رغم التحضيرات التي تقوم بها مختلف المؤسسات والمصالح في ولاية الجزائر للوقاية من الفيضانات خلال الموسم الشتوي، فإن هواجس الخوف من حدوث "الكارثة" تبقى قائمة عند المواطن والإدارة على حد سواء، بالنظر إلى ثلاثة عوامل أساسية تتسبب في ذلك، وهي التقلبات الجوية المفاجئة، نقص منشآت صرف مياه الأمطار وتصرفات الإنسان، لذلك فإن التحضير لموسم الأمطار لم يبق مقتصرا على فصل الشتاء، بل هو جارٍ على مدار أيام السنة. يلاحظ من خلال حجم المشاريع المنجزة بالعاصمة والدراسات الجارية التي تقوم بها ولاية الجزائر في مختلف القطاعات، أن ذلك يترجم إرادة الدولة في استدراك النقائص التي يشكو منها المواطن، وتشكل انشغال الإدارة أيضا، فمثلما يجري الأمر بشأن تحسين الأداء في قطاع النظافة، وتزيين المحيط بمختلف بلديات العاصمة، فإن مديرية الري المشرفة على تسيير قطاع صرف المياه المستعملة ومياه الأمطار، يعرف أيضا حركية غير مسبوقة، تترجمها الطريقة الحازمة التي يجسدها والي العاصمة، السيد عبد القادر زوخ، والنابعة من توصيات الحكومة، لإقحام جميع المديريات والهيئات والمؤسسات والمجالس البلدية، في الرقي بعاصمة البلاد، وتخليصها من "الفوضى المركبة" التي تمس بالأساس المحيط المعيشي للساكنة، وتتسبب في حدوث كوارث لا تحمد عقاباها. التطهير جارٍ والتعمير تحت المجهر حسب مدير الموارد المائية لولاية الجزائر، السيد اسماعيل عميروش، فإن الاستعداد لموسم الأمطار لم يعد مقتصرا على فصل الشتاء، لأن التقلبات الجوية قلبت كل الموازين، فلا يدري أحد متى تسقط الأمطار، وبأي كمية؟ ولعل فيضانات باب الوادي سنة 2001 تعد خير دليل على ذلك، حيث تهاطلت كميات كبيرة في ظرف قياسي، مما أحدث الكارثة. وفي هذا الإطار، أفاد محدثنا أن تضاريس العاصمة المتباينة ومنها المناطق المرتفعة ذات المنحدرات، كبوزريعة، الأبيار، حسين داي التي تتميز بسرعة انسياب المياه والمناطق الأخرى المنخفضة والمنبسطة مثل الرويبة، الدار البيضاء، تسالة المرجة، بئر توتة، الكاليتوس وبرج البحري تستقبل مياه المناطق الأخرى، وتكون بها حركة المياه أقل سرعة، وهو ما يفرض دراسات ومشاريع تستجيب لذلك، وتأخذ في الحسبان مجموع الوديان والجداول التي تقطع بلديات العاصمة. وأفاد نفس المسؤول في نفس الإطار، أن الدراسات المتعلقة بمشاريع الوقاية من الفيضانات انتهت بكل من الكاليتوس، برج البحري، بني مسوس، الحميز، الرغاية وباش جراح، انطلقت بها عام 2015 أشغال تهيئة وادي أوشايح، الذي كان يشكل نقطة سوداء، نظرا لضيق قناة الصرف، وانسدادها بمختلف النفايات الصلبة، إلى جانب 14 نقطة سوداء أخرى بالعاصمة، منها تريولي، ميرمار، حسين داي، باب الزوار وغيرها. كما تشكل عملية مراقبة التعمير، نقطة هامة في قطاع التطهير وصرف مياه الأمطار، حيث لا يمكن الترخيص لأي مشروع عمومي أو خاص - يقول السيد عميروش- بدون مصادقة مصالح الموارد المائية التي يوجد لها فروع بكل المقاطعات الإدارية ال13 بالعاصمة، والتي تعمل على مرافقة البلديات في احترام معايير التشييد، ومنها تطبيق قوانين منع البناء على حواف الوديان، والإشراف على تنقيتها كل سنة، حيث تقوم ولاية الجزائر في شهر جويلية من كل سنة بتمويل عملية تخص تطهيره الوديان بقيمة 100 مليون لفائدة 12 مقاطعة إدارية (ماعدا دائرة سيدي امحمد التي لا تحتوي على وديان) ويتم تعيين 12 شركة للقيام بذلك، وفي شهر أوت ترسل "مذكرة