لقد شكّل الأدباء الشهداء ظاهرة في تاريخ الثورة الجزائرية بعدما ساهموا بنضالهم ومواقفهم الفكرية والسياسية في مواجهة المستعمر، الذي لم يجد سبيلا لإسكات أصواتهم سوى ضربهم بالرصاص، بقيت أسماء هؤلاء الذين سقطوا في ساحة الشرف، منارة لأجيال المثقفين أصحاب القضية.عن هذا التاريخ يتحدث إلى "المساء" بعض المشاركين في ملتقى الأدباء الشهداء الذي احتضنته سكيكدة مؤخرا . انضم المثقفون والأدباء إلى صفوف المقاومة منذ أن وطئت أقدام الاستعمار أرض الجزائر، خاصة في أربعينيات القرن الماضي، فساهموا في تنوير الرأي العام الجزائري والدولي، وفي غرس الوعي ورص الصفوف ودفعها إلى الثورة. إن كتابات هؤلاء بمثابة تأسيس للفكر الثوري، لذلك عمل المستعمر على بذل كل ما لديه من قوة لصد أفكارهم وحجبها، فاغتال من اغتال، وأعدم وسجن ونفى، لكن التاريخ وحده هو من أنصف وشهد لمسيرة الأدباء الموقّعة بالحبر والدم. يتحدث بعض المشاركين عن هذا التراث على هامش اليوم الدراسي الذي احتضنته مؤخرا جامعة 20 أوت 55 بسكيكدة، والمخصصّ للأدباء الشهداء تحت شعار "جدلية الحبر والدم"، حيث أشار الدكتور بوساحة حسن (أستاذ الأدب المقارن والترجمات بجامعة الإخوة منتوري بقسنطينة ومدير مخبر عن التكوين في الدكتورة)، إلى أن كل كتابات مولود فرعون كانت مناهضة للاستعمار الفرنسي؛ على اعتبار أنه كان وطنيا من العيار الثقيل وروائيا كبيرا، التزم من خلال كل كتاباته المدججة بالحوارات القوية والثورية وبنشاطه كمفتش في مراكز اجتماعية، بفضح الاستعمار من جهة، وتعليم وتوعية الجزائريين، خاصة أولئك الذين حُرموا من التعليم ومن الحياة الكريمة. أكد المتحدث أن الشهيد مولود فرعون كان حريصا على الدفاع عن التاريخ والهوية الوطنية، والدليل في ذلك حرصه على تدريسهما للجزائريين في تلك المراكز الاجتماعية التي كان المستعمر الفرنسي يصفها بوكر الأفلان، وفيها جسّد فرعون مواقفه المناهضة للاستعمار، والتزم بمحاورة الأدباء الفرنسيين الذين وُلدوا في الجزائر، ورد عليهم بعبارته: "إنّ هذا الشعب جزائريّ، وهذه لغة جزائرية"، وهكذا كان من خلال كتاباته يعطي للعالم صورة حقيقية عن معاناة الشعب الجزائري الذي كان يئن تحت نير الاستعمار. رد المتحدث على سؤال "المساء" حول حصر اسم هذا الشهيد في منطقة القبائل الكبرى، حيث أكد أن ذلك لا يبدو في تراثه الأدبي على الرغم من انطلاقته من خصوصية بيئته القبائلية، التي تشبّع فيها بروح الوطنية، لكنه كان يتحدث باسم الشعب الجزائري عامة الذي كان يعيش نفس الظروف ونفس المأساة. البعض يحاول أن يختزل شخصية مولود فرعون في منطقة القبائل الكبرى كما أكد بوساحة أنه كانت لمولود لمولود فرعون علاقات قوية ومتينة بالأدب الأجنبي، ففي ألمانيا حاليا أصبحت كتاباته نموذجا في تربية الأطفال، وله أيضا علاقات مع الأدب الإفريقي وحتّى مع الأدب الفرنسي، زيادة على أن "ابن الفقير" تُرجم إلى عدّة لغات عالمية، وهو الآن يُدرّس في العديد من الجامعات العالمية. إنّ الظروف الصعبة التي عاش فيها مولود فرعون في ظل وحشية المستعمر هي التي جعلته يتحدى المستعمر، فقد كان يكتب في الخفاء، وكان يضع يومياته بين كراريس تلاميذه ليرسلها إلى صديقه "روبلس" في فرنسا، لينشرها له هناك. وأضاف المتحدث أنّ ممارسات المستعمر دفعته إلىالكتابة؛ حيث كان يستعمل طرق التلميح والرمزية لإيصال أفكاره التي من خلالها يعطي الصورة الحقيقية عن الوضع في الجزائر، خاصة عن الظروف المأساوية التي كان يعيشها الشعب، وفعلا تأثر العالم بالثورة الجزائرية من خلال روايات مولود فرعون التي تفاعل معها. كما أنها كانت سببا في تغيير أفكار بعض الفرنسيين الأحرار؛ كجون بول سارتر، الذي دافع عن الثورة الجزائرية حتّى إنه قال: "لست حرّا، الرواية عكست السيرة الذاتية لمولود فرعون، أعطاها لباسا أدبيا راقيا، معتمدا على جماليات أسلوبه العذب، الذي لا يقل في تقنيته عن تقنيات كبار الأدباء والرواة، بقوة خارقة أعطت الروائع الأدبية؛ فالألم يولّد إبداعا". من جهته، تحدّث د.بوبعيو إلى "المساء" عن الشهيد أحمد رضا حوحو المولع بالتحرر؛ فهو من ضمن الأدباء الشباب الذين التحموا بالثورة المباركة؛ من خلال عدد من القصص والمقالات الأدبية التي مجّدت الثورة، ودعمتا على المباشر، مما جعل المستعمر يعي حقيقة هذا الموقف، فكان مصيره الاغتيال، ليلتحق بقوافل الشهداء. وأضاف المتحدث أن الشهيد حوحو كتب بالعربية، في حين كتب زملاؤه عن مواقفهم ومشاعرهم تجاه الثورة باللّغة الفرنسية. وتمكن الشهيد من امتلاك ناصية العربية، وكان أكثر المعربين حضورا وتأثيرا. تمنى المتحدث من وزارة التربية الوطنية أن تعزز أكثر عملية وضع برامج تتضمن تاريخ الثورة وشّهدائها خاصة من الأدباء سواء من الذين كتبوا بالفرنسية أو بالعربية فضل الكتابة سواء كان ذلك متعلّقا بالكتابة باللّغة الفرنسية أو اللّغة العربية، وقال:« في الحقيقة لم تقصّر الوزارة ، ولكنّنا في حاجة إلى اهتمام أكبر ، وفيما يخص الجامعة فأنا مدرك تماما وجود اهتمام كبير بما يسمى بالأدب الجزائري الذي أصبح يمثّل اختصاصات في الماستر، فهناك أكثر من تخصص في الأدب الجزائري، وتبقى المسؤولية ملقاة على عاتق الأساتذة الأكاديميين من أجل وضع النقاط على الحروف؛ حتّى يكون طلبتنا على دراية تامّة بكل ما يتعلّق بوطنهم وتاريخهم". ألحّ المتحدث على ترسيخ ذكرى شهدائنا بمن فيهم الأدباء عند النشء، خاصة في المنظومة التربوية لسد التقصير، معتبرا أن الجزائر تملك ما يكفي من التاريخ والتراث لتورّثه لأبنائها، ثم بعد ذلك لا بأس من الانفتاح على الشرق والغرب.