كشفت مصادر مسؤولة أمس ل«المساء»، عن أن الرئيس بوتفليقة يحرص شخصيا على أن تكون التشريعيات القادمة مفصلية في تجذير الديمقراطية، واستحقاقا انتخابيا يكرس تعددية حزبية تمثيلية حقيقية للفعاليات السياسية ميدانيا وبرلمانيا. وتضيف نفس المصادر بأن رئيس الجمهورية يعمل على أن تكون الانتخابات القادمة منطلقا لتجسيد التزاماته وتعهداته التي جاء بها دستور 2016. ومن ثمة فإنه لن يقبل بأي خدش أو مس أو «تشويه» أو تصرفات أو محاولات لإلحاق «الأذى» بالعملية الانتخابية من أي طرف كان. فهو عازم كما تقول المصادر على أن تحقق تشريعيات ماي القادم (على أقصى تقدير) إجماعا وطنيا من كل المشاركين والسياسيين ومختلف فعاليات المجتمع الجزائري على أنها الأنجح والأكثر شفافية ووضوحا، لأن الهدف الأكبر والأوحد هو تحقيق الإستقرار وتجذير ممارسة سياسية ديمقراطية تتداول بين الأحزاب التي عليها أن تنتزع حضورها ووجودها ووزنها وشرعيتها من الناخبين والشعب دون سواهم، وأن تكون مرجعيتها الدستور وقوانين الجمهورية وضوابط الأمة لا غير.المصادر اعتبرت أن المتخلفين عن المشاركة في الانتخابات التشريعية القادمة والمقاطعين لها، سيخسرون الكثير في مجال التموقع في المشهد السياسي الجديد الذي سيتمخض عنه هذا الموعد الانتخابي الهام. وأجزمت هذه المصادر على أن التشريعيات القادمة ستكون نقطة تحول جوهري وجذري في الممارسة الحزبية والسياسية وفي العملية الانتخابية برمتها، في ظل المتغيرات التي تطبع العملية هذه المرة، ومن أبرزها الدستور الجديد، وحرص الرئيس وتعليماته للسلطات العليا في البلاد على استكمال الإصلاحات السياسية وتعميقها وتكريسها بشكل فعلي في الميدان. هذا الواقع الجديد الذي تكرسه الضمانات القوية التي جاء بها الدستور المراجع، وتدعمها إرادة السلطات العليا في البلاد التي بادرت بمسار كامل لتعميق الإصلاحات السياسية، تجد سندا قويا لها من الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات، التي تعهد رئيسها عبد الوهاب دربال خلال أول اجتماع لها، بالسهر على حماية أصوات الشعب وفرض احترام خياراته. كما تبرز إرادة السلطات العمومية وعزمها على التكريس الفعلي لحرية خيار الشعب وتعزيز دعائم الممارسة الديمقراطية، من خلال التعليمات الصارمة التي وجهتها وزارة الداخلية للولاة، الذين حددت لهم دور المرافق اللوجيستي والحياد التام والسهر على شفافية الموعد الانتخابي القادم، وضمان التنافس النزيه بين الأحزاب السياسية المشاركة في هذا الاستحقاق بما يضمن احترام القوانين، ثم كان التأكيد مجددا من طرف وزير العدل حافظ الأختام أمس الأول في تعليماته للهيئات القضائية، التي حثها على القيام بدورها كاملا وعدم التردد في تطبيق القانون بكل صرامة لضمان نزاهة هذه الاستحقاقات وحماية سيرورتها بقوة القانون، وتشديده في نفس السياق على وجوب استعداد أعضاء النيابة العامة، استعدادا جيدا للانتخابات التشريعية القادمة، قصد التصدي لأية محاولة غش أو تزوير أو محاولة المساس بهذه العملية. ومن هذا المنطلق، ثمنت مصادرنا الحس الكبير الذي تحلت به الأحزاب التي أعلنت مشاركتها في الموعد الإنتخابي، لاسيما تلك التي اعتادت لبس ثياب المقاطعة. كما لفتت إلى إدراك وتحسس الأحزاب الإسلامية حقيقة الواقع الجديد الذي أفرزته إرادة الرئيس بوتفليقة في تعميق الإصلاحات وحرصه على استكمال هذا المسار، من خلال التطبيق الحقيقي لكل محاوره، ثم تعيينه لشخصية تحظى باحترام وتقدير الجميع في نزاهتها وكفاءتها واستقلاليتها، حتى وإن تحسب على التيار الإسلامي المعارض، على رأس الهيئة العليا لمراقبة الانتخابات. تقول المصادر بأن مستجدات إيجابية تبلورت وأن تغييرات رافقت هذا المسار وانتهى معها زمن «الكوطات» وتوزيع الحصص الدنيا لضمان التوازن السياسي، كلها مستجدات دفعت الأحزاب الإسلامية إلى استباق الواقع الجديد، وإعلان تحالفاتها الإستراتيجية التي ستدخل بها الإنتخابات القادمة قبل