أفق النمو. كما أعلن بالمناسبة بأن مشروع قانون المالية لسنة 2016، الذي سيعرض على البرلمان في نهاية سبتمبر المقبل، يتوخى نموا بنسبة 4,61 بالمائة، مع العمل ب"شجاعة” خلال هذه السنة على تقليص النفقات الإجمالية بنسبة 9 بالمائة، دون عرقلة إنجاز البرامج الاجتماعية كالسكن والتعليم والصحة والتوظيف. وبعد أن لاحظ بأن التوجه إلى النشاط التجاري يطغى بنسبة كبيرة على النشاط الاقتصادي في الجزائر، دعا سلال، ممثلي الجهاز التنفيذي المحلي إلى العمل على تغيير الواقع بوضع الإجراءات الضرورية واستغلال كافة الإمكانيات، بما فيها تلك المسجلة برسم الاقتصاد غير الرسمي، مذكّرا بالتدابير التي اتخذتها الحكومة في هذا الإطار من أجل الاستفادة من الموارد الهامة التي يدرها هذا الاقتصاد ”غير الشرعي” الذي يحتاج إلى تأطير وهيكلة لإدخاله في المسار الاقتصادي الرسمي. دعوة إلى نبذ التشاؤم وسياسة الإحباط وفيما حرص الوزير الأول، على التأكيد بأن إقرار الدولة لإجراء هيكلة الأموال المتداولة خارج البنوك، لا يعد ”تبييضا للأموال” مثلما ذهب البعض إلى اعتباره، وإنما هو مسعى هادف لاسترجاع إمكانيات هائلة واستغلالها لفائدة الوطن، دعا إلى خلق تضامن وطني بين كافة أبناء الشعب الجزائري من أجل التغلّب على الأفكار التشاؤمية، وسياسة الإحباط التي ينتهجها البعض في محاولاتهم لتسويد الوضع العام في الجزائر، وذكر بالمناسبة بأن الذين يبثون الخوف في نفوس المواطنين اليوم، بالتهويل ورسم تحليلات قاتمة عن الأوضاع الاقتصادية في البلاد، هم أنفسهم الذين انتقدوا القرارات الشجاعة التي اتخذها رئيس الجمهورية، لتسديد الديون الخارجية للجزائر ”وقد أثبت الواقع بأنهم كانوا مخطئين”. ليخلص الوزير الأول في هذا الخصوص إلى أن الجزائر تواجه اليوم تحديا يتطلب رفعه مشاركة كافة أبنائها المخلصين، داعيا في الأخير الجميع إلى تحصين الجزائر من الشك، الذي يعتبر كما قال ”مرضا عضالا ” يعطّل الأمم”. وتواصلت أشغال اجتماع الحكومة بالولاة والتي شارك فيها أعضاء الحكومة و48 واليا و17 واليا منتدبا في جلسة مغلقة، تم فيها عرض 7 مداخلات خصت 6 منها قطاعات الفلاحة والسياحة والصناعة والمالية والسكن، وعصرنة الإدارة والجماعات المحلية، فضلا عن مداخلة قدمها والي قسنطينة، حول دور الولاة في الاستجابة لانشغالات المواطن.