يوارى الثرى اليوم الفنان القبائلي القدير، رابح طالب الذي أفل نجمه أمس بعد صراع طويل مع المرض ألزمه الفراش، وأبعده عن الأضواء منذ فترة من الزمن. وقد تمّ عرض جثمان المرحوم طالب رابح بعد ظهر أمس بدار الثقافة "مولود معمري". وفي برقية تعزية وجهها لعائلة الفقيد، عبر وزير الثقافة عز الدين ميهوبي عن تأثره لانطفاء شمعة من شموع الأغنية القبائلية، وقال "تفقد الساحة الفنية الجزائرية واحدا من أبرز وخيرة فنانيها الذين قدّموا الكثير للأغنية الجزائرية عامة والقبائلية بصفة خاصة". للإشارة، ولد صرح الأغنية القبائلية، طالب رابح سنة 1930 بعين الحمام. عرف بشغفه واهتمامه بالموسيقى والأغنية القبائلية، حيث برزت أغانيه من 1955 إلى غاية سنة 1990. وأفنى الفقيد ما يزيد عن 65 سنة من عمره في الإبداع الفني القبائلي بما يفوق 250 أغنية كان ختامها ألبوم يمدح فيه الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قبل اعتزاله الساحة الفنية بسبب معاناته مع القصور الكلوي الحاد. وفي تصريح إعلامي سابق، قال الفنان الراحل إنّه أدّى رسالة الفن من قلبه، حيث عالج مختلف القضايا وغنى عن الثورة والغربة والوطن والأم وآخر عمل له ألبوم يمدح فيه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم يبث بالقناة الرابعة الناطقة باللغة الأمازيغية. وحظي الفقيد بتكريم خاص من طرف وزارة الثقافة سنة 2012 نظير ما قدمه للأغنية الجزائرية وإثرائه الرصيد الثقافي القبائلي بأكثر من 250 أغنية، وكانت أولى خطواته الفنية مع آلة الموندول انطلقت في بداية الخمسينيات من المقاهي الفرنسية عندما غادر مسقط رأسه "تيزيت" في مرتفعات عين الحمام وعمره لم يكن يتجاوز 20 عاما، مما هيأ له فرصة الالتقاء ومخالطة العديد من الفنانين الجزائريين الكبار لينهل من فنّهم الراقي الكثير أمثال محمد الجاموسي، العمراوي ميسوم، الشيخ الحسناوي، سليمان عازم، فنان الثورة فريد علي وغيرهم. وبفضل هؤلاء، تمكّن من فرض نفسه على الساحة الفنية ليصبح من المحترفين بعدما كان هاويا. وقال بأنّه كان يناضل أثناء الثورة التحريرية إلى جانب جبهة التحرير الوطني عندما كان بباريس، حيث يستعمل نشاطه الغنائي كتمويه لربط اتصالات ضرورية من أجل التنقل السري للمناضلين عبر باريس وضواحيها. وسجّل سنة 1959 ثلاث أسطوانات تضم أربع أغاني بتوصية من المدير الفني لمنشورات "باركلاي"، عبد الرحمن ايسكر وهي "إفوك الزيث ذي لمصباح" (انتهى الزيت في المصباح) و«أثعزيزث" (يا لعزيزة) و«وياك ابندام يلهان" (إياك أيها الإنسان الجيّد) ولاقت هذه الاسطوانات رواجا كبيرا وإعجابا لدى الجمهور خاصّة المغتربين. عند عودته إلى أرض الوطن بتاريخ 5 فيفري 1962 توّقف لفترة قصيرة عن الغناء عندما وجد قريته دمّرها المستعمر الفرنسي وشرّد عائلته، حينها قرر ترميم ما تبقى من مسكنه وتنقل للعيش مع أسرته الصغيرة في برج الكيفان بالجزائر العاصمة، وهناك بدأ العمل في الإذاعة رفقة مولود شيكاوي الذي كان يشرف على تنشيط حصة إذاعية موجهة للمغتربين تحت عنوان "إيغربن أكن مثلام، أدسلام إصوث إيمولان" (أيها المغتربون ستستمعون إلى صوت الأهل) وكان طالب رابح يرافق الحصّة بمقاطع موسيقية، كما أشرف فيما بعد على تنشيط حصة (احليل وين يزران، احليل وين اورنزري) التي تبث مرة في الأسبوع على مدار سنوات. وسجل بالتعاون مع الفنان الكبير كمال حمادي عدّة أغاني خاصة بالثورة التحريرية على غرار "اتسرت ولنيو" (بكت عيناي)، و«مثشفام أيقوذار" (أيتها الطيور هل تتذكرين)، "ايسم اعززن امشلي"، "اتسنذيغ افزهريو" و«اثدزايريث" وغيرها من الأغاني الأخرى التي لا تزال إلى حد الآن تصنع مجده.