حلّ الخريف برواق "حسين عسلة"، وهبّت رياح خفيفة عليها، كما تساقطت أوراق الأشجار، وكسا السماء لون رمادي، وفي جوّ من العشق والرومانسية يحتضن هذا الفضاء معرض نور الدين قيشو، الذي تعكس جماله 25 لوحة في أسلوبي الواقعي والتجريدي. اتّخذ الفنان نور الدين قيشو من الحرية مطية له؛ فهو الفنان العصامي الذي يعبّر عن خوالجه بدون أيّ حدود، ويعتمد في ذلك على مدرستين؛ الأولى واقعية والثانية تجريدية، لكن هذا لا يمنعه في بعض الأحيان، من التوجّه إلى الفن الوسط؛ أي إلى شبه التجريدي. وفي هذا أكّد نور الدين استحالة أن ينطلق مسار أيّ فنان من الأسلوب التجريدي بدون أن يمرّ عبر الأساليب الأخرى. اعتمد الفنان في معرضه هذا على ألوان ساخنة وأخرى باهتة، مشيرا إلى أنّه لا يرسم الحزن، بل يعشق إبراز الجوّ الحالم الذي يشهد بزوغ النور الغاصب لليلة كحلاء، معلنا عن ميلاد يوم جديد كله مفاجآت. ورسم نور الدين لوحات في غاية الواقعية، تنبئ بجمال الجزائر وتنوّع مناخها الطبيعي، واختار لها الحجم الكبير ودقّق في موضوعها، فجاءت التفاصيل تبرز روعة بلدنا وخاصة الريف منه، مثل اللوحة التي رسم فيها بيوتا بسقف من القرميد، تتناثر هنا وهناك وسط طبيعة خلابة، من أشجار وأزهار نبتت على تراب بلون رملي. أما السماء فخالط زرقتها وصفاءها سحاب أبيض به مسحة من الرمادي. كما رسم الفنان لوحات أخرى عن الطبيعة، ومن بينها لوحة كبيرة الحجم استلهمها من القرية التي ينحدر منها بعد أن شهد تدهورها في كلّ مرة زارها فيها، مما دفعه إلى تجسيدها على لوحة من باب التخليد. بالمقابل اهتم الفنان بإبراز تراث بلدنا الشاسع الذي يعود إلى حقب تاريخية قديمة، ليؤكد على عراقة الجزائر وجمالها. ورسم الفنان لوحات معتمدا على الفن التجريدي، مثل اللوحة التي غلبت عليها الألوان القاتمة، واختلطت فيها الأشكال الهندسية. أما في الأسلوب شبه التجريدي فرسم الفنان مقام الشهيد على جنب اللوحة، وفي وسطها رسم هلالا أحمر بالقرب منه رقم خمسة، يمثل الخامس من جويلية عيد الاستقلال. ويفضّل قيشو الاعتماد على تقنية الرسم الزيتي بدلا من الأكوارال، لأنّها يمكن أن تتأثر بمرور الزمن وتُفقد اللوحة بريقها، عكس اللوحات المرسومة بتقنية الرسم الزيتي. كما رفض الفنان بيع لوحاته؛ لأنه لا يستطيع الاستغناء عنها، في حين لم يضع أي عنوان لأعماله ما عدا اللوحة التي رسمها عن قريته. للإشارة، نور الدين قيشو من مواليد 1974 بعموشة. هو فنان تشكيلي عصامي ورئيس جمعية "ألوان للفن والتراث" بعموشة وعضو جمعية "الرشد" الثقافية. تخصّص في الديكور، وظفر بعدّة جوائز من بينها الجائزة الأولى في الفنون التشكيلية، تقنية قلم الرصاص في الطبعة الثالثة للمسابقة الولائية للنشاطات الثقافية والعلمية، والجائزة الأولى للآداب والفنون بسطيف سنة 2011، والجائزة الأولى وطنيا لأحسن رمز للذكرى الخمسين لعيدي الاستقلال والشباب سنة 2013.