أجمع الأفارقة أمس، في الاجتماع الأول لمكتب الاتحاد الإفريقي بالعاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، على تعيين الرئيس الجزائري السيد عبد العزيز بوتفليقة، منسقا إفريقيا لمكافحة الإرهاب. انتزاع هذا التكليف المستحق يندرج في إطار الاعتراف والإشادة بالمجهودات الكبيرة للجزائر وللرئيس بوتفليقة شخصيا في مكافحة الإرهاب، ليس على مستوى الجزائر فقط، ولكن على مستوى المجهودات التي تبذلها الدبلوماسية الجزائرية، تحت رعايته السامية وبتوجيهاته الدقيقة في تغليب ميكانيزمات الحلول الجذرية التي تقوم أساسا على اجتثاث منابع الإرهاب ومغذيات التطرف. الأفارقة وفي إجماع مطلق على تكليف الرئيس الجزائري بهذه المهمة الصعبة يقرون بدور الجزائر وتجربتها الكبيرة ليس فقط في مكافحة الإرهاب، ولكن بدورها الكبير والهادئ والمتوازن في تفكيك الفتن الإفريقية، وفي إخماد بؤر التوتر بتغليب لغة الحوار والتنازل بين جميع الأطراف المتصارعة. الاعتراف الإفريقي الواسع والمطلق بحنكة الرئيس بوتفليقة، شخصيا منذ اعتلائه سلطة الحكم في الجزائر ودوره الكبير في إخماد الكثير من النزاعات، سواء في إفريقيا منذ إبرام الصلح بين أثيوبيا وايريتيريا، أو دوره الفاعل في البحث عن صيغ تنهي الحروب الأهلية في مالي والنيجر، ومن قبل في رواندا وحاليا في ليبيا وسوريا. ..ومبدأ الجزائر الثابت في دعم حركات التحرر، وحريات الشعوب واستقلالها في إطار القوانين ومرجعيات الأممالمتحدة ومجلس الأمن الدوليين، سيما ما يرتبط بقضية تصفية الاستعمار في الصحراء الغربية واستقلال فلسطين. الأفارقة المجتمعون أمس، بأديس أبابا، التزموا بدعم الرئيس بوتفليقة، في تسوية كل النزاعات المسلّحة وغير المسلّحة في إفريقيا، وأكدوا في بيانهم ومداخلاتهم، بأنه الأجدر على أداء هذه المهمة، متمنين أن تكلل بنجاح قوي وعاجل يحقق الاستقرار الشامل في إفريقيا، حتى تتفرغ الدول الإفريقية إلى مجهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية والصحية والبشرية. وتجمع قوتها وتتجاوز خلافاتها من أجل نهضة إفريقية شاملة. واعتبر المحللون الأفارقة أمس، في أكثر من موقع أن تعيين وتكليف الرئيس بوتفليقة، بهذه المهمة هو استحقاق يؤكد حقيقة ثابتة تترجم مجهود الجزائر المتواصل منذ 1999، على السعي دوما ودون هوادة لتحقيق مصالحة شاملة بين كل الدول الإفريقية، وإحداث تقارب وتعاون مثمر بين شعوب القارة. كما تترجم هذه «المبايعة» الإجماع الدولي على أن الجزائر أصبحت مدرسة دولية في مكافحة الإرهاب. لقد شهدت كل دول العالم وأجهزتها الأمنية ومدارسها العسكرية على أن الاحترافية العالية للجيش الجزائري وأسلاك الأمن المختلفة، باتت تتمتع بخبرة وحنكة وكفاءة عالية في مكافحة الإرهاب والتطرف. لقد عبّرت الولاياتالمتحدةالأمريكية علانية وكذا بريطانيا وفرنسا وإسبانيا وألمانيا وبلجيكا وعديد الدول الإفريقية والبلدان الأسيوية، عن تقديرها للتجربة الجزائرية وسعت إلى الاستفادة من تبادل الخبرة مع الجزائر. أكثر من ذلك لقد تهاطلت أوسمة الاستحقاق والشرف على مؤسسات الأمن الجزائري، من جيش وشرطة ودرك من عديد المؤسسات العالمية والدولية. إن المقاربة الجزائرية في مكافحة الإرهاب والتطرف لم تعتمد «الكل الأمني» بل ظل الرئيس بوتفليقة، يجدد في كل خطاباته، ومن فوق كل المنابر في التجمعات الوطنية والإفريقية والعربية والغربية، على أن القضاء النهائي على الإرهاب يكمن أيضا إلى جانب مكافحته دون هوادة بالسلاح في اجتثاث منابعه المتعددة، وأبرز أن هذه المنابع تشمل أيضا إلى جانب الفقر وأزمة الغذاء والصحة والتفاوت في الثروات وفي الحقوق... تشمل أيضا واجب إحلال تعميم حقوق الإنسان والمساواة بين الشعوب في الحرية والاستقلال. ولعل تأسيسه إلى جانب الرئيس النيجيري والجنوب إفريقي، أوباسا نجو ومبيكي، ما كان يعرف ب«النيباد»، كان دليل مسعى وإثبات على أن التنمية وسد الفوارق بين المستضعفين والفقراء من جهة، وأغنياء العالم وأثريائه من جهة ثانية هو الحل. لقد كان الرئيس بوتفليقة، أول من حذّر من نزوح الفقراء إلى الشمال (اللاجئون) وكان هذا منذ اعتلائه سدة الحكم في الجزائر. وفي مرافعاته في المحافل الدولية، سيما أمام مجموعة الثمانية الأغنى في العالم وكذا أمام الدول الأوروبية وغيرها، لكن تحذيرات الرئيس المبكرة من هذا النّزيف نحو الشمال، تماما كما كانت تحذيراته بشأن الإرهاب ومن بعد ذلك تحذيراته بأن التدخل العسكري في العراق وفي سوريا وفي ليبيا، ليس الحل الأمثل... لكن تحذيراته هذه لم تلق الأذان الصاغية والاستجابات السريعة، والنتائج كما يعرفها الجميع اليوم. إن رفض الانقلابات العسكرية كان على رأس أولويات مرافعات الرئيس بوتفليقة في كل المحافل. وحذّر من عواقبها الوخيمة على الشعوب والدول على حد السواء. لذلك كانت مبادرته في الدعوة إلى إنشاء مجلس للأمن الإفريقي ومجلس للعقلاء ضم كبار السياسيين في القارة، كالراحل المغفور له الرئيس الجزائري أحمد بن بلة، والرئيس التنزاني الراحل جوليوس نيريري وقامات أخرى كبيرة من العقلاء والقادة الأفارقة، مسعى يغلب الوساطة والحكمة والحوار في فض النزاعات.