تعد الأديبة والمبدعة المتألقة والإعلامية زهرة بوسكين واحدة من الوجوه النسائية اللواتي استطعن أن يفرضن أنفسهن على الساحة الأدبية الوطنية والعربية، والدليل إدراجها ضمن أنطولوجيا عالمية للشعر الحديث، «المساء» التقت بها وأجرت معها هذه الدردشة: ❊ كيف تقيّمين الحركة الإبداعية في الجزائر خلال العشرية الأخيرة؟ ❊❊ الحركة الأدبية والإبداعية عندنا قطعت شوطا مهما في السنوات الأخيرة من حيث الكم والكيف، أي من حيث ظهور العديد من الأسماء الجيدة في الساحة وأيضا من حيث نوعية الأعمال المنتجة في الشعر والقصة والرواية والمسرح والنقد. أكيد لا يمكن أن ننفي وجود جانب من الرداءة، لكن يبقى ذلك للتاريخ، هو من يغربل، وأكيد، قانون الطبيعة الصالح في كل زمان ومكان هو أن البقاء للأصلح، لذلك علينا أن ننظر إلى النصف المملوء من الكأس فنجد ما يثلج الصدر في مجال الإبداع بأشكاله المختلفة، وأكيد دعم الدولة لهذا المجال كان أحد العوامل المساعدة على الانتعاش الثقافي، خاصة أن الجزائر عاشت حقبة عصيبة انعكست على كل جوانب الحياة، بما فيها الثقافة والإبداع. ❊ وفي كل ما ذكرته، ما موقع أدب المرأة في كل هذا؟ ❊❊ المرأة فاعلة في الوسط الأدبي كالرجل تماما ولا فرق بينهما، وفي الحقيقة أنا لا أؤمن بما اصطلح عليه أدب المرأة، لأنه يقزّم من الإبداع ويربطه بتقسيم جنسي تجاوزه الزمن، بل يوجد نص أدبي إما أن يكون جيدا أو رديئا، هذا هو التصنيف الوحيد الذي يصلح في كل العالم وفي كل وقت، إذا تحدثنا عن أدب المرأة فنهين الأدب ونهين المرأة، يوجد إبداع يفرض نفسه قد تكتبه امرأة وقد يكتبه رجل، لا فرق، المهم جودة النص ومدى إمتاعه للمتلقي، وأدبنا الجزائري يزخر بأسماء إبداعية صنعت مكانها ومكانتها داخل وخارج الجزائر بفضل النص الإبداعي فقط. ❊ هل أنت متفقة مع من يقول: «إن الرواية هي الفن الأكثر ملاءمة للزمن الحالي»؟ ❊❊ الرواية جنس أدبي يلائم كل الأزمنة كغيره أيضا من الأنماط الإبداعية من شعر وقصة ومسرح، ربما النّص السردي يمنح الكاتب حرية أكبر ليغوص في مكامن الوجود، والعبرة في جودته ومستواه وبما يطرح من أفكار لأن الجوهر دائما أهم وأبقى من الشكل. ❊أيّهما أكثر صدقا في الكتابة الإبداعية الرجل أم المرأة؟ ❊❊ يصعب تحديد هذا، لأن النص كما قلت سابقا لا يرتبط بجنس كاتبه بل بمستواه وما يحمل من أفكار وإبداع، وهو الفيصل الذي يحدد صدق كاتبه، النص الصادق هو الأبقى وهو الذي يصل إلى القارئ دائما ولا ينتهي، لا يكون عابرا فقط لأن القضايا الإنسانية لا تسقط بالتقادم. ❊ ما هو جديدكم؟ ❊❊ لي إصداران جديدان أعتز بهما وأعتبرهما إضافة مهمة، الأول مجموعة شعرية عنوانها «غوايات المعنى» جمعت فيها نصوصا تفاوتت بين القصيدة التفعيلة والنثرية والهايكو، أما الثاني فهو إصدار علمي أكاديمي في مجال علم النفس الذي هو تخصصي الثاني بعد الإعلام، كتابي صدر في الأردن عنوانه «حديث القضبان»، يناول اضطراب ما بعد الصدمة النفسية عند المرأة القاتلة، وهذه الدراسة بدأت إعلاميا من خلال تحقيق ميداني لبرنامجي «نبض الواقع» حول حياة نساء قاتلات بعد انقضاء العقوبة، ثم توسعت فيها لأعطيها جانبا أكاديميا يتناول أحد أهم وأصعب الاضطرابات النفسية، لتشمل الدراسة نساء أيضا وراء القضبان يروين تجاربهن وكيف تحولت الأيادي الناعمة إلى أياد قاتلة.. وهذه القضايا المسكوت عنها بحاجة إلى الطرح والدراسة من مختلف الزوايا، لا يجب أن يختفي المجتمع وراء طابوهات زائفة كبرت بالصمت والتنكر، يجب على البحث العلمي أن يخترق الممنوع ليحل عقده وينير زواياه المظلمة، وهذا الكتاب أعتبره خطوة بسيطة وأولى في مجال علم النفس، أكيد يحمل العديد من النقائص ككل دراسة لكنه إضافة أيضا أتعلم من خلالها. ❊ كيف استقبلتم خبر إدراجكم ضمن أنطولوجيا عالمية للشعر الحديث؟ ❊❊ والله استقبلت الخبر بسعادة وعرفان لمن اهتموا بنصوصي، لعلمكم أن هذه الانطولوجيا صدرت بالتعاون بين المؤسسة العربية الأوربية للسلام في هولندا والمعهد الإفريقي الدولي للسلام ببلجيكا، وضمت كوكبة من الأسماء من مختلف الجنسيات مع ترجمة للنصوص المنشورة إلى عدة لغات، وأعتز بهذه الخطوة التي تمنحني جرعة إضافية لتقديم المزيد. ❊ لمن تكتبين؟ ❊❊ أكتب للقارئ كيفما كان، هو أنواع وكل قارئ يقرأ النص أو العمل بنفسيته هو ويقوم بإسقاطاته البسيكولوجية على النص، وأحب أن يحتوي نصي هذا القارئ على اختلاف معاشه النفسي. ❊ ما رأيك في الجوائز المختلفة التي تمنح لأحسن الأعمال الإبداعية؟ -- أرى بأنّ الجوائز مهمة بالنسبة لأي إبداع ولكل مبدع، الجوائز العربية والدولية خاصة تنصف المبدع كثيرا، خاصة تلك التي تمنحها هيئات لها سمعتها ووزنها، والمعيار فيها هو النص لا غيره، وعندنا في الجزائر تجربة في تنظيم المسابقات ومنح الجوائز لكنها مع الأسف فقدت مصداقيتها، لأن معيار النص في درجة متأخرة، منحت عندنا جوائز للمحاباة، ومنحت جوائز السوسيال، مثلا، أذكر منذ سنوات تم منح جائزة وطنية لشاعر (جيد)، لكن مع الأسف لم يكن المعيار هو نصه، بل اتفق أفراد اللجنة على ذلك لأنه مقبل على الزواج وبحاجة لمبلغ مالي.. مثلا، لذلك تبقى الجوائز العربية والدولية حافزا مهما يشجع ويمنح نفسا أقوى على مواصلة الدرب وتقديم الأفضل، أنا لي ثلاث جوائز عربية وأعتبرها تأشيرة دخلت بها بلدي الجزائر، عندنا يكون الاهتمام بمن يفرض نفسه ومن خارج الحدود. ❊ إلى ماذا ترجعون أزمة القراءة عندنا؟ ❊❊ أزمة القراءة عندنا تدخل في إطار أزمة عامة نعيشها على جميع المستويات، نفسيا واجتماعيا واقتصاديا، الكتاب باهظ الثمن ليس في متناول الجميع هذا سبب مهم، نعيش على المستوى الاجتماعي صراعات يومية وعنفا رمزيا حتى في أبسط تفاصيل يومياتنا، كل هذا يأخذ الحيز الأكبر وينعكس الوضع على نفسيتنا المتعبة فكيف نقرأ؟ وأقول التلميذ الذي لم يعد يعرف في المدرسة حصص المطالعة ولم يعد يعرف في البيت قصص وحكايات الجدات والأمهات قبل النوم، كيف يمكنه أن يكون قارئا؟ كيف يمكن للطفل الذي يرى في بيتهم مكتبة لكنها تزخر بالأواني والصحون والفناجين ولا تحتوي على أي كتاب لكنها تسمى مكتبة، فأية ثقافة سيتعلمها وكيف سيتكون لديه مفهوم المكتبة؟؟ هذه ظاهرة خطيرة داخل الأسرة الجزائرية، أين تتقلص قيمة الكتاب إلى أدنى مستوى من الصحن والفنجان وطواقم الأواني ويصطلح على خزانة خصصت للأواني بالمكتبة، أكيد هذا ينتج شرخا في المفاهيم والصور الذهنية التي يبنيها الطفل، وأعتقد أنّ القراءة ليست مجرد هواية لملء الفراغ، بل هي ثقافة يجب غرسها منذ التنشئة الأولى للإنسان حتى نجني ثمارها. ❊ هل من كلمة أخيرة؟ ❊❊ أشكركم كل الشكر على هذه المصافحة وألف تحية ليومية «المساء» لاهتمامها بالفعل الثقافي والأدباء والمبدعين.