أحيت المكتبة الوطنية سهرة أوّل أمس الأحد أربعينية الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش الذي وافته المنية في 9 أوت من العام الجاري عن عمر يناهز 66 عاما. وفي كلمة ألقاها بالمناسبة أشاد المدير العام للمكتبة الوطنية السيد أمين الزاوي بالفقيد -قائلا- أنّ الشاعر الراحل محمود درويش "لم يكن فقط شاعر القضية الفلسطينية بل كان شاعر الإنسانية وكان درويش متنبي هذا العصر بامتياز..كان شاعرا في اللغة العربية التي بين أصابعه تصبح بقدرة قادر تارة وردا وتارة أخرى مدفعا". وأضاف الزاوي مؤكّدا أنّه "على الجزائر أن تعيد الشاعر محمود درويش إلى القارئ الجزائري وإلى الذاكرة الشعرية الجزائرية باعتبار أن على هذه الأرض كتب الشاعر الراحل "الإعلان العالمي لتأسيس الدولة الفلسطينية" سنة 1988". وأعلن المتحدث أنّ المكتبة الوطنية سوف تنظّم قراءات مفتوحة بمناسبة اليوم العالمي لمحمود درويش الذي أقرّه المهرجان الدولي للأدب بألمانيا والذي يصادف 5 أكتوبر بما يؤكّد أنّه تجاوز بشعره وحضوره الثقافي والإنساني المميّزكلّ الحدود محطّما قيود الوطنية الضيّقة والانتماءات الصغرى ليكون بحقّ صوت فلسطين الحضاري المتواصل بآلامه وأحزانه وطموحاته مع روح العصر والفكر الإنساني العالمي المبدع. من جهته، أكّد السفير الفلسطينيبالجزائر السيد محمد الحوراني أنّ "الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإنسانية المؤمنة بقيم الحرية والعدالة فقدوا فيلسوفا وشاعرا كبيرا اسمه محمود درويش الذي في سياق حياته انتمى إلى القيم المتعلّقة بالبشر أينما كانوا في فلسطين أو في الجزائر أو في الفيتنام وهو شاعر الثورة وشاعر الإنسانية قاطبة"، ذاكرا عبارة قالها له رئيس الجمهورية حينما قدّم له أوراق اعتماده "أنتم دائما تشفع لكم فلسطين ويشفع لكم محمود درويش". وأشاد الأستاذ عثمان بيدي بالشاعر محمود درويش مؤكّدا أنّه "ظاهرة شعرية عالية وشعره حوّله لظاهرة جماهيرية وشعبية تستقطب ألاف الأشخاص حينما يلقي أشعاره" مضيفا " أنّه خسارة كبيرة للإنسانية "، وقد تمّ بهذه المناسبة تدشين جناح الآداب والعلوم الإنسانية باسم الشاعر الفقيد محمود درويش كما تمّ افتتاح معرض خاص بالكتاب الفلسطيني. ولد محمود درويش عام 1941 في قرية البروة التي دمرتها إسرائيل عام 1948 لتبنى في مكانها قرية زراعية يهودية باسم "احي هود"، نشأ وترعرع هناك واعتقل ثلاث مرات (1961 و1965 و1967) من طرف القوات الإسرائيلية ثم فرضت عليه إقامة جبرية بسبب تصريحاته ونشاطاته السياسية، وهو ثاني اكبر أربعة أخوة وثلاث أخوات، كان في السابعة من العمر عندما حصلت النكبة عام 1948 وتشرد الفلسطينيون مع إعلان دولة إسرائيل، إذ احتل الجيش الإسرائيلي قريته البروة فغادرت العائلة إلى لبنان لمدة سنة فقط قبل أن تعود سنة 1949 لتجد القرية وقد دمّرت على غرار 400 قرية فلسطينية أخرى، فعاش لفترة قصيرة في قرية دير الأسد في الجليل، قبل أن يستقر في قرية الجديدة المجاورة لقريته البروة. تنقل محمود درويش بين قرى الجليل حيث تلقى دروسه الابتدائية والثانوية واستقر في شبابه في مدينة حيفا، ويروي درويش أنّ جدّه اختار "العيش فوق تلة تطلّ على أرضه وظلّ حتى وفاته يراقب المهاجرين (اليهود) يعيشون في أرضه التي لم يكن قادرا على زيارتها". ويقول أيضا أنّه بدأ يكتب الشعر وهو في السابعة، وكان الأوّل في موجة من الشعراء الذين كتبوا من داخل إسرائيل عندما كانت رئيسة الحكومة الإسرائيلية في تلك الفترة غولدا مائير تقول علنا "لا يوجد فلسطينيين"، يصف درويش الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين بأنّه "صراع بين ذاكرتين" وتتحدى قصائده المعتقد الصهيوني القائل عن فلسطين "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض". غادر درويش في عام 1972 حيفا إلى موسكو ثمّ إلى مصر حيث التحق بمنظمة التحرير الفلسطينية ومنها انتقل لبيروت، حيث ترأس مركز الأبحاث الفلسطينية وشغل منصب رئيس تحرير مجلة "شؤون فلسطينية"، وبعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان وخروج المقاتلين الفلسطينيين عام 1982، توجّه للقاهرة ومنها لتونس ثم باريس. كانت له إلى جانب كتابات الشعر إسهامات سياسية بارزة في مقدّمتها كتابة "إعلان الاستقلال الفلسطيني " الذي نشر في الجزائر 1988 لكنه استقال من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير احتجاجا على اتفاق أوسلو عام 1993، وسمحت له السلطات الإسرائيلية بالدخول إلى الأراضي الفلسطينية عام 1996 حيث أقام في رام الله. نشر الشاعر محمود درويش آخر قصائده في 17 جوان الماضي بعد سيطرة حركة حماس على قطاع غزة تحت عنوان "أنت منذ الآن غيرك" انتقد فيها التقاتل الفلسطيني، حيث قال: "هل كان علينا أن نسقط من عُلُوّ شاهق، ونرى دمنا على أيدينا... لنُدْرك أننا لسنا ملائكة.. كما كنا نظن؟ وهل كان علينا أيضاً أن نكشف عن عوراتنا أمام الملأ، كي لا تبقى حقيقتنا عذراء؟ كم كَذَبنا حين قلنا: نحن استثناء !أن تصدِّق نفسك أسوأُ من أن تكذب على غيرك!". حقّق ديوانه "أوراق الزيتون" (1964) ثم "عاشق من فلسطين" (1966) نجاحا كبيرا وذاع صيته كشاعر مقاومة وهو في مطلع العشرينات، وتحوّلت قصيدته الشهيرة "بطاقة هوية" التي يخاطب فيها شرطيا إسرائيليا لصرخة تحد جماعية للاحتلال الإسرائيلي، يقول فيها "سجل أنا عربي ورقم بطاقتي 50 ألفا" ما أدّى إلى اعتقاله عام 1967. حصل محمود درويش على عدد من الجوائز منها جائزة لويس عام 1969، جائزة البحر المتوسط عام 1980، درع الثورة الفلسطينية عام 1981، لوحة أوروبا للشعر عام 1981، جائزة ابن سينا في الاتحاد السوفيتي عام 1982، جائزة لينين في الاتحاد السوفيتي عام 1983، جائزة الشعر العربي 2007 بالقاهرة. أما أبرز مؤلّفاته فهي: "عصافير بلا أجنحة"، "أوراق الزيتون"، "عاشق من فلسطين"، "آخر الليل"، "مطر ناعم في خريف بعيد"، "يوميات الحزن العادي"، "يوميات جرح فلسطيني"، "حبيبتي تنهض من نومها"، "محاولة رقم 7"، "أحبك أو لا أحبك"، "مديح الظل العالي"، "هي أغنية..هي أغنية" ، "لا تعتذر عما فعلت"، "عرائس"، "العصافير تموت في الجليل"، "تلك صوتها وهذا انتحار العاشق"، "حصار لمدائح البحر"، "شيء عن الوطن"، "ذاكرة للنسيان"، "وداعا أيتها الحرب وداعا أيها السلم"، "كزهر اللوز أو أبعد"، "في حضرة الغياب"، "لماذا تركت الحصان وحيدا؟" و"بطاقة هوية".