استيقظت الجدة قبل موعد السحور وراحت تقفز معتمدة على عصاها إلى أن وصلت إلى المطبخ حيث جلست تنتظر أفراد الأسرة... بعد وقت ليس بالقصير دخلت عليها الخالة زهور وهي تتعوذ بالله من الشيطان الرجيم لأنها لم تكن تنتظر أن تجد أمها بالمطبخ .. لقد فزعت فعلا الخالة زهور من والدتها... ابتسمت الجدة وطلبت من ابنتها أن توقظ زوجها فاحتارت ابنتها وبدت على وجهها علامات استفهام كبيرة... فذهبت الخالة زهور لتوقظ زوجها وأبناءها. دخل الابناء إلى المطبخ وتبعهم والدهم ولما رأته الجدة يدخل إلى المطبخ ويهم بالجلوس على أحد الكراسي صاحت : حمدااااان ...فانتفض صاحبنا ووقف وقفة الجندي المستعد.. وهنا بدأ أولاده يتغامزون ويتهامزون ويضحكون على أبيهم، وأردفت الجدة قائلة : "لا تنس اليوم موعد المستشفى " ... فنظر إليها العم حمدان نظرة اختلط فيها الغضب بالتعجب ، وقال : "الآن فقط استيقظت وقلت باسم الله ..انتظري حتى الصباح وربي يفرج " . أخذت الجدة تدير شفتيها إلى اليمين وإلى الشمال بسرعة فائقة لأن كلام زوج ابنتها لم يعجبها ، بعد تسحرهم عاد الجميع إلى فراشهم وناموا عدا الجدة التي ظلت بالمطبخ. في الصباح استيقظ العم حمدان ..خرج من غرفته ومر بالمطبخ الذي كان بابه مفتوحا وأخذ يطل بداخله خفية فرأى حماته نائمة ففرح وأخذ يمشي على أطراف أصابعه إلى أن جهز نفسه وخرج .. استيقظت الخالة زهور فوجدت والدتها نائمة بالمطبخ فأيقظتها، سألت الجدة عن حمدان فأجابتها ابنتها بأنه خرج قبل أن تستيقظ. غضبت الجدة وطار برج من رأسها .. وراحت تولول لأن زوج ابنتها ذهب وتركها وهو يعلم أن اليوم هو موعد نزعها للجبس، طلبت الجدة من ابنتها أن تساعدها على النهوض .. فكرت الجدة في الذهاب إلا أنها تراجعت في آخر المطاف .. وبقيت طيلة ذلك اليوم غاضبة.. وهي في تلك الحال لم تتردد فتيحة المشاكسة في اخبار جدتها بأن والدها هرب من البيت قبل أن تستيقظ حتى لا يأخذها إلى المستشفى.. فيزداد غضب الجدة على العم حمدان. كان العم حمدان يتجول بشوارع المدينة ويتوقف عند مختلف المحلات .. ولم يعد إلى بيته إلا قبيل الآذان .. لم تكلمه الجدة واكتفت بالنظر اليه نظرات غضب وهي تتوعده في قرارة نفسها بالانتقام منه .. دخل العم حمدان إلى غرفته وعندما سمع آذان المغرب هم بالخروج لكن حماته المشاغبة كانت قد أقفلت عليه الباب من الخارج بمفتاح الغرفة الذي أخذته من بابها دون أن ينتبه لها أحد.. حاول العم حمدان فتح الباب إلا أنه فشل في ذلك... راح يضرب الباب لكن لم يسمعه أحد. اخذ العم حمدان يدور كالثور الهائج في الغرفة وهو يعلم بأن هذا العمل هو من عمل حماته .. استغرب الأبناء عدم وجود أبيهم فأخذوا يتساءلون عنه وهم حول مائدة الافطار ، لكن الجدة كانت ترد عليهم بقولها بأنه ربما يكون قد خرج. وهنا سمعوا قرعا على الباب ينبعث من غرفة والدهم فاتجهوا نحوها وعلموا بأن الوالد مسجون داخل الغرفة فعادوا جميعهم إلى الجدة وأخذوا ينظرون اليها لكنها لم تعرهم أي اهتمام وراحت تأكل ما لذ وطاب من الطعام.. فطلبوا منها اعطاءهم المفتاح ... لكنها لم تفعل الا بعد جهد جهيد .. حرر الأبناء أباهم من سجنه وما إن خرج حتى قال لحماته : "أنت من فعلها ...طيب ياحماتي الغالية ..افعلي ما يحلو لك "، لكنها كانت تضحك والدموع تنزل من عينيها. أفطر العم حمدان وخرج متوجها إلى المقهى حيث التقى بصديقه علال .. طلب العم حمدان فنجان قهوة له وفنجان شاي لصديقه .. فجاء النادل وهو يحملهما إلا أن العم حمدان في هذه اللحظة استدار لأنه تعب من وضعية جلوسه فاصطدمت رجله برجل النادل مما جعل القهوة والشاي ينسكبان على ملابسه .. فنهض صاحبنا وهو غاضب وراح يصرخ في وجه النادل وكان قد بقي القليل من القهوة بالفنجان فأخذها وأفرغها على رأس النادل الأصلع .. ثم خرج ومن ورائه علال الذي ترجاه ليعود ويحدثه في الموضوع الذي طلبه من أجله، لكن دخان الغضب كان يخرج من أذنيه فانغلقت أذناه وعيناه .. وعاد إلى البيت دون أن يتحدث إلى صديقه في الموضوع الذي طلب من أجله اللقاء معه.