مازالت الولاياتالمتحدة تشكل في منظور غالبية الشعب الإيراني العدو الأول لبلادهم؛ ستة وثلاثون سنة منذ اقتحام سفارتها في طهران؛ في سابقة لم تعرفها الدبلوماسية العالمية، تم خلالها احتجاز موظفيها طيلة 444 يوما بلياليها. وعادت مظاهر هذا العداء أمس بنفس حدة السنوات الأخيرة، عندما خرج الآلاف إلى شوارع العاصمة طهران، رافعين شعارات معادية للشيطان الأكبر، تنادي ب "الموت لأمريكا"، محرقين رايتها؛ في تصرف ينمّ عن حقد دفين ضد هذه الدولة التي ينظر إليها الإيرانيون شعبا وساسة، على أنها سبب مشاكلهم ومعاناتهم ومعاناة كل المسلمين. ولم يخرج مرشد الجمهورية الإسلامية آية الله علي خامينائي عن هذه القاعدة، ليؤكد هو الآخر محذّرا الإدارة الأمريكية من تبعات سياسة "العجرفة" التي تنتهجها ضد بلاده ومحاولاتها زرع أذنابها في داخل المجتمع الإيراني؛ على خلفية اعتقال صحفي أمريكي من أصول إيرانية "حاول تنميق صورة "الشيطان الأكبر" في أوساط الرأي العام الإيراني. ويتذكر العالم اقتحام طلبة جامعة طهران مقر السفارة الأمريكية في الرابع نوفمبر 1979؛ عشرة أشهر بعد انتصار الثورة الإسلامية وعودة الإمام الخميني إلى إيران في فيفري من نفس السنة. وتابع الكل أطوار وحلقات مسلسل الاقتحام طيلة 444 يوما، جعلت الولاياتالمتحدة لأول مرة رهينة سياستها الخارجية تجاه دولة كانت تُعد بمثابة حليف استراتيجي لها في منطقة الشرق الأوسط بعد إسرائيل، ضمن حادثة كانت سببا مباشرا في قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، والتي مازالت كذلك إلى اليوم. وبقي العداء مستفحلا بين البلدين رغم توقيعهما يوم 14 جويلية الأخير على الاتفاق النووي، الذي وضع حدا لأكثر من عشر سنوات من حصار اقتصادي على إيران، سمح بإذابة الكثير من الجليد الذي علق بعلاقات البلدين، ولكنه لم يتمكن من إعادة الدفء اللازم لإنهاء ترسبات أكثر من ثلاثة عقود من الجفاء الدبلوماسي والسياسي، والذي بلغ درجة العداء وحتى التهديد بالعدوان. ومازال عامة الإيرانيين يبجّلون ذكرى السفارة الأمريكية ويحيّونها كل عام؛ في تأكيد على عمق الشرخ القائم بين البلدين، والذي يؤكد أن عودة العلاقات بين البلدين ستكون يوم غد. وهو الموقف الذي ما انفك يؤكد عليه مرشد الجمهورية الإسلامية علي خامينائي، الذي حذّر من كل محاولة لأي تقارب مع واشنطن بعد الاتفاق النووي، وقال إن الاختراق الثقافي والسياسي أخطر على إيران من الاختراق الاقتصادي والأمني. وعندما نعرف قوة تأثير علي خامينائي وثقله الديني والسياسي في توجيه الرأي العام الإيراني، نعرف أن العلاقات الإيرانيةالأمريكية مازالت تنتظر الكثير من محاولات التقارب وإذابة الجليد والقضاء على كل القضايا الخلافية. وهو أمر مستبعَد على الأقل خلال الأعوام القادمة إذا سلّمنا بأن إسرائيل تبقى نقطة التنافر التي تعيق كل تقارب بين واشنطنوطهران، التي تنظر إلى الكيان المحتل على أنه العدو الأبدي لإيران وأيضا منافسها الأول في لعب الأدوار الأولى في كل الحسابات الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، ضمن صراع إقليمي دخلت حلبته أيضا العربية السعودية ومصر وتركيا.