تقنية" لكل المصالح، منها الموارد المائية، الأشغال العمومية، البيئة، مؤسسات "أسروت"، "ناتكوم" ومصالح البلديات، للانطلاق في جمع النفايات والردوم التي تعيق سير المياه بالبالوعات. الردوم وسرقة أغطية البالوعات... مشكل عالق يلعب مشكل انسداد البالوعات دروا هاما في حدوث الفيضانات، حيث يساهم المواطنون بتصرفاتهم الخاطئة بشكل كبير، في وقوع حالات تجمع المياه بالعديد من النقاط، وتسربها على الطوابق الأرضية، كرمي مخلفات البناء، وهو ما يجعل مصالح البلديات تقوم بالتعاون مع مؤسسة التطهير وصيانة الطرق "أسروت" برفع درجة التحضير والحيطة قبيل فصل الشتاء، عن طريق تنقية بالوعات صرف مياه الأمطار، وقد لاحظنا في عدة بلديات استمرار هذه العملية، فيما انتهت العديد من البلديات منها، ومنها بلدية باب الزوار التي ذكر النائب المكلف بالبيئة، السيد آكلي طواهري، أنها انتهت من تنقية أزيد من 670 بالوعة، لمنع تجمع المياه، كما تشرف العملية على الانتهاء في بلدية الكاليتوس، حيث لاحظنا أعوان "أسروت" يقومون بتنقية البالوعات، مثلما وقفنا عليه بحي 500 مسكن. كما يطرح مدير الموارد المائية مشكل سرقة الأغطية المعدنية للبالوعات، حيث أوضح أن هذه الظاهرة تؤثر كثيرا على عملية صرف مياه الأمطار، خاصة عندما تمتلئ بالردوم والأتربة، بالتالي تصعب عملية تنقيتها، وقد لاحظنا ببلدية الكاليتوس مثلا أن عددا هائلا من البالوعات خالية من الأغطية، وتوجد بعدة محاور، وبالقرب من مؤسسات عمومية، كالمسالك المحيطة بمتوسطة عيسى مسعودي، حيث شاهدنا بالقرب من مدخليها الاثنين بالوعات عميقة، مفتوحة على كل المخاطر. وحسب المراقب العام للمؤسسة، فإنه قام بتبليغ كل المصالح المعنية ولم يتم تغطيتها إلى حد الآن. ولا تقتصر ظاهرة سرقة أغطية البالوعات بالطرق البلدية، بل تعدتها إلى الطرق السريعة، مثلما هو مسجل على مستوى الطريق الرابط بين المطار وزرالدة، وفي هذا الصدد، أوضح السيد عميروش أن سارقي أغطية البالوعات، صاروا يتفننون في السطو على هذه الممتلكات العمومية، فمنهم من يستغل مركبات نفعية مغطاة، يتم إحداث فوهة كبيرة بحجم البالوعة في أسفل المركبة التي يتم ركنها على مستوى البالوعة، متظاهرين بإصلاحها، ليقوموا برفعها من الداخل، دون أن يتفطن لهم أحد، وللتخفيف من هذه الظاهرة تقوم مديرية الأشغال العمومية بالطرق التابعة لها بتلحيم الأغطية في مكانها، لمنع الاستيلاء عليها. هل هي بداية انتشار الوعي الحضاري؟ رغم هذه السلبيات التي تمس المحيط والممتلكات العمومية، فإن الإستراتيجية التي تعتمدها مصالح ولاية الجزائر، تركز أولا على ضرورة تجسيد المشاريع ذات الصلة بالقطاع، والتي تخصص لها الدولة مبالغ ضخمة، لكي لا تكون هناك حجة للمواطن، وقد بدأ هذا التوجه يعطي ثماره في الميدان، لكن ذلك غير كاف، مثلما يلاحظ بالنسبة لتزيين المحيط، إذ لم يكن المواطنون يقتنعون بأن المساحات الخضراء والورود التي تزين بعض المحاور ستعمر طويلا، لكن ما حدث كان العكس، وفي هذا الصدد ذكر السيد عميروش أن تصرفات الناس بدأت تتحسن، وصارت عندهم غيرة على الممتلكات العمومية، بدليل عمليات التبليغ عن مختلف التجاوزات، وأنه مع مرور الزمن تتحسن الأمور أكثر. ويبقى مشكل نقص التحسيس وغياب الردع من أكبر العوائق التي تحول دون تكوين مواطن يتحلى بالوعي الحضاري والحس المدني، ويشارك بصفة مباشرة في تسيير المحيط والحفاظ على وجه المدن.