ترقيتها إلى اندماج أو وحدة لتقوية تركيبتها السياسية. في وقت يبقى الترقب بشأن ما ستقرره الأحزاب الأخرى المحسوبة على التيارين الديمقراطي والوطني، وحول كيفية تعامل هذه الأخيرة مع المشهد الجديد، خاصة في ظل الاهتزازات الخفيفة وبعض الخلافات الشخصية التي يشهدها بعضها من حين لآخر. تأتي كل هذه المستجدات في ظل تحرك العديد من العواصم الأوروبية والأمريكية على الخصوص، من خلال سفاراتها بالجزائر وسعيها منذ أكثر من شهر عبر عمليات لسبر آراء ومواقف ورؤى الأحزاب السياسية وبعض الشخصيات الوطنية والمثقفين والإعلاميين، إلى تحسس التوجه الذي تسير عليه البلاد، على ضوء الأحداث التي عرفتها بعض الولايات في الفترة الأخيرة والاستحقاقات التي تستعد الجزائر لخوضها خلال العام الجاري، وكذا جدية النظم والتشريعات الجديدة التي تأتي لتعمق مسار الإصلاحات السياسية التي توجت بدستور جديد، لم يتوان بعض رجال القانون بوصفه «من أحسن الدساتير في العالم.. سفارات تواصل «استضافة» مدعويها (طبعا وفق قوائم أعدت سلفا لجمع الاستطلاعات...). في هذا الإطار، أبرزت مصادر «المساء» أهمية التجنيد من أجل المشاركة القوية للشعب الجزائري في هذا الموعد الإنتخابي الهام، وعدم تفويت فرصة الإسهام في التحول الحقيقي الذي سيبدأ بتشكيل برلمان قوي من حيث التمثيل وبشرعية غير مطعون فيها. برلمان يستمد قوته من النزاهة التي تحرص السلطات العليا في البلاد وكافة الفاعلين في تنظيم وتأطير ومراقبة الإنتخابات على تكريسها خلال هذا الموعد المفصلي المقرر في الربيع القادم، ليكون بالتالي موعد تشريعيات 2017 التي ستشهدها البلاد، ربيعا جزائريا ديمقراطيا بامتياز. وفضلا عن كونها ترجمة للدستور الجديد ونقلة نوعية في العملية الإنتخابية الشعبية، التي تستند إلى القوانين التي جاءت بها الإصلاحات السياسية، على غرار قانون الإنتخابات ولاحقا الأحزاب، ينتظر أن تشكل الإنتخابات التشريعية القادمة منطلقا في العمل الحزبي النوعي، القائم على أساس التمثيل الحقيقي والشرعي للشعب والداعم لمبدأ الديمقراطية التشاركية المراد ترسيخها في المجتمع. أحزاب الموالاة هي الأخرى أدركت بدورها إرادة رئيس الجمهورية وعزمه على جعل الموعد الإنتخابي القادم يتسم بأكبر قدر من النزاهة والشفافية والحرية في الترشح والاختيار، في كنف الحيادية التامة للإدارة، لذلك عمدت هذه الأحزاب إلى قطع الطريق أمام الممارسات السلبية التي عكرت فيما مضى أجواء المواعيد الإنتخابية، سواء من خلال استعمال «الشكارة» لشراء المراتب الريادية في قوائم الترشيحات، أو استغلال المناصب الرسمية لضمان الترشح دون المرور على القواعد. هذه الأحزاب وغيرها أدركت اليوم أكثر من أي وقت مضى، بأن الممارسة الديمقراطية الشفافة التي تضمن الشرعية في التمثيل، تبدأ من داخل الأحزاب السياسية ذاتها، قبل أن تصل إلى الشعب الذي نفرته تلك التصرفات السلبية من ممارسة حقه وواجبه في الإنتخاب والتغيير السلمي المشروع. من خلال كل ما تقدم، يبدو جليا أن الإنتخابات القادمة ستكون منطلقا يتحمل فيه الشعب الجزائري قبل غيره، مسؤولية ونتائج اختياراته بكل قناعة وحرية وفق الثوابت المكرسة في الدستور والقانون. كما تتحمل الأحزاب السياسية المشاركة في هذا الموقع مسؤوليتها في ما قد يترتب عن تقصيرها في جانب التحضير الجيد والتجنيد والتحسيس والمراقبة التي تضمن نجاحها ونجاح هذا العرس الإنتخابي الهام. ويتحمل الغائبون عن هذا الموعد مسؤولية تفويت هذه المحطة التي تحمل رهانا مشتركا بين السلطة والأحزاب على اختلاف انتماءاتها وموقعها، لأنها ستكون منطلقا لتفعيل مسار الإصلاحات الذي يكرس الحريات الفردية والجماعية والممارسة الديمقراطية الحقة. للإشارة، فقد أعلن حزبان إلى حد الآن عدم مشاركتهما في الإنتخابات التشريعية القادمة، ويتعلق الأمر بحزب طلائع الحريات، وجيل جديد، فيما أعلنت في المقابل غالبية الأحزاب استعدادها لخوض غمار هذا المعترك الديمقراطي.