يعتبر شهر محرم الشهر الأول من الأشهر الهجرية، وهو أحد الأشهر الأربعة الحرم، التي لا يحبذ للمسلمين القتال فيها. فهو شهر عظيم ومبارك، وأحد الأشهر الحرم التي تم ذكره في القرآن الحكيم، حيث قال الله تعالى: "إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض، منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم.." (الآية 36 سورة التوبة). وعن أبي بكر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاثة متواليات: ذو القعدة، ذو الحجة، محرم و رجب مضر الذي بين جمادى وشعبان" (رواه البخاري 2958). والمحرم سمي بذلك لكونه شهرا محرما وتأكيدا لتحريمه. من فضائل هذا الشهر، ارتباطه بهجرة النبي الكريم من مكةالمكرمة إلى المدينةالمنورة وبهذه الهجرة بدأ التأريخ الهجري أوالتقويم الهجري. إضافة إلى أنه موسم توجب فيه الزكاة على الأموال التي دار عليها الحول لتطهر صاحبها من ذنوبه وتدخل البهجة والسرور على الفقراء والمساكين ومن بين الأعمال المحبوبة والمفضلة في هذا الشهر المميز، الإكثار من صيام النافلة. عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم" (رواه مسلم 1982). قوله: (شهر الله)، إضافة الشّهر إلى الله إضافة تعظيم، ثبت أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يصم شهرا كاملا قط غير رمضان فيحمل هذا الحديث على الترغيب في الإكثار من الصّيام في شهر محرم لا صومه كله. كذلك فيه يوم عاشوراء العظيم، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينةالمنورة، فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال ما هذا، قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله نبي إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، قال عليه أفضل الصلاة وأزكى تسليم: فأنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه". (رواه البخاري 1865). وصيام عاشوراء كان معروفا حتى على أيام الجاهلية قبل البعثة النبوية، فقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت "إن أهل الجاهلية كانوا يصومونه".. قال القرطبي: لعل قريشا كانوا يستندون في صومه إلى شرع من مضى كإبراهيم عليه السلام. وقد ثبت أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومه بمكةالمكرمة قبل أن يهاجر إلى المدينةالمنورة، فلما هاجر إلى المدينةالمنورة وجد اليهود يحتفلون به فسألهم عن السبب فأجابوه كما تقدم في الحديث وأمر بمخالفتهم في اتخاذه عيدا كما جاء في حديث أبي موسى رضي الله عنه قَال: كان يوم عاشوراء تعده اليهود عيدا. وفي رواية مسلم: "كان يوم عاشوراء تعظمه اليهود تتخذه عيدا" ، وفي رواية له أيضا: "كان أهل خيبر (اليهود) .. يتخذونه عيدا ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم"، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فصوموه أنتم" (رواه البخاري). وظاهر هذا أن الباعث على الأمر بصومه محبة مخالفة اليهود حتى يصام ما يفطرون فيه لأن يوم العيد لا يصام. وعن فضل صيام يوم عاشوراء، عن ابن عباس رضي الله عنهما: "ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضله على غيره، إلا هذا اليوم يوم عاشوراءِ وهذا الشهر يعني شهر رمضان" (رواه البخاري 1867). معنى "يتحرى" أي يقصد صومه لتحصيل ثوابه والرغبة فيه. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "صيام يوم عاشوراء، إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله" (رواه مسلم 1976)، وهذا من فضل الله علينا أن أعطانا بصيام يوم واحد تكفير ذنوب سنة كاملة والله ذو الفضل العظيم. أي يوم هو عاشوراء قال النووي رحمه الله: عاشوراء وتاسوعاء اسمان ممدودان، هذا هو المشهور في كتب اللغة، قال أصحابنا: عاشوراء هو اليوم العاشر من محرم، وتاسوعاء هو التاسع منه هذا مذهبنا، وبه قال جمهور العلماء. استحباب صيام تاسوعاء مع عاشوراء روى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه، قالوا يا رسول الله: إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع. قال فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم" (رواه مسلم 1916). قال الشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق وآخرون: "يستحب صوم التاسع والعاشر جميعا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صام العاشر، ونوى صيام التاسع".. وعلى هذا فصيام عاشوراء على مراتب أدناها أن يصام وحده وفوقه أن يصام التاسع معه وكلما كثر الصيام في محرم كان أفضل وأطيب. الحكمة من استحباب صيام تاسوعاء قال النووي رحمه الله: ذكر العلماء من أصحابنا وغيرهم في حكمة استحباب صوم يوم تاسوعاء أوجها منها: مخالفة اليهود في اقتصارهم على العاشر، وصل يوم عاشوراء بصوم، كما نهى عن صوم يوم الجمعة وحده، ذكرهما الخطابي وآخرون والاحتياط في صوم العاشر خشية نقص الهلال ووقوع خطأ، فيكون التاسع هو العاشر. صيام عاشوراء ماذا يكفر؟ قال الإمام النووي رحمه الله: يكفر كل الذنوب الصغائر، وتقديره يغفر ذنوبه كلها إلا الكبائر. ثم قال رحمه الله: صوم يوم عرفة كفارة سنتين ويوم عاشوراء كفارة سنة، وإذا وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه.. فياله من شهر مميز وعظيم عند المولى جل وعلا، لذا نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل سنة نبيه الكريم وأن يحيينا على دينه الإسلام.