أكد أستاذ القانون والخبير الاقتصادي عمار بلحيمر، أن الجزائر تواجه حاليا تحديين أساسيين هما أمنها الاجتماعي وأمنها الإقليمي. صاحب كتاب «الوصايا العشر الجديدة لوول ستريت» الصادر مؤخرا عن الوكالة الوطنية للنشر والاشهار، اعتبر أن العالم اليوم وصل إلى درجة «التطرف الاقتصادي» بوصول دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض، مشيرا في حديث مع «المساء» خصصناه لمحتوى إصداره الأخير الذي جاء في 400 صفحة، إلى أن الليبرالية الجديدة ارتقت اليوم إلى مستوى «المرجعية العقائدية»، وهو ما يفسر عنوان الكتاب الذي يحيلنا إلى «وصايا النّبي موسى». وقال السيد بلحيمر، في هذا الصدد «عنوان الكتاب إشارة إلى الوصايا العشر لسيدنا موسى في صحراء سيناء، لأن المرجعية العقائدية الليبرالية الجديدة تحتوي هي الأخرى على عشرة محاور وضعها مايسمى -إجماع واشنطن- بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وانتصار التيار الليبرالي أو ما يسمى مدرسة شيكاغو، من هنا أصبح العالم يخضع لهذه الوصايا، لهذا قمت بربط الأمرين لاسيما وأن هذه العقيدة أصبحت بمثابة ديانة جديدة يستحيل لأي دولة الخروج عنها، وإذا فعلت ذلك ستضرب بالعصا». وليؤكد تحليله ذكر بأن كل أنماط التنمية القومية «هزمت وحوربت وتم القضاء عليها عن طريق أنماط استعمارية جديدة وأخرى عسكرية مثلما حدث في العراق وليبيا وسوريا». فهذه الأمثلة كلها تشهد كما يضيف محدثنا أنه أصبح من المستحيل الخروج عن «إجماع واشنطن». هذا الأخير كما يشرح الأستاذ بلحيمر هو اتفاق بين المؤسسات المالية الدولية أبرم في 1990 لوضع تأطير عام للتوجه الجديد للسياسات الاقتصادية، ومعمول به خاصة من طرف البنك العالمي وصندوق النقد الدولي. لكنه فضّل أن يطلق عليه تسمية «العقيدة الجديدة» أو «الديانة الجديدة» التي من بين أهم معالمها إلغاء المساعدات العمومية للفئات الهشة، والحفاظ على توازن الميزانية بمنع أي دولة أن تعيش بأكثر من إمكانياتها تجنبا للعجز الميزاني أو مايسمى ب»الدستورية الاقتصادية». إضافة إلى الفوارق في الضرائب التي أدت إلى تعميق الفوارق الاجتماعية، حيث يحتكم 1 بالمائة من البشر في 43 بالمائة من الثروات العالمية، وتحرير تصدير رؤوس الأموال، تحرير أسعار الصرف والتجارة وخوصصة القطاع العام التي تندرج في هذا الإطار. وصول ترامب إلى البيت الأبيض انتصار لليبرالية وليس شعبوية وعن الرسالة التي أراد الأستاذ بلحيمر، توجيهها عبر هذا الإصدار الجديد وفي هذا الوقت بالذات، قال إنها تدور خصوصا حول «المخاطر السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يأتي بها النظام الليبرالي الجديد بما فيها انتصار دونالد ترامب في الرئاسيات الأمريكية»، حيث يرفض القول بأن ذلك حدث بسبب «الشعبوية» التي تميز بها، واعتبر أنه لم يحدث أن كانت الأوساط الرأسمالية في موقع انتصار مثلما هي الآن مع مجيء ترامب. والدليل كما أوضح «منذ تولي زمام الأمور ارتفعت الأسهم في وول ستريت وكأنها تحتفل بانتصاره... كما أن الإدارة الأمريكية الجديدة مكونة في أغلبها من رجال أعمال، وهذا يعني أنه لم يسبق وأن كنا في وضع بهذه الخطورة من حيث التوازن الاقتصادي والمرونة في التعامل، ما يدفعني للقول إننا اليوم في مرحلة تطرف اقتصادي». وعن إمكانية مقاومة هذه «الديانة الجديدة» يرى الأستاذ بلحيمر، أن الأمر صعب جدا، حتى وإن كانت هناك إمكانية للمواجهة من طرف الدول الصاعدة لاسيما روسياوالصين والبرازيل والهند وجنوب إفريقيا، التي يمكنها أن تحدث توازنا للحد من أثار الليبرالية الجديدة. إلا أنه اعترف أنها لا تملك القوة اللازمة لمواجهة النموذج الليبرالي الجديد الغربي. وذكر في السياق بتصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغيي لافروف، الذي تحدث عن «ما بعد الغرب» أي الوصول إلى محور توازن جديد خارج الغرب. لكن أشار إلى أن ذلك «مسار بعيد» لأن الصين تحتكر 8 بالمائة فقط من الثروة العالمية، في حين مازال التنافس الأساسي بين القطب الأوروبي ب32 بالمائة من الثروة وأمريكا ب31 بالمائة من الثروة. من جهة أخرى فإن صعوبة المقاومة راجعة أيضا إلى أنها ستؤدي «إلى تدخلات قد تكون في شكل عسكري»، فهناك كما قال عودة إلى النماذج القديمة للهيمنة بما فيها السيطرة المباشرة العسكرية حتى لو أخذت صيغا جديدة تظهر في «خوصصة مصالح الأمن». فالجيوش أصبحت حاليا «تفوض شركات خاصة للقيام بمهام عسكرية واستعمال القوة داخل البلد وخارجه، وهو ماشهدناه مثلا في العراق حيث تسيطر شركات أمنية خاصة على الوضع»، كما أن السجون الأمريكية مسيرة من طرف شركات أمنية خاصة وهو ما جعل الولاياتالمتحدة تتحول إلى «دولة سجون»، كما أصبحت توصف بالنّظر للعدد الكبير للمساجين «فهي أول دولة قمعية لأن الشركات الخاصة من مصلحتها ارتفاع عدد المساجين لرفع أرباحها وأرقام أعمالها»، ليعلق قائلا «حتى احتكار العنف تخلت عنه الدولة وكأننا أصبحنا أمام دول بدون سيادة». الجزائر أمام تحديي الأمن الاجتماعي والأمن الاقليمي وبالنسبة للجزائر التي لم يتطرق إليها الأستاذ في كتابه، يقول إنها أمام تحديين الأول «الأمن الاجتماعي» وهو حاليا «مضمون رغم أن تكلفته عالية إذ تصل إلى 12 مليار دولار من التحويلات الاجتماعية لضمان السّلم الاجتماعي». والثاني هو «الوضع الأمني» لأنها «في محيط جيو سياسي مقلق وكارثي بسبب المشاكل في دول الجوار، وهو ما يجعلها تنفق بين 10 و14 مليار دولار سنويا للحفاظ على أمنها وفي نفس الوقت الحد من الهجرة غير الشرعية». ومن الناحية الاقتصادية، فإن الجزائر حاليا مازالت محافظة على نمط «الاقتصاد الاجتماعي للسوق»، كما يوضح الأستاذ بلحيمر، الذي أكد أن ذلك تفرضه «اتجاهات ثقيلة» يستحيل أن يتم الخروج عنها «مادامت التبعية للمحروقات مازالت متواصلة ولا يوجد تنوع اقتصادي.. فالدولة تبقى قوية لأن الريع خارج عن النشاط الانتاجي، فلدينا اقتصاد توزيع وليس اقتصاد إعادة توزيع للثروات، ناهيك عن قلّة تحصيل الضرائب وقوة السوق السوداء وإحصاء 52 بالمائة من اليد العاملة غير المصرح بها في الضمان الاجتماعي، وأكثر من 40 بالمائة من الدخل القومي غير الخاضع للضرائب»، ليؤكد أنه «مادام البترول موجودا لن نخرج من النّمط التقليدي».